رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قصة الاله "The Story of God"


نرمين يُسر

ماذا يعتقد البشر عن حياة مابعد الموت؟

هل هناك دليل علمي على وجود الروح؟ وهل اذا تحول العالم الى روبوتات سيملكون هذا البريق المسمى "روح"؟

هل يستطيع العلم صنع حياة ابدية فى هذه الحياة؟

 كلها اسئلة تدور فى اذهات البشر ويناقشها الفلافسة ويخطون عنها الكتب والدراسات الضخمة فى محاولة للحصول على اجابة وان تكن بدائية ولكنها تشفى روحهم المنسحقة بحثا خلف حقيقة الموت ومابعده، من هذا المنطلق قرر الممثل العالمي "مورجان فريمان" تقديم فيلم تسجيلي ابداعي ترجمه للعربية فهمي علوان، والذى تم عرضه على شاشات 171 دولة فى انحاء العالم .

يتحدث الفيلم عن الأديان والطقوس الدينية فى مختلف البلاد، ويخوض فى سر الخلق والذات الإلهية والبحث في ما وراء المعجزات، والاهم من ذلك والذى ركز عليه هو التوغل فى عقائد الخير والشر فى حياة او عدم حياة مابعد الموت طبقا لمعتنقي تلك العقائد.

 كانت فكرة مورجان جريئة واقتنع بها وقام بانتاجها الهوليودى لوري ماكريري عن ثقة فى قدرات فريمان الادائية وصوته الذى تم وصفه بانه الصوت الذى يحمل السلام اين ما حل ويبث القناعة فى عمق النفوس البشرية بالجملة التى يقولها مما اتاح له فرصة تقديم عدة ادوار فى السينما تحمل ذات المعنى اشهرها فيلم Bruce Almighty" او بروس الجبار انتاج 2003 الذى جسد فيه دور الاله الخالق المنشغل فى تلبية دعوات الخلق.

في فيلم "قصة الاله" يخوض فريمان رحلة البحث عن الذات الالهية وعلاقة الانسان بالموت والحياة حيث يبدأ مورجان رحلته الاستكشافية عن الموت فى كاتدرائية جالسا مع الباحث "ديفيد بنيت" 

العودة من الموت

يروى بنيت قصته مع البعث او الاقتراب من الموت ومن ثم العودة الى الحياة خلال خمسة عشر دقيقة قضاها فى عداد الاموات بعد هبوب عاصفة شديدة اغرقت القارب الذى يستقله مع طاقم عمله حتى ارتفعت الامواج الى مايقارب ثلاثون قدما التى من شأنها اغراق القارب ومن على متنه ولكن بنيت يروى عن تجربته بما بثير دهشة مورجان حيث حاول بنيت كتم انفاسه ولكنه لم يفلح وقد امتلأت رئتيه بالماء المالح واوضح انها ابشع طرق الموت التى من الممكن ان يواجهها انسان، فقد وعيه قبل ان يبهر عينيه ضوء ملون مكون من جزيئات صغيرة تلتصق ببعضها ليعتقد ان وقت موته قد حان فيتخلى عن جسده ويستسلم للضوء المألوف-على حد قوله- ولكن موجة لا تقل شدة عن السابقة التى تسببت فى غرق القارب جاءت لتضرب ظهر بنيت بقوة فترتد المياة المالحة من رئتيه ثم يفيق من غيبوبته فى لحظة لن ينساها وتلك التى اطلق عليها لحظة الرجوع الى الحياة.

عندما تعرف فريمان على احد المؤمنين بالحياة بعد الموت بناء على تجربة مر بها تحت سطح البحر من تجارب الاقتراب من الموت، غادر فريمان الكتدرائية واتجه باحثا عن عدد غير قليل من المعتقدات القديمة حول العالم ممن يؤمنون بذلك وكانت اولى رحلاته الى مصر ذلك المكان الذى لازالت الصروح العظيمة لحياة مابعد الموت صامدة في عقيدتهم.

هرم سقارة..احن ظهرك تبجيلا للملك

اتجه مورجان فريمان الى هرم سقارة بقيادة استاذة علم المصريات بالجامعة الامريكية بالقاهرة "سليمة اكرام"  التي شرحت له حقيقة معتقدات المصريين القدماء عن البعث والخلود وحياة مابعد الموت  موضحة له ان هرم سقارة اول ما خلد المومياوات المصرية وجهزها ليوم ترتد روحها الى جسدها المحنط مع كل اشراقة شمس وتغادرها بعد حلول الليل فقد كان يجري الطقس فى هيئة تمرير مومياء الملك "اوناس" عبر ردهة كبيرة مونة من الاحجار الضخمة -التى اعتقد فريمان انها صنعت فى ستينات القرن الماضى نظرا لصلابتها وضخامتها- ثم يعرضون علي الملك ماتم حفره على جدران مقبرته من تعاويذ وتكرار اسمه كي لا ينسى تاريخه ونسبه لعائلته الملكية فى اثناء مواجهته اليومية مع الشياطين التى تحاول قطع طريقه فى الوصول لغايته التى تتمثل  فى حفظ سلام الاحياء. وهكذا يستمر الملك فى استقبال حياة مابعد الموت مع شروق الشمس ثم يعود الى مقبرته مع هبوط الظلام فى وصف سلس ورائع من الجانب التقني الذى قام بتصوير المقبرة وماتم نحته على الحوائط منذ الاف السنين .

اطلال التيمبلو مايور

ننتقل مع البحث الاستكشافي الى المكسيك خاصة فى مهرجان يسمى يوم الموتى حيث يصاحب فريمان عالم الاثار المكسيكي "انريكي رودريجيز الكفيا" الذي يشرح كيف يعتقد المكسيكون بامكانية قضاء ليلة العيد هذه فى حضرة اسلافهم من الموتى حيث يمكنهم الحضور الى الاحنتفال والمشاركة فى الموائد والاستمتاع بالنكات والحكايات التى حدثت بعد وفاتهم عن طريق تكرارها امامهم من ابناءهم واحفادهم من الاحياء فضلا عن مناشدتهم لامواتهم وتحفيزهم على العودة مجددا الى الحياة وهنا يظهر الفارق بين عيد القديسين عند الامريكيين وعيد الموتى المكسيكي الذي يرجع الى عقيدة "الازتك" الوثنية التى لا يزال يعتقد فيها كثير من المكسيكيين.

يوضح الفيلم فى تمثيل تاريخي كيفية تقديم القرابين على مدرجات الشكل الهرمي الشهير من خلال انتزاع قلوب القرابين الحية من البشر حيث تم اكتشاف مجموعة جماجم بشرية تصطف اسفل قبو احد المنازل المؤدية الى  هرم تيمبلو مايور الذى تكون الجماج البشرية حائط كامل فى تكوينه، يرجع اعتقادهم ان بدون القرابين البشرية فان الشمس تفقد قوتها مع الوقت وبذلك تهلك المحاصيل الزراعية وانه بدون تلك القوة المسلوبة بالموت سوف تنتهي كل مظاهر الحياة مما يسبب الازعاج للالهة.

نجد فى هذا الجزء من التاريخ العقائدى للحياة بعد الموت عامل مشترك هام بين قدماء المصريين ونظيرهم من المكسيكيين حيث ان الجانبين يعملان على تحقيق نفس عقيدة البعث بعد الموت وتوريث ارواحهم للاجيال التى تليهم فكما يستكمل الملوك حياتهم بعد الموت تستمر ايضا حياة الاحياء من احفادهم.

كنيسة القيامة..حيث مات المسيح وتم بعثه

يتوقف فريمان فى القدس بمصاحبة عالمة الاثار"جودي مغنيس" فى جولة لعرض الاثار المسيحية واليهودية والاسلامية التى تزخر بها المدينة العتيقة حيث يزور المكان الذى يعتقد ان المسيح دفن فيه وهو نفسه الذى بعث منه حيا.

تشير جودى الى مقابر اليهود الملاصقة لقبر المسيح موضحة الطريقة التى اتبعها اليهود فى دفن موتاهم والتى لا تختلف عن الطريقة الفرعونية عدا اتباعهم تحنيط الاجساد، اما عن العقيدة المسيحية فى الخلود والعودة من الموت فقد قام المسيح بتضحية روحه فداء لهم وماعليهم الا ان يضحوا برغباتهم الدنيوية كما ضحى هو من اجلهم ليحققون النصر المطلق على الموت.

موكشا.. أن تتحرر من الولادة والحياة فى جسد يتحول الى طاقة

ربما فعلها ايضا الهندوس فى انهاء اسطورة الخوف من الموت لايمانهم بتناسخ الارواح واستكمال روح الشخص حياتها فى اجساد مخلوقات اخرى بعد فناء جسدها الحالي واعتبارهم ان الموت ماهو الا خطوة فى الطريق الى حياة اخرى، يصطحبنا فريمان فى مناطق من الهند وخاصة على نهر الغانغ الذى تم حرق جثث الموتى على ضفافه على مدى قرون.

يراقب فريمان جنازة وبعض المشيعون بحملون الميت ببهجة مدهشة فى عملية تسهيل مسيرة الروح بدلا من ارباكها بالبكاء والنحيب.

عودة الى نيويورك وحالات العودة من الموت الاكلينيكي

يوضح دكتور سام المتخصص فى علاج الحالات الحرجة التى مرت بتجربة الموت ان جميع العائدين من الموت يروون قصصا عن رؤية الضوء المبهر ومقابلة ذويهم من الاموات الذين افتقدوهم بعد رحيلهم حيث يشعر المرضى بالسلام والابتهاج عندما يمرون بمرحلة الموت هذه التى تستغرق ساعات ربما ايام حتى تتم الخلايا انهاء نشاطها وتموت تماما، فى هذه المرحلة احيانا تصبح العودة ممكنة مصاحبة بذكرباتها العميقة التى يمكن العائدين من اخبارنا عنها

ينتهي الفيلم الرائع قصة الاله بانتهاء رحلة مورجان فريمان الاستكشافية فى خوض مغارات الروح والجسد بفكرة جديدة قد تحدث مستقبلا ان يتم تخزين ذكريات ومشاعر وافكار الانسان على عقل اليكتروني باستطاعته العيش الى الابد مما يتيح لنا كبشر ان نطلق عليه نجاح فى الحصول على الابدية المنشودة، تلك التى يبحث عنها الانسان منذ فجر التاريخ حتى يومنا هذا