رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نحو تعددية حزبية إيجابية


تتحدث معظم الأحزاب حاليًا، عن رغبتها فى أن يكون لديها دور مؤثر فى ممارسة الحياة السياسية والحزبية خلال المرحلة القادمة، خاصة على ضوء قرب انتهاء السنوات الخمس للبرلمان الحالى، الذى أدى نوابه دورهم فيه على قدر ما رأوا بأن ما قاموا به هو الأصوب والأفضل للوطن ولمن انتخبوهم، سواء فيما يتعلق بدورهم التشريعى أو الرقابى، وأعتقد أن الدولة لا تصادر حق تلك الأحزاب لتحقيق هذه الطموحات، طالما سوف تصب فى النهاية لمصلحة الوطن والمواطن، غير أننى أرى- ولست وحدى فيما أرى- أن الممارسات الحزبية الحقيقية غير موجودة على أرض الواقع إلا من قلة قليلة منها، حتى تلك الأحزاب التى كانت لها يومًا ما أيديولوجية واضحة لم يعد لها التأثير السابق الذى كان من خلاله يمكن تصنيف انتماء الكادر الحزبى منها.
فى هذا الإطار، فإننى أتفهم أن يسعى كل حزب فى الدولة، إلى تقوية شوكته ووضعه من خلال ضم عناصر تؤدى إلى تحقيق هذا الهدف سواء كانت تلك العناصر أو الكوادر من السياسيين أو رجال الأعمال أو الشخصيات العامة التى لها ثقل معين، بحيث يكون الهدف الأساسى من هذا الحزب أن يمثل الأغلبية البرلمانية التى تؤثر بشكل أو بآخر على الدور التشريعى أو الرقابى، بل أن يطمع هذا الحزب فى المشاركة بتشكيل الحكومة بحسبانه حزب الأغلبية.
كما أتفهم أيضًا أن وجود ١٠٤ أحزاب تعج بها الساحة السياسية فى مصر، منها حوالى ٩٠ حزبًا ليس لها تمثيل برلمانى، وبالتالى فإن دورها داخل مجلس النواب معدوم تمامًا.. بل أكثر من ذلك أن وجودها حتى فى الشارع المصرى مغيب لدرجة أن يكون مواطن مصرى واحد، مهما بلغت ثقافته الحزبية أو السياسية، يعرف أسماء ١٠ فقط من تلك الأحزاب.
لو راجعنا معًا برنامج أى حزب من تلك الأحزاب، فسوف نجده تقريبًا نسخة طبق الأصل من الآخر. فلا توجد أيديولوجيات ولا توجهات تميزه أو كوادر لديها الثقافة الكافية لكى تلعب أى دور مؤثر لدى المصريين.
لقد طالب الرئيس فى كلمته أمام الحضور فى الندوة التثقيفية رقم ٢٩ بمناسبة انتصارات أكتوبر النخبة المصرية بأن تمارس دورها فى إعادة الوعى المفقود لدى المواطن المصرى، وأعتقد أنه كان يقصد ضرورة تهيئة وتبصير هذا المواطن بأهمية وخطورة المرحلة التى تمر بها البلاد، وأننا ما زلنا نواجه معركة شرسة، أعداؤنا فيها كُثر، وجميعهم يتربصون بنا سواء من الخارج أو الداخل، ومن هنا فإنه من الواجب أن تتضافر الجهود لكى تشارك كل القوى السياسية والثقافية والدينية، لتحقيق هذا الهدف وتنمية الوعى لدى شعبنا بصفة عامة، وشبابنا بصفة خاصة.
وهنا نطرح تساؤلنا الرئيسى اليوم: هل هناك كوادر حزبية قادرة على المساهمة فى تحقيق هذا الهدف الذى يمكن اعتباره هدفًا قوميًا؟.. الإجابة وبكل بساطة أننى أعتقد عدم وجود العدد الكافى من تلك الكوادر التى يمكنها أن تحقق ذلك، ومن هنا فإننا يجب أن نعود مرة أخرى إلى ذلك النداء الذى أعلنه الرئيس منذ أكثر من عامين بضرورة اندماج تلك الأحزاب فى كيانات سياسية لا تزيد على ٨ أو ١٠ أحزاب يكون لكل منها برنامجه الخاص، وفلسفته التى يجب أن يطرحها على المواطنين دون النظر لتحقيق مكاسب شخصية على حساب الوطن.. لعل ذلك يكون إحدى وسائل خروج شخصيات رشيدة واعية لديها الرغبة الصادقة فى دفع الحياة الحزبية السياسية لمصر للأفضل.
من ناحية أخرى، فإننا نرى أن التكالب على الانضمام لحزب واحد بدعوى أنه حزب الدولة، من منطلق أنه يضم عددًا كبيرًا من السادة نواب البرلمان الحالى، لا بد أن يعاد النظر إليه من منطلق أن التعددية الحزبية هى السبيل الأفضل والوسيلة المثلى للنهوض بالبلاد من منطلق تبنى رؤى وأفكار مختلفة من هنا وهناك، لعلنا نجد فى ذلك الحزب أو الأحزاب الأخرى، ما هو أفضل من الرأى الواحد، فالاختلاف وليس الخلاف مطلوب طالما يصب فى النهاية لمصلحة الوطن.
ها نحن على مشارف الفصل التشريعى الرابع للبرلمان، الذى سرعان ما سوف تنتهى سنواته الخمس بعد أشهر قليلة، وأعتقد أن الفرصة أصبحت سانحة وقائمة للجميع لكى يتوحدوا فى عدد محدود من الكيانات الحزبية التى تضم بين صفوفها من لديه القدرة والرغبة الحقيقية للنهوض بالحياة السياسية للوطن، من خلال فرز كوادر حزبية وسياسية جديدة لخوض الانتخابات التشريعية فى ٢٠٢٠، لاستكمال ما بدأه البرلمان الحالى الذى أدى واجبه حتى الآن بكل إخلاص وأمانة، فى ظل الظروف الصعبة التى واكبت ممارسة هذا المجلس المحترم دوره التشريعى المتميز.. وتحيا مصر.