رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أول سيدة تترشح لرئاسة تونس: أجهزة الدولة «مفككة».. والقاهرة استعادت مكانتها الإقليمية الآن

جريدة الدستور

- شددت على أن مصر ستكون من أولويات علاقاتها الخارجية.. وتعهدت بـ«طوارئ اقتصادية»
- فضلت مواجهة المتاعب على الانضمام لـ«نخبة باريس ولندن»
- سياسات الفقر وانتحار الشباب دفعتنى للخطوة.. والتونسية متساوية مع الرجل


قالت الدكتورة ليلى الهمامى، أول سيدة تترشح فى الانتخابات الرئاسية التونسية ٢٠١٤، والتى أعلنت اعتزامها تكرار التجربة فى الانتخابات المقبلة المقررة فى ٢٠١٩، إن أول قرار ستتخذه حال فوزها فى المنصب هو إعلان ما وصفته بـ«حالة الطوارئ الاقتصادية»، خاصة أن الدافع الرئيسى وراء ترشحها كان رؤيتها للشباب التونسى يفضل الانتحار وسط البحر فى قوارب الهجرة غير الشرعية على البقاء فى أوضاع الفقر والجوع داخل البلاد.
وتعهدت فى حوارها مع «الدستور» بأن تكون مصر ضمن أولويات سياساتها الخارجية بعد توليها المنصب، مشيدة بتجربة القاهرة فيما يتعلق بالاستثمار، والتى ستسعى لتطبيقها فى تونس.

■ بداية.. ما دوافعك للترشح للانتخابات الرئاسية فى تونس؟
- أول دوافعى وطنى بحت مستمد من الشعور بالمسئولية تجاه تونس وشعبها المهدد بسياسات الجوع والفقر، والتى دفعت الشباب إلى تفضيل الانتحار على هذه الأوضاع، عن طريق إلقاء نفسه فى قوارب الموت، سعيًا وراء الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، بجانب الإقبال على تعاطى المخدرات، والالتحاق بالجماعات الإرهابية.
كما أن شعورى بالواجب تجاه المنسيين والمحرومين من أبناء الشعب التونسى، دفعنى إلى مواجهة الصعاب التى ستواجه إعلانى الترشح، رافضة بذلك أن أنضم إلى نخبة مثقفة ومترفه تنتظر من محل إقامتها فى لندن وباريس انهيار بلدى تونس.
وأعتبر ترشحى ثورة حقيقية، ورسالة قوية لعموم الشعوب العربية بوجه عام والشعب التونسى بوجه خاص، وللطبقات الحاكمة فى العالم العربى، من أجل إحداث تغيير حقيقى يلغى الحصار المفروض على المرأة العربية، فى العمل بالمهام العليا للدول، ومنها الوصول لمنصب رئيس الدولة نفسه.
■ كيف ترين قدرة المرأة العربية على التصدى لمنصب قيادى مثل رئاسة الجمهورية؟
- القيادة علم ومعرفة وإرادة وحضور، وهى شروط تتوفر فى العديد من النساء العربيات، خصوصًا أن المرأة العربية بمفعول الإكراهات الاجتماعية والثقافية التى تواجهها فى حياتها اليومية، تجد نفسها فى حالة نضال تلقائى منذ صغرها، ويمثل نجاحها الأسرى والأكاديمى والمهنى إثباتات مهمة لروح المسئولية التى تميزها، فهى مؤهلة بموجب هذا المسار المعقد والمتناقض والصعب، لأن تكون فى قيادة الدولة.
وأعتبر مبدأ قدرة المرأة على تولى المناصب القيادية، صحيحًا فى المطلق النظرى، لكنه يختلف فى تطبيقه الواقعى من قطر إلى آخر، فالمرأة فى تونس تحيا بالفعل فى مساواة تامة، خصوصًا فى الواجبات مع الرجل.
ومن خلال ترشحى، فإن المرأة التونسية حصلت لنفسها على حق طبيعى يتناسب مع حجم تضحياتها، وكفاءتها المثبتة فى مختلف الحياة العامة، وهو وضع لا يمكن سحبه بصفة آلية على كل النساء العربيات، إذ لا تزال المرأة فى العديد من الأقطار تحظى بمكانة خاصة، ولا تحمل نفس المسئوليات مقارنة بالمرأة التونسية.
■ ماذا كانت ردة فعل المجتمع التونسى على ترشحك كأول سيدة للمنصب؟
- المرأة فى تونس معروفة بأنها طبيبة ومهندسة وباحثة، وتمت الإشادة ببطولاتها وكفاحها فى العمل بالصناعة والزراعة وربة بيت حكيمة، وكل هذه العناصر تضافرت اليوم لصناعة رأى عام متحمس لصعود المرأة إلى أعلى مراتب المسئولية فى الدولة، وهو أمر ألمسه فى حياتى اليومية فى لقاءاتى مع المواطنين والمواطنات الذين يبدون حماسًا وتشجيعًا ودعمًا لترشحى.
والمجتمع التونسى يثق بالمرأة، فهو يجدها بطلة فى تراثه ومسئولة ومناضلة فى حاضره، وقادرة على إدارة الشأن العام على مدار مشوار حياتها من المدرسة إلى المعهد إلى الجامعة. والذين يبدون حماسًا وتشجيعًا ودعمًا لترشحى من المواطنين، يعتبرون ذلك تحديًا ضروريًا لطبقة سياسية محافظة لا تستحضر المرأة إلا واجهة لحداثة زائفة أو ملحقًا وتابعًا، وظيفته دعم زعامة وهمية للرجل صنعتها تقاليد بالية فى غياب الكفاءة والاقتدار.
■ ما ملامح برنامجك الذى تريدين تنفيذه حال فوزك فى الانتخابات؟
- أول وأهم المهام الواجب إنجازها بالنسبة للحكم الجديد الذى سينبثق عن الانتخابات العامة سنة ٢٠١٩، هو إعادة الاقتصاد إلى مساره الطبيعى بضرب اقتصاد الموازين واستيعاضه وتطوير نظام الحوكمة، والحد من سلطة البيروقراطية إيمانًا منى بأن هيمنة الإدارة على الاقتصاد لا تولد إلا الفساد.
وعليه فإن رقمنة الإدارة والإلغاء التدريجى للتعامل بالنقد، من أبرز المهام المطروحة لمجابهة التضخم المرضى لاقتصاد موازٍ، وهو ما أصبح اليوم يشكل دولة داخل الدولة، فى تحالف مكشوف مع مراكز وقوى سياسية تستفيد من هذه الشبكات لنيل الدعم المالى.
وسيكون إصلاح منظومة المؤسسات العمومية والمرفق العام، من الأولويات المطلقة لمرحلة ما بعد ٢٠١٩، بجانب التركيز على قطاعى التعليم والصحة، اللذين يشهدان حالة من التأزم الحاد، نتيجة للهجرة المكثفة لأعلى الكوادر، بالإضافة إلى الهجرة غير الشرعية، وهذا يحتاج دعم الاستثمار وإلغاء الحواجز المعيقة له، على شاكلة ما تم إنجازه فى مصر بنجاح.
سيكون هدفى أيضًا ترسيخ ثقافة العمل، خصوصًا تحفيز الشباب على العمل فى المشروعات الخاصة، وبعث المشروعات الصغيرة ذات العلاقة بالمهارات التقنية، التى يحتاج إليها المجتمع فى مختلف القطاعات والمجالات، ومراجعة المنظومة الجبائية فى ثلاثة اتجاهات، أولًا: تجريم التهرب الضريبى، ثانيًا: ضمان الاستقرار الجبائى، ثالثًا: توسيع قاعدة الاستخلاص الجبائى، وهو مشروع سيكون أشمل من حيث إن إصلاح النظام السياسى فى اتجاه إحداث التوازن بين البرلمان وسلطات رئيس الجمهورية، وهو أمر ضرورى وحيوى لإحداث المعادلة بين النظام والحريات، وذلك ما تحتاجه تونس فى هذه الفترة وما يقتضيه مشروع الإنقاذ.
■ وماذا عن رؤيتك للسياسة الخارجية؟
- أنا مؤمنة بضرورة إعادة تونس إلى محيطها الطبيعى، وهو العالم العربى فى إطار الاحترام الكامل لسيادة الدول ولخصوصية تجاربها، خصوصًا العمل لإعادة هيكلة الأمن القومى العربى المهدد من قوى إقليمية معادية، ودوائر الاستعمار الجديد تحت غطاء العولمة، لذلك سيكون تعدد الشركاء مع الدول، من أهم محاور السياسة الخارجية لتونس وفق رؤيتى ومخططى.
■ كيف تنظرين إلى تجربتك الأولى فى الترشح للرئاسة التونسية عام ٢٠١٤؟
- مجرد «جس نبض»، فقد ترشحت فى ظروف مليئة بالعنف والإرهاب داخل المجتمع، حتى يكون ترشحى إعلان تمرد ورفض للتكتلات المدعومة دوليًا وإقليميًا، وبالفعل واجهت عدة أزمات من أطراف متعددة سعت إلى احتكار المشهد الانتخابى وتوجيه الرأى العام.
■ ما أول قرار ستأخذينه حال توليك رئاسة تونس؟
- أول قراراتى سيكون إعلان «حالة الطوارئ الاقتصادية»، وضبط أجهزة الدولة التى تعانى من بعض أشكال الانفلات، وتواجه عملية تفكيك منذ ٢٠١١، مع تشكيل حكومة كفاءات فى المال والاقتصاد والشئون الاجتماعية والصحة والتعليم، والبحث العلمى والأمن والدفاع والأسرة والرياضة والشباب.
■ كيف كانت زيارتك لمصر مؤخرًا؟
- كانت ناجحة بكل المقاييس، إذ تمكنت خلالها من الوقوف على حالة الاستقرار الأمنى والاقتصادى الذى تعيشه «أم الدنيا» اليوم، وهو أمر لم يكن يتاح دون توفر مناخ من الاستقرار السياسى الذى جعل البلاد تستعيد مكانتها الإقليمية كركيزة من ركائز الأمن القومى العربى.
وسعدت بهذه الزيارة، بعد أن كونت فيها علاقات بشخصيات إعلامية نشيطة ومتحمسة لبناء بلادها ومؤمنة بمفهوم التضامن العربى، وأعد بأن تكون مصر ضمن أولوياتى فى علاقات تونس مع أشقائها العرب.
■ ننتقل إلى حياتك الشخصية.. كيف أثرت نشأتك على تفكيرك السياسى والعملى؟
- نشأت فى طبقة شعبية متعلمة ومستنيرة وحريصة على الانضباط غير متسامحة مع التسيّب بكل أشكاله، وكانت عائلتى تقدس المعرفة وتدفعنى إلى تحدى الصعاب والمواجهة مع نفسى، وترك سبل التساهل. وهذه القيم كانت مكونات فاعلة فى شخصيتى وبنيتى النفسية، وأكسبتنى الصلابة، ولذلك كله أجد نفسى أشبه بالملكة فيكتوريا فى الانضباط والحزم، والملكة إليزابيث فى الإنسانية، وحرصها على أن يكون التاج البريطانى رمزًا لوحدة وطنها وعنوانًا لإنسانية الحكم وانشغاله بهموم الشعب. أنا أحمل شخصية تجمع بين «الحزم» و«الإنسانية»، وترى أن الحكم يكون من أجل الشعب وليس العكس.