رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عظم شهيدك


كلما شاهدت فيلم " الرسالة " " قصة الاسلام " على شاشة من الشاشات أذوب خجلا وحسرة على روح شهيد الخسة والارهاب.. المخرج السوري العالمي الكبير " مصطفى العقاد" الذي يلوم عليه اللائمين انتاجه لسلسة افلام الرعب الهوليوودية الشهيرة " الهالوين " فما أسهل أن نلوم وننقد.. هل يعرف ويدرك هؤلاء المنتقدين الناقمين عليه او الساخرين منه كم الاحباط والذل والحسرة والانكسار الذي عاشه العقاد حتى رحيله ؟؟! والمدهش في الامر ولتكتمل اسطورة ذلك الرجل الشخصية
و لتكتمل لنا نحن خيبتنا وتقصيرنا في القيام بدورنا التنويري - والمطالبة بالعلمانية جهارًا نهارًا بل وفي آناء الليل وأطراف النهار - أن يريد الله للعقاد ان يروح شهيدا للارهاب وتقتله ايادي الكارهين بمنتهى العبث وهو في احضان ابنته في بهو احد الفنادق في الاردن
فقد حول الارهاب في تلك الليلة العبثية عرس اقيم في الاودن الى ميتم ومندبة ومذبحة وجريمة نكراء تسببت في تعاسة الاف الاسر التي فقدت ذويها في ذلك الحادث الاليم والذي راح فيه العقاد صدفة وبشكل قدري عجيب ليصبح ضحية وشهيدًا للعبث الذي عاشة حيًا ثم تسبب في رحيلة الذي صار عبثيًا ايضًا !!
فلقد كان العبث عنوان كبير لمعاناة العقاد منذ ان انتج واخرج وتصدى لنسج قصة الاسلام على الشاشات ليقابل صنيعة الابداعي الراقي التنويري بجفاء وغموض ورفض واقصاء وحجب ومنع غير مبرر بل ولم يعلن عنه او يصرح بذلك المنع بشكل صريح او مبرر طيلة حياته
لقد قضى العقاد صاحب فيلم " الرسالة " وصاحب فيلم " عمر المختار " نصف عمره وهو يحاول معرفة سبب حجب فيلمه عن مشاهديه ولم يقم احد بالرد عليه او باعطائه اي جواب شاف او حتى مر !!
لقد تسول العقاد في حياته اجابة او تصريح ما من مؤسسة الازهر الشريف.. ومر على مكاتب المؤسسة ودهاليزها واروقتها مرورًا مخجلا مذلا حدثني عنه العقاد في لقائه التليفزيوني معي مصرحًا وقائلا " قابلت كل من يمكن لي مقابلته وسألت عن سبب منع الفيلم وطلبت ان ارى حتى ورقة واحدة تقول بان فيلمي ممنوع من العرض وان أرى حيثيات المنع فلم اجد اي شيء ولم تصلني ايه إجابة !!
ُتمنع الكثير من الاشياء في الكثير من الاحيان في بلادنا دون ان يخطرنا احد بذلك ودون ان يكلف احد نفسه مشقة الافصاح او التبرير !! فدائما لا توجد حيثيات ودائما ما تختفي المعايير !!
فالغموض دائمًا ما يعتري المشهد ليذوق السائل مرارة السؤال والاستجداء
لقد عاش العقاد ميتًا متسولًا لجواب
فآتاه الجواب على هيئة قنبلة فجرت له اوصاله وعقله وقلبه ويداه وعيناه
بل وقتلت القنبلة ايضًا فلذة كبده وقتلت عروس وعريس يتوقان للغد وقتلت عوائلهم وذويهم وكل من يعرفونهم أو جاءوا ليهنونهم.. فماتوا وقتلوا غدرًا وعبثًا
فالارهاب حقًا يقتل الناس جميعا
و لقد تعرض العقاد للارهاب طيلة حياته
فلقد أُرهب حيًا بالمنع والحجب والاقصاء والتكتم
حتى اغتالته قنابل الارهاب لتخلصه من حياة عبثية عاشها متسولا لجواب لم يصله لليوم
و المدهش بل والمضحك في الامر انه وبعد رحيل العقاد.. وبعد ان عاش مرهبًا حتى قتله الارهاب.. صار فيلمه يعرض الان على الشاشات ولم تعد "رسالة " العقاد أو فيلمه ممنوع من العرض !!
نشاهده نحن اليوم وفي حلوقنا مرارة وخصة بل خجل خفي نحاول مداراته فلا نستطيع
فنحن الان نشاهد ابداع مخرج قضى عمره كاملا بل ضحى بعمره وحياته -و ليس لدية بالطبع سوى عمر واحد- من اجل نشر قصة الاسلام و" الرسالة " دون ان يكون لديه الحق في مشاهدة ابداعه وما صنعته اياديه على الشاشات !! فقد حرم العقاد من مشاهدة ما صنع !! وسلبت منه ابسط حقوقه الانسانية والابداعية.. ومن اجل ماذا ؟؟!
من اجل اللاشيء.. من اجل التنكيل بالمبدع
من اجل التسبب للمبدع في التعاسة.. من اجل ان يشعر ذلك المبدع بالاحباط فيتجه لهوليوود التي تحترم مبدعيها وتغدق عليهم بالشهرة والمال الوفير
خسارة العقاد لم تعوض ولا يمكن ان تعوض
لم يخسر العقاد اموالا فقط حاول تعويضها بافلام الرعب الامريكية.. لقد خسر العقاد حلمه.. لقد كسر العقاد في ابداعه.. كسره اهله وعشيرته من العرب والمسلمين ممن ضنوا عليه بالتصريح او حتى بالرفض
و بعد ان رحل.. ورحل معه حلمه وابداعه ورحل كل شيء.. صار العمل الان مصرحًا به.. ووافق الازهر في مصر والمجلس الشيعي في لبنان على عرض الفيلم وكل ما كان يروج من تفسيرات لذلك الموقف الغامض صار لا وجود له!!! فعندما تنتفي الشفافية وتنعدم.. تنطلق حتمًا التفسيرات والتسريبات التي كان يهمس بها هذا ويعلن عنها ذاك في الجلسات الخاصة فيقولون ان شخصية " حمزة " في الفيلم والذي جسد دوره " عبدالله غيث " كانت هي السبب وراء منع عرض الفيلم لان حمزة هو عم النبي !!
و لكن وبعد عرض الفيلم الان.. هل اختفى عم النبي من على الشاشات ؟؟! ام ان من يشاهد الفيلم اليوم وفي جميع المناسبات الدينية التي يعرض خلالها الفيلم يرى المشاهد كل مرة وبام عينيه "عبد الله غيث " على الشاشة وهو يجسد دور حمزة !!
الم يعد حرام اظهار عم النبي على الشاشات ؟؟!
و من الذي قال.. ومن الذي افتى بان ظهور عم النبي حرام على الشاشات ؟!!
هل هنالك اية في القران او حديث قدسي او حتى حديث صحيح او متواتر يقول بحرمانية تجسيد شخصية عم النبي على الشاشات ؟؟! تماما كما حدث مع فيلم " القادسية " تلك الملحمة الفنية الراقية التي صورت في العراق واخرجها الراحل الكبير " صلاح ايو سيف "
و جسد فيها شخصية " سعد ابن ابي وقاص "
عزت ابو عوف وشاركت في الفيلم ايضا سعاد حسني.. وكالعادة حجب العمل ونسمع ايضا تسريبات تقول بان " سعد ابن ابي وقاص " من العشرة المبشرين بالجنة ولا يجوز ظهوره على الشاشات !!
من الذي يفتي ؟؟! وما هي اسانيده ؟!
و منذ متى يتم الحكم على الابداع بالمقاصد الشرعية ؟؟!
هل الشيوخ لهم علاقة بالنقد او التذوق الفني ليحكموا على عمل فني ما ؟!
و لماذا تكون لهم سلطة وسطوة على اهل الابداع والفن متذرعين بالاله وحمايته او حماية نبيه او حماية رسالته في حين انهم هم من يحجبون.. بل وحجبوا بالفعل " الرسالة " من العرض وبالتالي ارهبوا واغتالوا صاحب " الرسالة " معنويا ً
حتى طالته يد الارهاب الخسيسة واغتيل جسديًا لتنتهي معاناته وليكرم الشهيد الراحل بعد رحيلة بان نتذوق نحن ما صنعه بيديه وهو الصانع والطباخ الماهر الذي حرم من ان يذوق طبخته المتقنة وكأن بها سم قاتل !!!
في حين ان الارهاب والاقصاء والحجب والمنع حقا فيه سم قاتل
فالاقصاء ارهاب فكري ومعنوي يغتال المبدع وهو على قيد الحياة
فيكرمه الموت.. بل ويكرمه الله ويمن عليه بالشهادة في الدنيا ليعيش ويبقى خالدًا في جنان الخلد مع الصديقين والابرار وليظل عمله خالدًا ايضًا ويعيش بيننا
و نشاهده الان فنترحم على صانعه ونشكره بل ونعتذر منه وله على تقاعسنا للان في الدفاع عنه وعن غيره من المبدعين الذين يرهبوا بالحجب وبمحاكم التفتيش ليصاب الابداع في مقتل بل
ويتم اغتيال المبدعين معنويًا ثم تصفيتهم جسديًا أحيانًا
و بدلا من تكريمهم وهم احياء
نترك نحن تلك المهمة للعلي القدير الذي يحنو عليهم الان في عليائه
فوحده لا شركاء له.. هو الحق والعدل المطلق
و سيسهل لنا حتمًا -فهذا يقيننا به - مهمة مقاومة أدعيائه على الارض
و الى ذلك الحين.. وكل آتٍ قريب
المجد لشهدائنا المبدعين
مصطفى العقاد.. فرج فودة.. نابض حتر
و لنتذكر دومًا نجيب محفوظ ومحاولة اغتياله بل واغتياله معنويًا بعد حصوله جائزة نوبل وتكفيره لانه تحدث عن حاراتنا وابنائها ونسائها ولياليها كذلك الحال مع الدكتور نصر حامد ابو زيد والذي اغتيل معنويًا وأقصي من دياره بغير حق
فلنرفع كلنا لهولاء القبعة
و لسان حالنا يقول.. بان هؤلاء هم السلف الصالح
من رحل منهم ومن اغتيل وراح شهيدًا