رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عالم أزهري: لهذه الأسباب تأخرنا وتقدم غيرنا

أحمد الخطيب
أحمد الخطيب

أصبح كل فرد مسلم أو عربي يسأل نفسه سؤالًا واحدًا في هذه اللحظات الراهنة والمفصلية التي تعيشها الأمة الإسلامية: ماذا حل بنا؟ ولماذا أصبيت هذه الأمة بكل هذا الوهن والتخلف والتراجع؟ هل المواطن المسلم نوع رجعي غير قادر على التطور مع الزمن؟ أو أن سبب ما تعانيه هذه الأمة راجع إلى أن دينها لم يعد مناسبا لهذا العصر؟

الدكتور أحمد سعد الخطيب، عالم التفسير المعروف بالأزهر الشريف، قال إن الجواب على هذه الأسئلة واضح في كتابه تعالى: ﴿وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾.

وتابع: هذا قانون ثابت فحواه أنه لا تقوم أمة أبدا ولا يرسخ مجتمع كانت الفرقة ديدنه. ومن هنا رأينا القرآن الكريم يعرض لنا نماذج عن أمم قتلتها العداوة والبغضاء وأن سبب ذلك بلا ريب هو البعد عن المنهج الإيماني والتشريع الرباني قال تعالى: ﴿فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾.

وأضاف: فالفرد المسلم إنما تنبع قيمته من كونه جزءا من مجتمعه لبنة من لبنات بنائه عضوا من أعضاء جسده هو ذاك الذي عبر عنه هذا المثل النبوي "إِنَّ مَثَلَ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى"، فاللحمة بين أفراد المجتمع هي سبب قوتهم ولا تكون لحمة إلا حيث يكون رابط ومشترك ولا رابط أقوى من رابط الإيمان قال تعالى «إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم».

وتابع: هذا التمزق المعنوي والحسي بين المسلمين هو الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم دائما يخشاه على أمته بأن تدب فيها الفتن أو يكون بأسها بينها، فالمصيبة كل المصيبة أن يكون عدوك أخاك الذي يعيش معك وتعيش معه ولذلك خرج النبي مذعورا من خلاف دب بين المهاجرين والأنصار في إحدى غزواته، وقصة ذلك "أن رجلين من المهاجرين والأنصار تشاجرا فَقَالَ الأَنْصَارِى ُّيَا لَلأَنْصَارِ وَقَالَ الْمُهَاجِرِى ُّيَا لَلْمُهَاجِرِينَ، فَسَمِعَ ذَاكَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: مَا بَالُ دَعْوَى جَاهِلِيَّةٍ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَسَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ: دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ".

وأكد على أنه لا أظن المسلمين غافلين عن هذا ولكنها الرقة في الدين التي أصابت القلوب بوهن الإيمان فسهل عليها التخلي عن وصايا القرآن ووصايا السنة بالاتحاد والتآخي ونبذ الخلافات وتحقيق المصالحات، حتى باتت الموازانات المصلحية في الدنيا أكثر جذبا للناس من الدوافع الإيمانية وهنا يكمن الداء، وكان من نتائج هذا أن كثر التدابر والتحاسد والتباغض بين المسلمين، سواء في بيئاتهم الصغيرة أو على مستوى الدول، فأين هذه النتيجة من ذلك النهي في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تَقَاطَعُوا، ولا تَدَابَرُوا، ولا تَباغَضُوا، ولا تحاسدوا، وكونوا عبادَ الله إخوانا، ولا يَحِلُّ لمسلم أن يَهْجُرَ أخاه فوق ثلاث".

وأشار إلى أنه لا بد من أن نشير إلى أزمة كبرى وقعت فيها المجتمعات الإسلامية نتيجة التمذهب والأدلجة والتفرقة إلى جماعات يحتكر بعضها، وصف الحق فتعتقد أن الحق ملازمها وحدها، وأن ما سواها على الباطل، ونتيجة لهذا أنزلت الفروع منزلة الأصول والمتغيرات منزلة الثوابت فانقلبت الحقائق وتبدلت المهايا فبدا المجتمع المسلم في نظرها مجتمعا ضالا إن لم يكن كافرا وأي تشرذم واختلاف بعد هذا يمكن أن يشار إليه على أنه سبب وهن الأمة وضعفها.

وتابع: إن المتربصين يعلمون أنه ما من شيء يمكن أن يزلزلوا به كيان المسلمين أكثر من تغذية الخلافات المذهبية فيغروا بينهم العداوة والبغضاء، ولذلك فهم أسخياء جدا في الإنفاق على تحقيق هذا الهدف.

وأكد على أنه لا يشك في أن الإرهاب الذي نعيشه ونراه إنما يتغذى وتشتد قوته بهذا الإنفاق السخي جدا لتلخص لهم تلك النتيجة (المسلمون إرهابيون حتى مع بعضهم البعض فما بالك بعلاقتهم مع الآخر وموقفهم منه؟)، حتى بات كثير من المسلمين في المجتمعات الأوربية والغربية يفكرون جيدا فيما آل إليه أمر المسلمين من هذا التفرق مع توفر كل أسباب الاجتماع والاتحاد، وقد حكى الدكتور محمد راتب النابلسي رحمه الله ما قاله له أحد المسلمين الأمريكيين حيث قال له: أعداؤنا يتعاونون تعاونًا أسطوريًا على قواسم مشتركة، تساوي (5% فقط، ونحن نتقاتل، وبيننا قواسم مشتركة، تزيد عن (95%)، يتعاونون على (5%) من القواسم المشتركة، المسلمون: إله واحد ورسول واحد وكتاب واحد والقيم واحدة والآلام واحدة والآمال واحدة، وهم مع ذلك ممزقون شر تمزيق.