رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«زومبى».. كائنات إخوانية هامشية


تحوَّل الإخوانى إلى ذلك المخلوق الغريب الذى يطلقون عليه «زومبى» يجرى خلف ضحيته وهو مسلوب الوعى ممسوخ المشاعر يُطبق فكيه على رقبته ويغرس أنيابه فى لحمه

تخيل معى أنك هامش، نعم ما الضير فى ذلك؟! أنت هامش، وأنا هامش، وحضارتنا المصرية هامش، وحضارتنا العربية هامش، وأوطاننا التى نعيش فيها هامش، هل أزيدك من الشعر بيتًا؟ الفنون والآداب والعلوم المصرية فى وقتنا الحالى لم تصل بعد إلى درجة الهامش، هى فى الحقيقة الموجعة خارج كتاب الحضارة الإنسانية بأكمله! ولذلك أقولها لك بالفم الملآن نحن يا أستاذ هوامش، والهامش يا معالى المواطن ليس شيئًا سيئًا فى كل الأحوال، لذلك أرجوك لا تنفعل، ولا تأخذك الحمية وتظل «ترغى وتزيد» وتقول: إلا حضارتنا وأوطاننا، نحن الذين علَّمنا العالم، نعم أنا معك، علمنا العالم ثم علَّم العالم علينا، أليس كذلك؟
لذلك وعلى مهل خذ نفسًا عميقًا من الهواء المملوء بالهوامش وفكر معى أولًا فى معنى الهامش، ثم فكر معى ثانيًا فى مدى أهمية الهامش، وحينما «نقدح زناد أفكارنا» إن كان لأفكارنا زناد، سيتوارد إلى خواطرنا أن الهامش هو تلك المساحة الصغيرة التى تُقتطع من صفحة الكتاب ويكون موضعها فى الغالب أسفل الصفحة، وتأخذ رقمًا خاصًا بها ليتم من خلاله كتابة بعض الكلمات بحروف أصغر من حروف الكتاب، هذه الكلمات فى الغالب تحمل توضيحًا لعبارة وردت فى متن الصفحة، أو إضافة مناسبة يتم بها استكمال المعنى، أو معلومة جانبية، أو تعريف لحضارة من الحضارات أو أو أو غير ذلك كثير.
وعلى ذكر حضارتنا التى جعلتك تنفعل، أحب أن أخبرك بأننا نعيش حاليًا على هامش الحضارة الإنسانية، فلو أراد أحد المؤرخين أو المفكرين السياسيين أن يكتب عن الحضارة الأمريكية الحالية أو حضارة الغرب، على وجه العموم، فقد يجد أنه من الأهمية أن يكتب فى الهامش أن العالم مرت به قديمًا عدة حضارات مثل الحضارة الصينية القديمة، والحضارة الهندية القديمة، والحضارة المصرية القديمة ولكنها تراجعت وتراجع تأثيرها، بدءًا من عام ٧٠٠ قبل الميلاد، أى ما يقرب من ثلاثة آلاف سنة.
ومن خلال الهامش سأنتقل بك إلى هامش آخر، هو تلك الكرة الصغيرة جدًا جدًا التى نعيش فوقها أحيانًا وتحتها فى معظم الأحيان، أقصد طبعًا الكرة الأرضية التى تدور صراعاتنا وجرائمنا فيها، هل تصدق أن الكرة الأرضية بذات نفسها هى مجرد هامش من هوامش هذا الكون المتسع اتساعًا لا يتخيله أحد، حتى إنه لا يزال يتسع ويتسع ويتسع بين الثانية والأخرى «ولقد خلقنا السموات بأيدٍ وإنا لموسوعون» قرآن كريم، فكوننا يا أيها الأخ يحتوى على ٢٠٠ مليار مجرة أو أكثر فى الكون المرئى، هذا فضلًا عن مليارات المجرات الأخرى التى نشأت مبكرًا مع نشأة الكون، ولا يمكن أن نراها لأنها مُحاطة بغبار كونى يحجبها عن الرؤية، وهى مجرات الكون غير المرئى والذى لا نعرف عنه شيئًا بتاتًا، بما معناه أن حجم الأرض بالنسبة للكون كله هو مثل حجم حبة الرمل بالنسبة لمليون ضعف حجم الرمل الموجود على سطح الأرض، هل تستطيع تخيل هذا يا أستاذنا، لا أعتقد لأن هذا الموضوع بالذات فوق التخيل والتصور، ومع ذلك فأنا على يقين من أنك تعلم أن السماء بها عددٌ لا يمكن حصره أو تخيل حجمه من النجوم، بل توجد عدة مليارات من النجوم حجمها أكبر من حجم الشمس بأكثر من مليون مرة، إذن أين أنت أيها الإنسان المتكبر الذى تمسك بتلابيب هذه الأرض وتظن أنها الكون كله فتدير صراعاتك من أجل أن تأخذ قطعة هنا أو بلدًا هناك، أو بئر بترول عائم تحت سطح دولة متخلفة، أو مخزن غاز تحت مياه دولة تنفق على نفسها بالكاد، أين أنت يا من تقتل وتسفك الدماء تارة بحجة جمع الثروات، وتارة من أجل الوصول إلى الحكم، وتارة أخرى من أجل ما تعتقد أنه دين؟ أين أنت من كل هذا؟!.
ثم أين أنتِ أيتها الجماعات والجمعيات التى تظن أنها تمثل الله على الأرض أو أنها خليفته أو الناطقة بإرادته، أين أنتِ من الله العلى القدير الذى خلق هذا الكون كله بقدرته ووضع فيه رحمته؟!، كلٌ يظن أنه الوحيد الذى يحمل رسالة الحق وما عداه باطل، وأن الله خلق الجنة من أجله هو ولا ينبغى أن تكون لأحدٍ غيره، يا من تظنون ذلك هل تعلمون أن الواحد منكم حجمه بالنسبة للأرض التى يدير صراعاته فوقها لا يساوى شيئًا، وعُمر هذا الإنسان، وإن امتد للمائة، لا يكاد يكون مذكورًا، ولذلك من العبث يا «غير المرئى» أن تظن أن الله خلق جنته من أجل جلالتك وحدك، أنت أيها الإنسان لا شىء، تعيش على كوكب هو لا شىء، والزمن الذى يمر على عمرك هو لا شىء، ورغم ذلك فإن الله كرَّم الإنسان، كل بنى آدم مُكَرم، وليس أنت وحدك أيها «الفَسْل» ألم يقل رب العزة «ولقد كرمنا بنى آدم».
وسأدعوك يا صديقى لكى تتأمل معى «الهوامش» الذين يعيشون بيننا ويتمنون أن يصبحوا فى صدارة كتاب الدنيا، وسنستغرق فى التأمل ونحن نغوص فى أعماق جماعة الإخوان التى أصبحت أم الجماعات الإرهابية فى العالم، وسنعرف فى النهاية أنهم يرغبون بشدة فى أن يكونوا مركز هذا الكون وهم لا يملكون مفاتيح تحقيق تلك الرغبة المجنونة، ولا أبجديات فهم أن أحدًا فى هذا الكون لا يُمكن أن يكون هو «المركز»، لذلك وهم يعيشون بيننا يتحركون وكأنهم فى عالم موازٍ، أو كأنهم مُستغرقون فى حلم أبدى لا نهاية له، ومع الوقت تحوَّل هذا الحلم إلى كابوس، وتحوَّل الإخوانى إلى ذلك المخلوق الغريب الذى يطلقون عليه «زومبى» يجرى خلف ضحيته وهو مسلوب الوعى، ممسوخ المشاعر، يُطبق فكيه على رقبته ويغرس أنيابه فى لحمه وهو يظن أنه ينتصر لفكرة إسلامية مقدسة.
لذلك وبعد إذن قداستك يا رئيس الدين ويا مرشد الجماعة، ويا أمير المسلمين هل تسمح لنا بمكان صغير جدًا فى الجنة؟! هذا لو تكرمت، آهٍ منك يا أيها الإخوانى المغرور ألم تعرف حجمك بعد؟ يا لك من غبى.