رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مشاهد حزينة من الكنيسة التى فقد آباؤها «روح الأبوة»


لأن الكنيسة القبطية واعية جدًا، دائمًا ما تعيد على مسامع الراهب الذى يتم اختياره ليكون أسقفًا للإسكندرية وبعدها يحمل لقب بطريرك الإسكندرية، صفات «الراعى الصالح»، الواردة فى إنجيل القديس يوحنا: «الذى لا يدخل من الباب إلى حظيرة الخراف، بل يدخل من موضع آخر فذاك سارق ولص. أما الذى يدخل من الباب فهو راعى الخراف. لهذا يفتح البواب والخراف تسمع صوته فيدعو الخراف بأسماء ويُخرجها. ومتى أخرج خرافه الخاصة يسير أمامها والخراف تتبعه لأنها تعرف صوته. وأما الغريب فلا تتبعه، بل تهرب منه لأنها لا تعرف صوت الغرباء».
ثم أضاف السيد المسيح: «أنا هو الراعى الصالح، والراعى الصالح يبذل نفسه عن الخراف. وأما الذى هو أجير وليس راعيًا الذى ليست الخراف له فيرى الذئب مقبلًا فيترك الخراف ويهرب. فيخطف الذئب الخراف ويبددها. والأجير يهرب لأنه أجير ولا يهتم بالخراف. أما أنا فإننى الراعى الصالح وأعرف خاصتى وخاصتى تعرفنى.. وأنا أضع نفسى عن الخراف».
وحدث بعد أن تولى البابا كيرلس السادس مسئولية كرسى الإسكندرية فى ١٠ مايو ١٩٥٩- وكان راعيًا صالحًا حقيقيًا- أن طالب بضرورة عودة الرهبان إلى أديرتهم، لكن راهبًا فى القدس خالف هذا القرار ولم يعد إلى ديره. فى تلك الأثناء كان هناك ترتيب ليزور البابا كيرلس السادس القدس عام ١٩٦١، لكنه صرح ليلة السفر للمحيطين به بأنه لن يسافر، فاستولى العجب على الموجودين فى المقر البابوى فى القاهرة.
وأثناء الفترة المحددة للزيارة تم توزيع منشور فى القدس يزعم أن «البابا كيرلس السادس تقابل مع مسئولين إسرائيليين!»، وفى هذا خيانة كبرى للوطن، ليكشف بذلك عن عدم سفره كذب هذا المنشور، الذى توصلت أجهزة الأمن المصرية إلى أن وراء هذا المنشور الكاذب هو ذلك الراهب الموجود فى القدس، فقبضت عليه السلطات المصرية تمهيدًا لمحاكمته، لكن البابا- لأنه أب حقيقى- قال لهم: «اتركوه فهو ابنى»، هذه روح الأبوة الحقيقية، بينما هناك آخر فعل عكس ذلك تمامًا، لأنه لا يبالى بـ«الخراف».
فى ١٩٦٨، انتدب البابا كيرلس السادس الأب بيشوى كامل لتأسيس كنيسة والخدمة بمنطقة لوس أنجلوس بولاية كاليفورنيا، فسافر الأب بيشوى وبدأ خدمته، ولأنه كان يتمتع بروح أبوة عالية جذب إلى الكنيسة الأقباط المقيمين فى الولاية، وفى إحدى المرات لاحظ أنه فور الانتهاء من صلوات القداس يخرج أحد الشباب مسرعًا من الكنيسة إلى الخارج.
وبتكرار الأمر، فكر الأب بيشوى كامل ماذا تكون حقيقة هذا الشاب؟ لذا فى إحدى المرات فور الانتهاء من القداس، أسرع واتجه نحو باب الكنيسة قبل أن يفكر أى شخص فى الخروج، وإذا بهذا الشاب يحاول الخروج إلا أن الأب بيشوى أمسك بيده واستفسر منه لماذا يغادر الكنيسة مسرعًا؟.
قال الشاب: ألا تتذكرنى؟ فأجابه الأب بيشوى بالنفى، فقال الشاب: أنا كنت عندك فى كنيسة مار جرجس بسبورتنج، وأخذت منك مبلغًا من المال ولم أرده، لذا أنا سرقتك. احتضنه الأب بيشوى- بروح أبوية عالية- وقال له: لا تقل هذا، أنت ابنى وكل ما هو لى فهو لك. لا تتكلم فى هذا الموضوع وانتظم معنا فى الصلوات والاجتماعات، وأنا تحت أمرك فى أى شىء تطلبه.
فى إحدى المرات، كان الأنبا أثناسيوس- مطران بنى سويف الراحل- فى لندن، فأحضر له بعض من محبيه «بالطو» من الفرو، فارتداه أمامهم، ثم قال لهم: أظن منظرى يكون رديئًا جدًا عندما أرتديه وسط أولادى الفقراء فى بنى سويف، وأعاده لهم، ثم ذهب بنفسه لشراء «بالطو» رخيص ثمنه ١٠ جنيهات إسترلينى من محلات هيئة المعونة التى تبيع ملابس مستخدمة.
على النقيض من ذلك كله، أعرف كاهنًا أمينًا فى حياته يردد كلمة الحق، اختلف أسقفه معه بسبب شهادته للحق، فما كان من هذا الأسقف إلا أن أوقف الكاهن عن الخدمة فى الكنيسة ومنع عنه راتبه، وأصبح لا مورد ماليًا عنده، مع أن قوانين الكنيسة عندما تعاقب كاهنًا لا تسبب أى أذى لأسرته، لكن ماذا نفعل أمام الجهل بقوانين الكنيسة وأمام غياب روح الأبوة؟.
ومما يثير التساؤلات فى هذا الإطار الأسفار الكثيرة التى يقوم بها البطريرك ومعه وفد من الأساقفة إلى أوروبا والولايات المتحدة بغرض «العمل الرعوى»، وفى الحقيقة ليس هذا سبب تلك السفريات، لأن كل ما يقوم به هناك هو من عمل الأسقف الموجود فى المنطقة، وإلا ما هو دور الأسقف؟.
لكن السبب الحقيقى هو جمع الأموال، لأنه إن كانت هذه الزيارات بسبب الأعمال الرعوية، فلماذا لا تكون هناك زيارات رعوية حقيقية للأقباط الموجودين فى الدول الإفريقية؟. السبب فى ذلك لأنها دول فقيرة فى النواحى المالية، كما أنه كيف يترك الاضطرابات الموجودة فى دير أنبا مقار وفى المنيا ويسافر؟ كيف ترك أولاده لـ«الذئاب»؟.
وفى غياب روح الأبوة صدر قرار بابوى منسوب إلى لجنة الرهبنة يلزم جميع رهبان الأديرة بأن يكتب كل راهب إقرارًا إن كان يملك سيارة أم لا وإن كان لديه رصيد فى البنك أم لا... إلخ، وجاء فى نهاية الإقرار: «إذا ثبت عدم صدق الإقرارات سيطرد الراهب من الدير ويجرد»، وذلك رغم أن الكشف عن الحساب البنكى لأى شخص لا يكون قانونيًا إلا بإذن من النيابة، لذا، عند وصول هذا القرار لرهبان أحد الأديرة مزقوه، وفى دير آخر ذهبوا به إلى الأسقف متسائلين عن ماهيته، فقال لهم: «هذا الكلام لا يسرى عندنا».
وأود أن أقول- بحزن شديد- إنه فى حالة الفقر التى يمر بها أغلب الشعب المطحون، يملك الأساقفة أفخر السيارات ويقيمون فى أفخم القصور، ومن الأولى أن تكون هناك جهة رقابية من الدولة عليهم وعلى ما يملكونه من تبرعات الشعب الفقير. وأنا بنفسى شاهدت سيارة الأنبا أثناسيوس، مطران بنى سويف الراحل، وهى سيارة بسيطة جدًا لا توجد بها أى كماليات، وشاهدت السيارة البسيطة النى كان يستقلها البابا كيرلس السادس.