رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الكتابة الساخرة فى الصحافة بين الهزل والجد

جريدة الدستور

ما يزال مفهوم «الكتابة الساخرة» مرتبكًا، غير واضح المعالم عند الكثيرين، فبين الهزل والسخرية مسافة قصيرة، قد تُشكِّل خلطًا عند البعض، فإذا كان الهزل مرادفًا للتفكّه، فإن السخرية قد تكون بمنتهى الجدية، فهي حالة ثورية وتغييرية، نقدية وهجومية، تسعى نحو التغيير، ونقد كل ما هو قائم، وليست دعوة للضحك والترويح والترفيه.

حول هذا الموضوع يدور كتاب "الكتابة الساخرة في الصحافة" للدكتور محمد جرادات، الصادر مؤخرًا عن الآن ناشرون وموزعون في عمّان، إذ يرى الكاتب فيه أن الكتابة الساخرة موقف شامل جذري، ذو طابع ثوري، جوهره التغيير لما هو أفضل للمصلحة العامة، متجاوزًا فكرة الضحك والإضحاك.

والكتابة الساخرة، كما ظهرت في الكتاب، كتابة مكثّفة، تحتل موقعًا متقدّمًا في قمة هرم الكتابة، وتعدّ من أشهر الأساليب الكتابية المعروفة، وهي سياسيّة بامتياز، حتى لو ظهرت بألوان أخرى،جديّة وثائرة حتى لو أضحكتنا أو أبكتنا، وفيها دعوة للتأمل وإعادة النظر وتصحيح الاعوجاج. إنها ليست تجميعًا وإعادة توزيع للمفردات الشعبية، وليست تهريجًا أو افتعالًا للضحك وصناعة الموقف، وليست نصًا يمكن تأليفه أو توليفه أو صناعته، وليست ذات علاقة بالتفاهة ومحاولات الإضحاك السمجة، إنما هي موقف لا يصدر إلا عن صاحب موقف.

وكما أن مفهوم "الكتابة الساخرة" متعدد ومتنوع، كذلك هو مفهوم "الكاتب الساخر"، حيث يتّفق كثير من المختصّين والباحثين على أن هناك صعوبات جمّة في تعريف وتوصيف الكاتب الساخر، لا سيّما في الصحافة، فهل هو الكاتب الذي يكتب باللهجة المحلية؟ أو هو الذي ينهل من مفردات قصص التراث والحكايات الشعبية؟ أو هو الذي يكتب ليُضحك الآخرين؟

يرى المؤلف أن الكاتب الساخر يحمل شخصية ساخرة وناقدة ومرحة في الأساس، قادر على تسليط الضوء على ما هو غير رسمي من الظواهر في حياة الإنسان والمجتمع، كأن يكون هناك مشهد عام تقليدي ويراه الناس طبيعيًا وعاديًا، لكنه بنظرته ومفارقته يحوّله من مشهد عادي إلى حالة من السخرية التي تثير الانتباه، هادفًا إلى تعرية القبح، وإظهار وجه الحياة من دون تنميق أو ابتذال.

كما يجب أن يكون الكاتب الساخر، وفقًا لرأي المؤلف، قارئًا نهمًا؛ لأنه بغير ذلك لن ينجح في كتابة أي شيء، فالكتابة الساخرة ليست نقدًا لاذعًا وحسب، وليست قدرة على التقاط الفكرة واختزالها وحسب، وليس ضحكة وحسب، إنها كل ذلك مجتمعًا مع تفاعل عضوي بتجربة سياسية وحرمان من الحريات العامة، لا تخلو من اعتقال وتعذيب وقهر ومعاناة، واشتباك في الميدان، وقدرة على التقاط الصورة والمشهد واللحظة، فكل هذا يجب أن يكون متوافرًا في الكاتب الساخر.