رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حكاية الأسطى عبدالعظيم مع أحذية "الأفندية" و"القباقيب"

الأسطى عبدالعظيم
الأسطى عبدالعظيم

وسط منطقة باب الخلق، التي تغزوها محلات تتميز بالطابع القديم، وبالرغم من ذلك يجذبك منظر أحد المحال التي تبدو وكأنها قديمة للغاية، ومن الواضح أنها على حالها منذ سنوات بعيدة، فلم يجرِ لها أى ترميم أو تحديث، فحتى زجاج المحل لا يزال مهشما، وأبوابه متهالكة، وأدواته مترامية، بين كل ذلك يجلس عم عبدالعظيم محمد، البالغ من العمر 66 عامًا وفي يده المرتعشة مطرقة بسيطة يضرب بها على قبقاب في مراحله الأخيرة من التصنيع، وذهنه شاردًا في الماضي يسترجع به ذكرياته في هذا المكان الذي كان يرتاده "الأفندية" لشراء أحذيتهم الفخمة، واليوم تحول لورشة بسيطة لصناعة القباقيب وتعمل في المواسم فقط.

ببطئ شديد يرفع الأسطى عبدالعظيم، نظره الذي يملأه الحسرة ليروي قصة هذا المكان، وبدأ بالسرد قائلًا: "منذ طفولتي وأنا بين جدران هذا المكان، الذي كان مملوكًا لوالدي منذ بداية ثلاثينات القرن الماضي، فكان من أشهر محلات صناعة الأحذية القديمة في مصر، وكان زبائنه الذين يترددون علينا باستمرار من الأفندية والباشاوات، فالبدلة والطربوش كانا لا يرتدون إلا على حذاء فخم من الجلد البقري الطبيعي ذو "أستك" من الجنبين، بدأت أتشرب المهنة وأعمل بها هنا منذ الستينيات وبعد وفاة والدي ورثتها منه، واستمر الأمر مدة ليست بالقليلة، حتى بدأ هذا النوع من الأحذية يتضاءل تدريجيا وذلك لعوامل عديدة منها عدم توفر خاماتها كالأستك المستورد، وتغيير الموضة، ودخول الإسكاي عالم الأحذية وندرة استخدامها، منذ ذلك الوقت أي قبل 25 عامًا أدخلت صناعة القباقيب المحل لتساعد في تحسين الإيراد الذي فقدت معظمه، وذلك لكونه لا يتكلف جهدًا ولا أموالًا كبيرة كالأحذية، حسرة بدت على وجهه إثر فقدان أيام عز الحرفة قائلًا: "أيام أبويا كان لا يمكن إن حاجة زى دي تدخل المحل أبدًا بس هنعمل إيه نصيب".

لم يرحم الزمن الأسطى عبدالعظيم، فبعد تحوله من صناعة الأحذية لصناعة القباقيب والذي مع الوقت أصبحت هي الأخرى تعاني من ندرة الطلب عليها، خاصة بعد توغل البلاستيك والمطاط في صناعتها لتتحول إلى صناعة موسمية: "مبشتغلش غير فترة المواسم الدينية كــ"مولد النبوي - وشهر رجب - وشعبان - ورمضان - ومولد الحسين - والسيدة زينب" وذلك لأن محبي الخير يقوموا بشرائه للتصدق به في المساجد في هذه الفترات".

ولم تسلم هذه الحرفة أيضًا من معاناة زيادة الأسعار، فغلاء الخشب والعمالة أثرا بشكل كبير على عملية البيع، فما كان يميزه رخص سعره مقارنة بالمطاطي، حتى أن الزبون يفاصل في ثمنه قائلًا "أنا هاخده للجامع" فما على إلا أن أرد عليه قائلًا: "أنا بإيدي إيه الخامة غالية مش أنا إللي بغليها".

وعن عمل القبقاب أضاف عبدالعظيم: "له أنواع محددة من الخشب الذي يصلح لصناعته كخشب فينكس والسيبيانس والمانجو، فيتم تقطيع الخشب في الورش ويشق القالب بالمنشار إلى نصفين ثم يثبت "سير" المطاط بالمسامير؛ وأنتج في اليوم 20 زوجًا، ويوم أبيع وأيام لأ، لكن على كل حال أنا راضي بما يقسمه لي الله.