رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ساحات انتظار ومواقف.. وطرائف!


زحمة يا دنيا زحمة، زحمة وتاهوا الحبايب. وكان من المفترض أن تبدأ الحكومة منذ ٨ شهور، على الأقل، في اتخاذ إجراءات حاسمة وصارمة للقضاء على ساحات وأماكن انتظار ومواقف سيارات الأجرة، غير الرسمية، أو العشوائية، المسئولة عن جانب كبير من فوضى الشوارع واختناق المرور. لكن يبدو أنها لم تبدأ بعد، أو بدأت ودارت على شمعتها، فلم يظهر لما أنجزته أي أثر!.

غير فوضى الشوارع والاختناق المروري، فإن هذه الأزمة الأزلية تهدر المال العام، وتمنع عن خزانة الدولة من عشرات الملايين هي حصيلة الرسوم والضرائب والـ«كارتة» التي يقوم بتحصيلها «بلطجية» أو فهلوية نيابة عن الدولة، أو مناصفة مع موظفي الوحدات المحلية وأمناء الشرطة. ولك أن تتخيل حجم الكارثة ومقدار ما يتم إهداره أو اقتسامه، حين تعرف أن عدد ما أمكن حصره يقترب من ألفي (٢٠٠٠) موقف وساحة ومكان انتظار، غير رسمية (عشوائية)، بينما بلغ إجمالي عدد الرسمي منها ٩٢٢ فقط، بما يعني أن الأولى تزيد على ضعف الثانية بـ١٠٠ على الأقل. ولا تندهش أو تتعجب، لأنك ستجد، بعد سطور، فجوات أكثر اتساعًا.

أزمة انتشار الساحات والمواقف العشوائية بالمحافظات، المستمرة منذ عشرات السنين، ناقشتها لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب في ديسمبر الماضي، وطالبت الحكومة، وتحديدًا وزارتي الداخلية ووزارة التنمية المحلية والمحافظات، بحصرها، وبوضع خطة زمنية وخارطة طريق لمواجهتها. وفي اجتماع عقدته اللجنة في ٦ مارس الماضي، طالب أمين عام الإدارة المحلية بوزارة التنمية المحلية بإمهاله حتى الاجتماع التالي، ليقدم ما تم اتخاذه من إجراءات، ويطرح خطة زمنية للقضاء عليها، أو تقنينها وإدخالها في المنظومة الرسمية، وكذا ما تم الانتهاء منه بشأن اللائحة الموحدة (النموذجية) للمواقف على مستوى الجمهورية، وإجراءات ميكنتها، وتفعيل قانون كاميرات المراقبة. وعليه، أمهلته اللجنة (أي أمهلت الوزارة) حتى ١٥ أبريل الماضي لإفادتها بكل ما سبق ذكره.

لو تجاهلت السنوات الطويلة التي قد تساوي نصف أو كل عمرك، ولو تغاضيت عن الفترة الواقعة بين ديسمبر ومارس، فقد فات ١٥ أبريل و١٥ مايو و.... و.... ولم يحدث أي شيء، على حد علمي. وقد يصل إلى علمك أنت أيضًا لو مررت بميدان الإسعاف، أو أمام مسجد الفتح بشارع رمسيس، أو خلف المسجد نفسه بشارع الجمهورية، أو في شارع الجلاء أو غيرها من الأماكن التي وردت بالحصر الذي قامت به محافظة القاهرة، منذ ٨ شهور، بعد أن طالبها البرلمان بحصر هذه المواقف ووضع صيغة وخطة زمنية للتعامل معها. ومن الطرائف أيضًا أنك لو قطعت، الآن، شارعي فيصل والهرم، ذهابًا وإيابًا، تجد مواقف عشوائية في عرض الطريق، وسترى سيارات الميكروباص المتهالكة (رمسيس وفولكس فاجن موديل السبعينيات وانت نازل)، بدون لوحات معدنية، أو قد تكون موجودة على غطاء الموتور الخلفي المرفوع دائمًا!.

محافظة القاهرة كانت أولى المحافظات التي أعدت حصرًا شاملا بكافة مواقفها العشوائية. وأرسلت إلى لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب، في مارس، بيانًا تفصيليًا، أعدته الإدارة العامة للمرور بالقاهرة. ووقتها أكدت المحافظة أنها تقوم بإعداد خطة بالتنسيق مع وزارة الداخلية لمواجهة تلك الأزمة. وفي هذا الحصر، كان عدد الموقف العشوائية ١٠٢، وهو العدد نفسه الذي تضمنه الحصر الذي قدمته وزارة التنمية المحلية بعد ٣١ مايو الماضي، وربما يكون هو العدد نفسه الذي قدمته أمس أو ستقدمه اليوم أو غدًا، بينما ظل عدد المواقف الرسمية ٥١ دون زيادة أو نقصان. وفي مقابل ١٣٧ ساحة انتظار رسمية يوجد أكثر من ١١٠٠ ساحة عشوائية.

زجاجة المواقف وساحات وأماكن الانتظار وفوضى الشوارع وأزمة المرور، التي تحاول مصر المرور من عنقها منذ عشرات السنين، ليست كلها فارغة، فلدينا ١١ محافظة خالية من المواقف العشوائية، هي دمياط، بورسعيد، السويس، البحيرة، كفر الشيخ، بني سويف، سوهاج، أسوان، البحر الأحمر، وشمال وجنوب سيناء. ولدينا أيضًا ٧ محافظات لا وجود فيها لساحات الانتظار غير الرسمية هي دمياط، بورسعيد، كفر الشيخ، مطروح، سوهاج، البحر الأحمر وجنوب سيناء.

طبيعي أن ننتقد ونهاجم محافظي باقي المحافظات ووزيري الداخلية والتنمية المحلية، حين تمر شهور وتجر أخرى دون أن نرى جديدًا أو يحدث تغيير على الأرض أو في الشارع. لكن الإنصاف يقتضي الإشارة إلى أن عدم اتخاذ إجراءات حاسمة ورادعة منذ البداية، والتراخي في تطبيق القانون على مدار سنوات طويلة، جعل مواجهة الأزمة صعبًا أو شديد الصعوبة. وتكون مخطئًا لو ظننت أنها وليدة السنوات العشرة الماضية أو العشرة التي تسبقها، فنحن نعيش في «مولد وصاحبه غايب»، منذ ما قبل سنة ١٩٧٧، وإلا ما كنا استمتعنا بأغنية الأستاذ أحمد عدوية: «زحمة يا دنيا زحمة.. زحمة وتاهوا الحبايب»!.