رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

النبى غنى وليس فقيرًا«٢-٢»


- من يستندون فى الأدلة على فقر النبى بأنه كان يربط الحجر على بطنه فإنه لم يربط الحجر على بطنه 23 عامًا من الدعوة فزمن الحديث واضح فى قول سيِّدنا جابر بن عبدالله بـ«إنا يوم الخندق محفِّر»

كيف كان يخلو النبى فى غار حراء ليالى طوالًا دون مال؟
غار حراء كان يمثل استراحة، بعد سفر البيع والشراء، مثل من يعملون فى البترول أسبوعين عمل وأسبوع راحة، واستمر فى التجارة بعد الرسالة.. «وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِى فِى الْأَسْوَاقِ»، والمشى فى الأسواق هو تعبير عن الحركة المستمرة فى البيع والشراء، «وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِى الْأَسْوَاقِ».
كما أنه ورث مالًا من والديه وأجداده، فالنبى حفيد عائلة عريقة غنية، فهاشم بن عبدمناف هو أبو جده عبدالمطلب، وهو أول من أسس لرحلتَى الشتاء والصيف، واسمه عمرو لكنه كان فى موسم الحج يهشم الكعك بالدقيق ليطعم الحجاج فسموه هاشمًا.
كما ورث النبى من والديه، ورث عن أبيه أموالًا، وورث عن أمه آمنة بنت وهب دارها التى ولد فيها، وكانت بجوار الكعبة.
علاوة على ميراثه من السيدة خديجة، فقد ورث منها دارها بمكة التى تقع بين الصفا والمروة.
إلى جانب نصيبه من غنائم الحروب، «وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَىْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ»، لكنه لم يفتعل حربًا ليحصل على الغنائم، بدليل أن المعارك الثلاثة الأولى مع قريش (بدر- أحد- الخندق) كانت على حدود المدينة وهم الذين ابتدروه بالحرب.
ومواقعه الثلاث مع يهود المدينة كلها بدأت بخيانة منهم ولم يكن هو البادئ، وفتح مكة بعد أن نقضت قريش صلح الحديبية. وكان يتلقى هدايا الملوك، «يأخذ الهدية ولا يقبل الصدقة».
أما من يستندون فى الأدلة على فقر النبى بأنه كان يربط الحجر على بطنه، فإنه لم يربط الحجر على بطنه ٢٣ عامًا من الدعوة، فزمن الحديث واضح فى قول سيِّدنا جابر بن عبدالله بـ«إنا يوم الخندق محفِّر».
أما الحديث الثانى الذى أخرجه البخارى عن أم المؤمنين عائشة قالت: «تُوُفِّىَ رَسُولُ اللَّهِ وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِىٍّ بِثَلَاثِينَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ»، فيقول الشَّيخ محمَّد الغزالى على ذلك بأن «الحكم الدِّينى لا يؤخَذ من حديث واحد مفصولٍ عن غيره، وإنَّما يُضَمُّ الحديث إلى الحديث، ثمَّ نقارن الأحاديث بما دلَّ عليه القرآن الكريم».
والنبى كان قد جهز جيشًا بقيادة أسامة بن زيد لغزو الروم، وخرج فى الجيش كبار الصحابة، وجاءه ضيف بليل إلى النبى، فأرسله إلى الرجل اليهودى ورهن له درعه ليطعم الضيف، فرهن الدرع دليل على إكرام ضيف نزل فى ليلة حرب.
أما الحديث الذى روته عائشة: «كنا لننظر إلى الهلال ثم الهلال ثلاثة أهلة، وما أوقدت فى أبيات رسول الله، صَلى الله عليّه وسلم، نار، فقلت: يا خالة، ما كان يعيشكم؟، قالت: «الأسودان» (التمر والماء).
ولم يكن ذلك هو حال النبى فى حياته كلها، بل كان فى أول الدعوة المدنية، وقد أسكن إلى جواره أهل الصف الفقراء، ثم تغير الحال وفتحت أبواب الخير والرزق، مثل أى شخص ناجح يقول: فى بداية حياتى العملية كنت آكل بالعافية.
أما الحديث «اللَّهُمَّ أَحْيِنِى مِسْكِينًا، وَأَمِتْنِى مِسْكِينًا، وَاحْشُرْنِى فِى زُمْرَةِ الْمَسَاكِينِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، فإن المراد به استكانة القلب ومسكنة القلب، تواضع للفقراء ولأهل الصفة لا علاقة لها بالمال على الإطلاق.
أيضًا واقعة النبى مع أبى بكر وعمر بن الخطاب لما خرج من بيته فلاقاهما، فقال: «ما أَخرَجَكُما هذه السَّاعة؟» قالا: والله ما أخرجنا إلَّا ما نجد فى بطوننا من الجوع، قال: «وأنَا- والَّذى نفسى بيده- ما أخرجنى غيره، فقومَا». تمامًا مثلما يحدث فى أى يوم لا يوجد فى البيت طعام.
هذه دعوة ليست ضد الفقراء، بالعكس، فإن أحدًا لم يحب الفقراء مثلما أحبهم النبى، لكن لن تحدث نهضة فى ظل الإعجاب بالفقر، واستخدام أحاديث النبى كدليل على تمجيد الفقر واستحسانه هو استخدام فى غير محله، لأنها ظروف طارئة فى حياة النبى، كما يمر فى حياة كل إنسان منّا، بل كل غنى تمر به أحداث طارئة لفترات محددة.