رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حول التعليم ومشكلاته (1)


بات من المؤكد أن لا مستقبل لأى محاولة للنهوض بهذا الوطن، دون جهد حقيقى لعلاج أمراض منظومة التعليم المهترئة فى بلادنا، والتى لاتصلح للاستخدام الآدمى، ولا يمكن لها أن تنهض بعبء التنمية المنشودة والتقدم المأمول.

وقد دار، ويدور جدل كبير، حول هذه القضيّة المتفجّرة، بمناسبة إعلان وزير التربية والتعليم د. طارق شوقى، برنامجه لـ "تطوير" العملية التعليمية، والذى تمحور حول جهاز "التابلت" الشهير، وإن كان هذا ليس جوهر القضية، فهو فى النهاية أداة وليس غاية، ووسيلة وليس هدفًا!. ومن المهم للغاية ألاّ يتوقف هذا الحوار الضرورى، لأنه يختص بمسألة على درجة عالية من الأهميّة لوطننا ولأجيالنا الجديدة، وللصالح العام.

وأبدأ فأقول أن منطلقى فى النظر إلى هذا الأمر اعتبار التعليم حقًا لكل مواطن، وليس خدمة من الدولة للمواطن، أو منّة من الحكومة للرعيّة!.

والفرق شاسع بين الحق والخدمة، فالحق يملكه المواطن بموجب ميلاده على أرض هذا الوطن أو ذاك دون أن يُفرض عليه ثمنًا نظير التمتُّع به، يحصل عليها كل أبناء الوطن، بصرف النظر عن غِناهم أو فقرهم، وعن حسبهم ونسبهم، ودينهم وعِرقهم، ولونهم ووضعهم الطبقى والاجتماعى.

أمّا الخدمة فهى شأن يخضع لآليات السوق، وتداعيات العرض والطلب، يحصل عليها من يملك ثمنها، ويُحرم منها، بالتبعية، مَن لا يملك!.

وركيزتنا، ومرجعيتنا فى تقرير هذا الحق، وتحديد قيمته، هو الدستور الذى استُفتى الشعب عليه، وقبله بأغلبية ساحقة، ومن الواجب على الجميع، والحُكم قبل كل الآخرين، توقيره والالتزام ببنوده، ومنع أى محاولة للالتفاف حوله، والتحايل عليه: نصًا ومضمونًا، إذا كان لنا أن نطمح لتجاوز تخلّفنا، ونريد بالفعل التقدم ببلادنا!.

فالدستور، ينص، بهذا الشأن، فى مادة رقم (19)، على أن "التعليم حق لكل مواطن" وأن "الدولة مُلزمة بتوفيره "وفقًا لمعايير الجودة العالية"، وأنه: "إلزامى حتى نهاية المرحلة الثانوية أو مايُعادلها، وتكفل الدولة مجانيته بمراحله المختلفة فى مؤسسات الدولة التعليمية وفقًا للقانون".

وحدد الدستور فى نفس المادة، التزام الدولة بـ "تخصيص نسبة من الإنفاق الحكومى للتعليم (ماقبل الجامعى)، لا تقل عن 4% من الناتج القومى الإجمالى، تتصاعد تدريجيًا حتى تتفق مع المُعدّلات العالمية".

كما نصّت المادة (21) على التزام الدولة بتخصيص "نسبة للإنفاق الحكومى للتعليم الجامعى لا تقل عن 2% من الناتج القومى الإجمالى، تتصاعد تدريجيًا حتى تتفق مع المُعدّلات العالمية". ونصّت المادة (23) على أن الدولة مُلزمة بتخصيص "نسبة من الإنفاق الحكومى، لا تقل عن1 % من الناتج القومى الإجمالى، تتصاعد تدريجيًا حتى تتفق مع المُعدّلات العالمية" للإنفاق على البحث العلمى!

ولنترك موضوع "المُعدّلات العالمية" الآن، ولنناقش نسبة الـ 7%، التى أقرّها الدستور للصرف على التعليم ماقبل الجامعى والجامعى والبحث العلمى، رغم تواضعها، قياسًا إلى ماخصصته كل الدول الناهضة والمتقدمة.

. فحسب "البيان المالى للموازنة العامة للعام المالى 20182019"، الذى أصدرته وزارة المالية فى منتصف شهر مايو الماضى، قُدِّرَ الناتج المحلّى الإجمالى لمصر بـ 5.2 تريليون جنيه، وهذا يعنى أن الدولة ملزمة بتدبير ماقيمته 364 مليار جنيه مصرى للصرف على التطوير العملى الشامل للعملية التعليمية البائسة، ولانتشالها من الموقع غير اللائق الذى تحتله فى ذيل الترتيب العالمى.

ولكن الحكومة لم توفر سوى 172 مليارًا، أى أقل من نصف الاستحقاق، يذهب"80% منها إلى بند الأجور، ولا يتبقى سوى 20% للتعليم"، كما ذكر د.جمال شيحة رئيس لجنة التعليم والبحث العلمى بمجلس النواب، فماذا نفعل بهذا المبلغ الهزيل، وماذا يفعل لتعليمنا؟! (يتبع).