رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الأفوكاتو.. أسرار من حياة بهاء أبوشقة

جريدة الدستور

ألّف كتابًا عن أغرب القضايا وينتمى لأسرة وفدية.. وليس أهلاويًا أو زملكاويًا
يحب أم كلثوم والعندليب والأطرش ونجاة ولا يشرب القهوة أو السجائر

يعتبره كثيرون مرجعًا موسوعيًا فى الشئون القانونية والدستورية، كان أحد أعضاء اللجنة التأسيسية لإعداد دستور ٢٠١٢، ويشغل حاليًا رئاسة اللجنة التشريعية لمجلس النواب، وقبل هذا هو قاضٍ سابق ومحامٍ شهير، له فى قاعات المحاكم صولات وجولات طوال أكثر من ٤٠ سنة. إنه المستشار بهاء الدين أبوشقة، القانونى والسياسى المخضرم، الذى لم يقف دوره وعطاؤه عند الحد القانونى، بل أصبح رئيسًا لحزب الوفد، أقدم الأحزاب السياسية فى مصر. هنا نكشف عن تفاصيل من الرحلة الطويلة لـ«أبوشقة» فى الحياة والمحاماة والسياسة، منذ أن نزل من على منصة القضاء رئيسًا لمحكمة فى منتصف السبعينيات ليقف أمامها محاميًا.

ترك القضاء.. أنقذ هشام طلعت من حبل المشنقة.. ويحفظ القرآن كاملًا

بهاء أبوشقة، صعيدى من مواليد محافظة أسيوط سنة ١٩٣٨. تأثر بوالده كثيرًا، إذ كان سببًا مباشرًا فى تكوين ثقافته ووعيه وحبه للقانون. كما يعتبر عمّيه، المستشار عبده أبوشقة والمستشار أحمد أبوشقة، مثليه الأعلى فى حياته. وفى حياته سار على نهج الرجال الثلاثة، بل نستطيع أن نقول إنه استطاع أن يتفوق عليهم بقراءاته وتطلعاته.
عائلة «أبوشقة» بأكملها قانونية ووفدية، ومتخصصة بالتحديد فى القانون الجنائى. وقبل سنوات طويلة، استقال «بهاء» من منصبه رئيسًا لمحكمة وعمل بالمحاماة، عام ١٩٧٥. يحكى: «قُيدت فى النقض مباشرة، وكان هناك فطاحل وكبار المحامين وقتها. تخصصت فى النقض الجنائى، وفى ذات الوقت تعامل معى الجميع على أساس أننى فى ذات المسار مع هؤلاء الكبار».
لذلك فإنه يرفض ما يتردد حول أن قضية هشام طلعت مصطفى هى سبب شهرته عندما استطاع بحنكة قانونية أن يغير مصير رجل الأعمال من متهم محكوم عليه بالإعدام شنقًا إلى المؤبد فى تلك القضية، التى أثارت الرأى العام لسنوات. يقول: «أنا معروف كمحامٍ من قبل هذه القضية، ورجال القانون يعرفون ذلك وأؤدى بنفس المستوى، فبفضل الله مفيش قضية غيّرت مساری».
لهذا، ليس غريبًا اعتزاز الرجل بالقانون الذى يعتبره «علم العلوم»، وهو أيضا مُلم بكل العلوم الأخرى مثل المنطق والتاريخ والدين والفلسفة والأدب.
حفظ «أبوشقة» القرآن الكريم كاملًا وبتجويد سليم، ما أثرى لغته العربية التى يحبها ويستخدمها بمهارة فى مرافعاته بالمحاكم، التى تخرج سليمة لا يشوبها أى أخطاء نحوية، وبمخارج ألفاظ سليمة.
يتمتع القانونى المخضرم بذكاء حاد وقدرة فائقة على استيعاب أدق التفاصيل، كما أنه مستمع جيد. ونجده كثيرًا يتحدث بلغة القانون، فهو- كما قلنا- من القلائل الذين يقدسون القانون ويحترمونه، كما أنه من الذين اختصهم الله بتغيير مصائر البشر، فكم من قضية ترافع فيها كان أصحابها فى عداد الموتى.

خطيب وشاعر.. شارك فى «البرنامج العام».. ويحب «اليوجا والجمبرى»

فى طفولته كان يهتم غالبًا بالهوايات الخاصة بمن هم فى سنه، مستهدفًا من ذلك اكتشاف شخصيته، وكان رئيسًا لجمعية الخطابة، ويكتب شعرًا وهو فى الثانية عشرة من عمره، كما مثل مسرحية شعرية أبهرت الجميع فى مدرسته.
يتمنى «أبوشقة» أن تعود الهوايات للمدرسة، حتى يكتشف الأطفال أنفسهم وتتم تنمية مواهبهم، ومن ثم عندما يصل أحدهم إلى الثانوية العامة يكون قد أدرك هواياته بدلًا من الحيرة أمام مكتب التنسيق، ما يقضى على شخصيته عندما يدخل مجالًا غير مجال تخصصه وهواياته.
للمستشار «أبوشقة» مؤلفات أذاعها «البرنامج العام» لمدة ١٧ سنة، منها برنامج «قانون صريح» الذى كان يقدمه الفنان عبدالمنعم مدبولى، وبرنامج «أزواج لكن غرباء» و«حساب السنين» وكان نحو ٣٠ حلقة كل سنة.
هو مستمع جيد للأغانى، خاصة الكلاسيكية منها، ويحب أم كلثوم التى يرى أنها غنت أصعب القصائد وهى موهبة نادرة التكرار، بالإضافة إلى صوت عبدالحليم حافظ وفريد الأطرش ونجاة الصغيرة.
يعتبر الأغانى فنًا راقيًا وغذاءً للروح، فلا يمكن للإنسان أن يعش حياة جامدة، بل عليه أن يعيش مع الفن من خلال مشاهدة فيلم أو مسلسل أو الاستماع إلى الموسيقى.
«أبوشقة» ليس أهلاويًا أو زملكاويًا، ولكنه «مصرى فقط دون أى انتماءات لأى ناد». على مستوى الرياضة يفضل لعبة «اليوجا» التى يعدها من أنواع الرياضات الجيدة للجسد ومريحة للأعصاب، ويراها مفيدة فى إراحة العقل من أعبائه.
وبسؤاله عن أكلاته المفضلة، يقول: «أنا راجل صعيدى بحب كل الأكل، ولكن أحب الأسماك اللى من غير شوك، فآخر مرة دخلت شوكة فى فمى أزعجتنى كثيرًا، كما أحب تناول الجمبرى». وفى المشروبات يؤكد: «عمرى ما شربت قهوة ولا سجاير، فى حياتى لم أتناول أى منبهات بخلاف كوب الشاى».
أولاد «أبوشقة» بالترتيب هم: شهيرة ومحمد وأميرة، الأولى مهندسة تفرغت الآن لتربية أبنائها، والثانى هو القانونى المعروف محمد أبوشقة، الذى عمل بالمحاماة مثل أبيه بمجرد حصوله على الدكتوراه. أما الابنة الثالثة فأستاذة جامعية وحاصلة على المركز الأول فى بطولة الجمهورية لرماية «السكيت» هذا العام.

أغرب القضايا: أب يعترف بالقتل زورًا لإنقاذ ابنته الجانية.. ومتهم يصبح «مدرس طب»

للمستشار بهاء أبوشقة العديد من المؤلفات، منها كتاب «أغرب القضايا»، الذى يروى فيه عددًا من القضايا التى يشوبها الغموض والإثارة والغرابة، مرت عليه طوال مسيرته فى مهنة المحاماة.
ومن عناوين هذه القضايا الموجودة فى الكتاب: «ادينى عمر وارمينى فى البحر، العقرب والضفدع، صراع مع الوهم، لقاء مع إبليس، الأفعى والثعبان، عدالة السماء، نصابون لكن ظرفاء، ضيف على مائدة عشماوى، الخيانة قتلت فى الفجر، الذئب والحمل، قاتل رغم أنفه، فى بيتنا شيطان، المجرم أصبح طبيبًا، والجميلة والبرىء».
من هذه القضايا «الجميلة والبرىء»، التى يروى فيها قصة اتهام أحد الأفراد بقتل عمه، ورغم أن كل التحريات والاستدلالات أشارت وقتها إلى أن المتهم هو القاتل، توصل «أبوشقة» إلى أن الشقيق الأكبر للمتهم كان على علاقة جنسية غير شرعية مع زوجة العم، وأنهما اتفقا سويًا على قتل العم بعدما حملت من العشيق، ثم ألصقا التهمة بالشقيق الأصغر.
الغريب أن الشقيق الأكبر «القاتل الحقيقى» اكتشف فيما بعد أن زوجة عمه هذه «عشيقته» رافقت رجلًا آخر، فقرر قتلها، وأرسل رسالة إلى «أبوشقة» عبر شقيقه الأصغر الذى كان متهمًا يعتذر فيها عن أفعاله الشيطانية، وأنه قرر معاقبة نفسه من الدنس الذى ارتكبه بحق العائلة، ثم انتحر قبل أن يلتقى «عشماوى».
وفى إحدى الليالى الشتوية، وبينما يستعد المحامى الشهير لمغادرة مكتبه، عائدًا إلى منزله، إذا بمدير مكتبه يخبره بأن سيدة عجوزًا تطلب لقاءه فى أمر مهم، وأن حالتها يرثى لها، تبكى وتقسم بأنها لن تترك المكتب إلا بعد لقائه، لتبدأ هنا القصة الثانية «المجرم أصبح طبيبًا».
يشير إليها بالدخول فتروى العجوز حكاية حفيدها الذى توفى والداه فى حادث وهو فى الثالثة من العمر، وكيف أنها سخرت حياتها من أجله، وهو الآن شاب فى ريعانه، جميل فى مظهره، مريح فى ملامحه، ذكى فى تصرفاته، لم يخذلها أبدًا.
لكن سرعان ما سقط الشاب فى براثن امرأة جميلة من نفس العقار الذى يسكن به، احتضنته وكان يظن أنها تحبه مثل ابنها، ومع الوقت استقى من شهوتها وأضاعت مستقبله، ثم بدأت تلفظه بعد أن كانت تغرقه بالمال والعطايا والحب، واكتشف بعد ذلك أنها رافقت شخصًا آخر، ولذلك جن جنونه فقتلها فى منزلها وسرق أموالها، واعترف أمام رجال النيابة والمحكمة. لكن ورغم هذا الاعتراف، بدأ «أبوشقة» معاودة مناقشة الطبيب الشرعى الذى شرح جثة الضحية، فتبين أن المتهم المعترف قبض عليه فى مسرح الجريمة وهو مصاب بالإغماء، بينما سرقت مشغولات وأموال من المجنى عليها، وخلت بصماته من الأماكن التى تمت فيها السرقة.
وبينما يجلس «أبوشقة» فى منزله يتناول الإفطار، أشارت له زوجته بصحيفة نشرت جريمة لشاب من «ولاد الذوات» هوى اصطياد النساء الكبيرات والحصول على أموالهن، وأنه قبض عليه فى قضية كبيرة، ليطلب المحامى الشهير فى الجلسة التالية من المتهم بأن يصف له الشاب عشيق جارته.
جاءت الأوصاف مطابقة تمامًا للصورة التى نشرتها الصحف، ليكتشف الجميع فى النهاية أنه هو القاتل، بينما ظن الشاب أنه القاتل، بعدما غرس السكين فى صدرها، لكنها كانت مقتولة، كما أن إصابتها بالسكين لم تكن قاتلة حتى ولو كانت ما زالت على قيد الحياة.
وبعد سنوات وأثناء عودة المحامى إلى القاهرة فى قطار الصعيد، فوجئ بشاب يقف أمامه ويحييه، وكان نفس الشاب الذى حصل على البراءة منذ سنوات، فروى له كيف كانت تلك القضية نقطة تحول فى حياته، وأنه عاود الدراسة، وأصبح من أوائل الدفعة، وأصبح مدرسًا فى كلية الطب وتزوج زميلته.
وفى قصة ثالثة يحكى: ما إن وطئت قدماى شقتى بعد عودتى من رحلة شاقة قادمًا من أقصى صعيد مصر بعد مرافعتى فى قضية جنائية مهمة إلا وفوجئت بزوجتى تخبرنى: «فيه واحد شكله غير مريح سأل عليك، وكل مرة كنا بنقوله إنك مسافر». كانت المفاجأة أن هذا الرجل قتل زوجته ورفض أن يسلم نفسه للشرطة فى انتظار أن يذهب معه «أبوشقة» إلى قسم الشرطة كى يسجل الرجل اعترافاته كاملة دون أن يغيروا فيها شيئًا. وفى النيابة حكى الرجل كيف قتل زوجته لأنها خانته مع خطيب ابنتها، وتم الحكم عليه، لكن بعد سنوات، تبين أن الرجل لم يقتلها بل إن الابنة هى التى قتلت أمها، وأنه أراد حماية الابنة فاعترف هو بالجريمة.