رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مظهر طلبة جامعة القاهرة




كنت بالمصادفة أرتب بعض الصور والأوراق القديمة الخاصة بى والتى تركتها جانبا لوقت طويل، لكى أرتبها فى ألبومات فيما بعد، ولكى أنظمها حسب التواريخ والأحداث.. وحينما بدأت ترتيب الصور توقفت عند بعض الصور منذ أيام دراستى فى جامعة القاهرة.. حيث مرت السنوات سريعا إلى درجة أننى أحيانا لم أفطن إلى مرورها بهذا السرعة الصاروخية.. مرت أحداث وأشخاص يصعب حصرها، أو حصرهم، ولكننى أعرف أننى يوما ما سأكتب عنها وعنهم.
المهم أننى توقفت أمام صور لى مع زملائى بجامعة القاهرة حينما كنت طالبة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، والتى كانت من كليات القمة ويدخلها أوائل الثانوية العامة بالقسم الأدبى، ومازلت حتى الآن أعتز بالكلية وبزملاء وأصدقاء الدراسة، والتى كنت طالبة بها فى قسم العلوم السياسية.. وهذه الكلية تخرج فيها عدد كبير ممن تولوا بعد ذلك مناصب مهمة ومسئوليات كبيره فى وطننا ولايزال يتخرج فيها حتى اليوم شخصيات تتولى مواقع فعالة ومهمة فى بلدنا.. وأنا هنا لا أقصد التباهى أو الحديث عن نفسى، وإنما لفت نظرى مظهر الزملاء والزميلات من الطلبة الذين تم التقاط صورهم.. كان مظهر الطلبة والطالبات بلا استثناء فى منتهى الأناقة، وبما يعكس الشخصية المصرية حينذاك.. فالطالبات يرتدين أحدث الأزياء، وتبدو عليهن البساطة والأناقة الراقية والرقيقة، وكانت تسريحات الشعر وفقا لأحدث الموضات العالمية، بما يضفى جمالا وتألقا على الطالبات بشكل عام، فلقد كنا بشكل عام نعتنى بالذهاب إلى الجامعة بمظهر راق وعصرى ومحترم.
أما الطلبة، فكانوا يرتدون الملابس المصرية العصرية الأنيقة، وكانت البنطلونات فى تلك السنوات فى السبعينيات تسير على موضة الشارلستون، وبصفة عامة كان قد بدأ الاهتمام فى العالم كله بالموجة الشبابية فى مختلف الفنون والأزياء وبالموضة الشبابية فى الملابس، والاهتمام بمظهر الشاب فى الجامعة هو السمة المميزة لغالبية الشباب فى جامعة القاهرة، بالإضافة إلى الاهتمام بلياقة الجسم والرشاقة للشبان والشابات، وكانت بداية ارتداء الطالبات البنطلون فى الجامعة باعتباره زيا عمليا وحشمة فوجدت بعض صورى بالبنطلون والبلوزة الطويلة وزميلاتى كذلك.. وتوقفت للحظات أقارن بين مظهر الطلبة حينذاك حينما كنا طلبة فى جامعة القاهرة وبين مظهر الطلبة الآن، ويا لها من مقارنة.
لقد ساءت الأحوال وتغير المشهد تماما، حيث كادت تضيع معالم الشخصية المصرية العريقة التى سبقت العالم فى كل المجالات منذ العصور الفرعونية فى كل شىء، فى الفنون والأزياء وتقدم المرأة، حيث كانت ملكة تدير البلاد، ولا تزال الرسومات باقية شاهدة على تقدم مصر فى كل المجالات.. فلماذا بلغ بنا التراجع فى المظهر العام للطلبة إلى هذا الحد المؤسف والمحزن فى آن واحد؟.
إن من يرصد التغيرات التى حدثت للشخصية المصرية لا شك أنه سيتوقف معى حزينا على مظهر طلبة وطالبات الجامعة الآن، وذلك بعد المد الوهابى، الذى تعود بداياته إلى بداية التسعينيات من القرن الماضى، مع عودة آلاف من الأسر التى كانت تعمل بدول عربية شقيقة، والتى حدث لها تغيير كلى فى المظهر، مصحوبا بالسلوك المتشدد والتشبه بالزى الوهابى.. وهذا للأسف تراجع إلى الوراء كان مقصودا وممنهجا، وهو جزء من مخطط دولى لتغيير الهوية المصرية، التى تضرب جذورها العريقة فى الأصل فرعونية. إن جزءا من المخطط الصهيونى المراد به تفتيت المنطقة العربية هو دعم الحركات المتشددة والمتطرفة التى منها نشأت حركة الإخوان ومؤسسها حسن البنّا فى مصر، مصحوبا بتغيير كلى فى العادات والتقاليد، ونشر ثقافة التشدد فى المظهر كما فى السلوك.
إن ملابس الطلبة الآن فى جامعة القاهرة لا تنم عن الشخصية المصرية، التى نعتز بأننا ننتمى إليها، والتى تظهر فى صور كثيرة ما زلنا نحتفظ بها فى بيوتنا لنا ولأمهاتنا وجداتنا، وهى معالم تعكس شكل المصريين وعاداتهم وميلهم للفنون والبساطة والمرح والبهجة، كما نراها فى أفلامنا السينمائية القديمة، حيث تبدو نساء مصر ورجالها فى ملابس عصرية، وفى أزياء كانت تصممها مصممات مصريات على أعلى مستوى من الأناقة، وكانت القاهرة تسبق المنطقة والعالم فى كل المجالات الخاصة بالموضة والأزياء، وكانت الأزياء التقليدية فى الحارات بالمدن وفى المحافظات وفى المناطق الريفية تعكس عناية بالمظهر العام وأزياء مصرية جميلة حتى مع قلة الموارد.. إن نظرة على أفلام فنانات مصر الشهيرات مثل فاتن حمامة ومديحة يسرى وماجدة ومريم فخر الدين ثم سعاد حسنى ونادية لطفى سنجد أنهن يجسدن ما كانت عليه ملابس المرأة المصرية.. منتهى الأناقة والذوق والبساطة والجمال.. ونظره أخرى على فنانى مصر فى العصر الذهبى للسينما سنجد أناقة تعكس الشخصية المصرية وبساطة ورقيا فى المظهر لدى عماد حمدى وعمر الشريف وأحمد رمزى وعبدالحليم حافظ وشكرى سرحان ومحسن سرحان وأنور وجدى وغيرهم من نجوم ونجمات السينما.
كانت المصرية هكذا أنيقة وعصرية وجميلة فى الأربعينيات من القرن الماضى والخمسينات والستينات والسبعينات والثمانينات.. وبالمقارنة بصور ومظهر بنات وشباب الجامعة الآن سنجد الكثير من التراجع والكثير من القبح والتشدد والاتجاه إلى أزياء لا تمت إلى الشخصية المصرية بأية صلة، باستثناء أعداد قليلة تبدو فى وسط القبح الغالب على المظهر العام للطلبة.. إن ما يحدث من تراجع فى مظهر الطلبة والطالبات ليس عشوائيا.. إنه جزء من محاولة لإضعاف الهوية المصرية والشخصية المصرية حتى يسهل السيطرة عليها شيئا فشيئا فى اتجاه التشدد والتطرف وحتى تضيع ملامحها، ويتم نسيان عناصرها ومكوناتها، وحتى لا يتسع وينتشر مرة أخرى تيار التقدم والتنوير المنشود، الذى نأمله لبلدنا.
إن بناء الإنسان المصرى الذى طالب به الرئيس عبدالفتاح السيسى هو هدف نبيل ومهم فى اعتقادى، ولابد أن ندعمه من أجل الحفاظ على هويتنا المصرية العريقة والتى نعتز بأننا ننتمى إليها. ولابد أيضا أن ندرك أن من ضرورات بناء الشخصية المصرية أن نهتم بالشكل الخارجى وباستعادة مظهر وملابس المصريين وأناقتهم وشكلهم العصرى والراقى، الذى كان سائدا قبل موجة التطرف التى هبت علينا بدعم دولى لإضعاف مصر.
إن السؤال الآن: هل سيدرك الطلبة والطالبات أن أصولهم المصرية لا بد أن يحافظوا عليها، وأن الأناقة لا بد أن تكون سمة أساسية بين طلبة وطالبات الجامعات، وأن الأناقة مع الرقى معناهما الاعتزاز بمصريتنا والتمسك بها والانتماء إليها.. لا شك أن دور القوة الناعمة لمصر من كتاب ومثقفين وإعلاميين وفنانين مهم جدا، ومن الضرورى أن ينادوا ويحرصوا على استعادة ملامح ومظهر الشخصية المصرية.. كما أطالب فى نفس السياق بمنع ارتداء النقاب فى الجامعة، لأنه ثبت أنه تتم من خلاله جرائم كثيرة، وهو ضمن مخطط طمس معالم الشخصية المصرية وعزل المرأة رغم المكتسبات التى حصلت عليها فى سنوات رئاسة السيسى.. وأن يكون من بين خطة بناء الإنسان المصرى أيضا وبالضرورة الحفاظ على مظهر المصريين منذ سنوات المدرسة الأولى من خلال التصدى للأفكار المتشددة التى يحاول المتشددون بثها بين الأطفال فى كثير من المدارس.. ثم الدعوة للعودة إلى الأنشطة الرياضية والفنية فى المدارس والجامعات والدعوة إلى العودة إلى الأناقة المصرية والمحافظة على عناصر الشخصية المصرية حتى نستعيدها مرة أخرى وقبل أن يفوت الأوان.