رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إنسانية تحت الطلب!


ملايين المشاهدات حصدها مقطع فيديو، ظهر في 23 يوليو الماضي، لفتاة سويدية اسمها إيلن إيرسون (21 سنة) تمكّنت ببضع كلمات وبعض الدموع من إيقاف طائرة كانت تقل لاجئًا أفغانيًا، لترحيله من السويد إلى تركيا. ومن وقتها توالت المفاجآت التي لن تنتهي بإعلان السلطات السويدية، الجمعة، عن بدء ملاحقة الفتاة قضائيًا.

لاقت الفتاة، ذات القلب الأخضر، إعجابًا دوليًا كبيرًا بإنسانيتها وشجاعتها. ورأى الملايين أن ما فعلته كان عملاً شجاعًا وواحدًا من أبرز مواقف الدفاع عن حقوق الإنسان في أوروبا. ثم كانت الصدمة حين كشف الموقع الإخباري السويدي «Fria Tider» أن هذا الرجل الأفغاني أدين بضرب طفلتيه وزوجته. وظهرت تفاصيل أكثر في جريدة «Nyheter Idag» السويدية أوضحت أن الرجل تم الحُكم عليه بالحبس لمدة تسعة أشهر بسبب حالات اعتداء متكررة على زوجته وطفلتيه قام خلال إحداها بطي سلك شاحن طوله أكثر من مترين، وضرب الصغيرتين على الظهر والذراعين والساقين، لأنهما لم يغلقا التليفزيون. وعندما جاءت الأم إلى الغرفة، أخذت نصيبها من الجلد حتى سقطت على الأرض.

قيل إن الفتاة كانت على متن الطائرة ولمّا عرفت أن الرجل معها في الرحلة نفسها، أعلنت احتجاجها على ترحيله، دون أن تعرف عنه أي شيء، وقامت بتصوير مقطع فيديو، بثته عبر «فيسبوك لايف»، انهالت فيه دموعها خوفًا من المصير المجهول الذي ينتظر الرجل. غير أن المفاجآت لم تتوقف، إذ اتضح أن الصدفة لم يكن لها أي علاقة لها بما حدث، وأن الفتاة حجزت مقعدها على تلك الطائرة، باتفاق مع أسرة أفغاني آخر، تم ترحيله على متن طائرة أخرى من ستوكهولم إلى كابول. وربما تظهر مفاجآت أخرى بعد أن أعلن مكتب الادعاء السويدي، أن الفتاة ستمثل أمام محكمة مقاطعة جوتنبرج، بسبب رفضها الاستجابة لأوامر الطيار، وهي جنحة تصل عقوبتها في القانون السويدي إلى الحبس لمدة 6 أشهر وغرامة مالية.

إعلاميًا، خفت بريق القصة، وبالتبعية انخفض مؤشر تعاطف أصحاب القلوب الخضراء، ولم يلتفتوا، تقريبًا، إلى خبر محاكمة ذات القلب الأخضر. بالضبط كما لم يلتفتوا إلى آلاف الفارين من أحداث عنف تشهدها دول أمريكا الوسطى، الذين تجمعوا خلال الأسبوع الماضي، على الحدود بين جواتيمالا والمكسيك. كما لم يلتفتوا إلى إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أنه لن يسمح لهم بدخول الولايات المتحدة، وكرر تهديده باستدعاء الجيش لإغلاق الحدود الأمريكية مع المكسيك، زاعمًا أن بين من يحاولون عبور الحدود «عناصر إجرامية شديدة الخطورة»، دون أن يقدم أي دليل على هذا الزعم.

في تصريحات للصحفيين بولاية نيفادا، هدد الرئيس الأمريكي بقطع المساعدات إلى هندوراس وجواتيمالا والسلفادور إذا فشلت في منع المهاجرين من عبور حدودهم في طريقهم إلى الولايات المتحدة. وعليه، قال جيمي موراليس، رئيس جواتيمالا، إن ما بين 5000 و 5400 مهاجر من هندوراس وبلدان أخرى كانوا على أراضي جواتيمالا، عاد منهم ألفان، وهناك 500 آخرين سيتم نقلهم في حافلات. وبعد اجتماع مع نظيره الهندوراسي خوان اورلاندو هيرنانديز، قال موراليس للصحفيين إنه تم الاتفاق على وضع استراتيجية بشأن عودة المهاجرين «بشكل آمن»، مشيرًا إلى أنه جرت مناقشة الوضع على الحدود الجواتيمالية المكسيكية مع الرئيس المكسيكي إنريكي بينا نييتو.

الأكثر من ذلك هو أن الإدارة الأمريكية سبق أن أعلنت إنها ستنهي برنامج الحماية المؤقتة للمهاجرين إلى الولايات المتحدة من هندوراس بحلول يناير 2020، الأمر الذي يعني أن خطر الترحيل يهدد عشرات الآلاف من العائلات التي عاشت في الولايات المتحدة لأكثر من عشرين سنة. والقرار واحد من سلسلة قرارات اتخذها «ترامب» لإنهاء وضع الحماية المؤقتة الذي كان منحه للفارين من كوارث طبيعية أو صراعات عنيفة. وفي بريطانيا، أيضًا، هناك عشرات الآلاف من مهاجري الكاريبي، وجدوا أنفسهم، بعد مرور 70 سنة، مطالبين بإثبات «شرعية إقامتهم» وإلا واجهوا إجراءات الترحيل، وبعضهم جرى ترحيله بالفعل أو اضطر إلى المغادرة بعد أن فقدوا وظائفهم، وتم إغلاق حساباتهم المصرفية، بموجب قانون الهجرة الذي أصدرته تيريزا ماي، سنة 2014، حين كانت وزيرة للداخلية، والذي يلزم البنوك والمؤسسات الصحية وأصحاب العمل وملاك العقارات بالتحقق من إقامة أي شخص قبل تقديم أي خدمات لهم.

لا تشغل بالك بمصائر طريدي واحات الحرية، السويدية، الأمريكية، البريطانية، الألمانية.... إلخ، فما يعنينا الآن هو فك لغز تحوّل لون القلوب من الأسود أو الأصفر إلى الأخضر، في حالات بعينها، وتحوّل لون القلوب ذاتها، في أحيان أخرى، بشكل عكسي. ولأن الإنسانية غير قابلة للإيجار ولا يمكن أن تكون تحت الطلب، لا أعتقد أنك تظلم هؤلاء لو قلت إنهم (بعلمهم أو بدون) بين الأدوات التي يجري استخدامها للضغط على جهات ما، أو دول ما، حتى توافق على ما رفضته في الكواليس!.