رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

يمنيون ناجون من الكوليرا يروون حروبهم ضد المرض المفترس

جريدة الدستور

خمسة أيام لم يغمض لها جفن، فهي تنظر مع طفلها ذو الثمانية أشهر في مشفى حكومي بصنعاء، تنتشر فيه رائحة المرض من كل ركن، ينقصه الدعم والدواء.

"أم الحسين" تدعوا ليلًا ونهارًا أن ينتصر الرضيع على مرض الكوليرا الذي أصابه فجأة منذ أيام متأثرًا بالتلوث البيئي، متيقنة أنه سيشفى وينتصرعلى مرضه، قائلة: "لدى صغيري إرادة من حديد كإخوته الخمسة الصِغار، فأكبرهم لم يتجاوز الـ17 عامًا".

حكايات بين الآلام والفرح انتصر بها كثير من اليمنيين في حربهم ضد مرض الكوليرا، حاورت "الدستور" عددًا من الناجين من المرض، رووا حكاياتهم منذ الإصابة بالمرض حتى التعافي.

رحلة انتصار يحيى شريف
كانت الصدمة مؤلمة على أسرته، غير أنهم رفضوا عزله عنهم، فلم يتحمل الأبناء أن يقوموا بالخطوة الاحترازية المعتادة عند إصابة أبيهم بالكوليرا، وأبقوه بينهم، حفاظًا على أن تكون معنوياته مرتفعة لمواجهة آلامه.. أسرة يحيى شريف، صاحب الـ 63 عامًا، ضربت أروع الأمثلة، وجنت ثمارها بانتصار على المرض.

قصة الأب المنتصر على الكوليرا، يرويها ابنه عبد الله، 28 عامًا، قائلًا: "منذ عامين، وفي منتصف إحدى الليالي، بدأ أبي يشعر برعشة في جسده، مما افقده القدرة على الحركة، ثم بدأت الأعراض في الانفراط كحبات السبحة فمن التقيؤ إلى الإسهال، فعرفنا حينها أنه هو لا مفر، ذلك المرض اللعين الذي لم يترك بيتًا يمنيًا إلا زاره في زيارة غير مقبول بها بالمرة".

يُضيف الابن: "اصطحبنا أبي إلى المستشفى في اليوم الأول، وبمجرد تأكدنا بإصابته بالمرض، أعدناه للمنزل، وقررنا التعامل مع حالته ورعايته في بيتنا، على غير العادة، فمرضى الكوليرا يُعزلُون داخل المستشفى، لمنع انتشار العدوى، وقمنا بتعقيم كل ما هو حوله من مأكل، مشرب وأشياءه الخاصة، والأماكن التي اعتاد أن يجلس فيها، حتى بعد دخوله المرحاض، كنا ننظف بعده ونعقم كل شئ بالمنظفات والمعقمات والمحاليل، لذلك لم تنتقل العدوى لأي شخص بالبيت.. أشعرناه بأنه مرض بسيط كي لا يقلق، فوالدي كان رجلًا رياضيًا في شبابه، وقوي، فاستطاع أن يتحدى المرض في غضون أسبوع، وعاد إلى حياته الطبيعة كما كانت.

والكوليرا بحسب تعريف منظمة الصحة العالمية:"هو مرضٌ مُعدٍ إسهالي حاد، يحدث جراء تناول طعام أو ماء ملوث بجرثومة الضمة الكوليرية، مما ينتج عنه جفاف نتيجة فقد المياه في الجسم بشكل كبير، وهناك ما يُقدَّر بـ 3 إلى 5 ملايين حالة كوليرا في العالم مصابة بالكوليرا".

محمد فقد أمه وشقيقته وانتصر على الكوليرا

في الرابع من يوليو، نشرت منظمة الصحة العالمية تقريرًا بعُنوان "صراع الحياة والموت ضد الكوليرا في اليمن"، والذي يتناول حكايات المرضى مع التعامل في المرض، ولعل محمد صاحب الثماني سنوات بطل آخر من أبطال الانتصار، فعلى الرغم من صغر سنه إلا أن إرادته كانت من حديد، فتمكن الطفل ـ الذي فَقدَ أمه وشقيقته إثر انفجار قنبلة بالقرب من منزله في محافظة حجة ـ من التغلب على المرض.

وفرَّ محمد، منذ هذا الفقد الأليم هو ووالده إلى محافظة صنعاء، فيتحدث عنه الأب قائلًا: "محمد هو كل ما أملكه في هذه الحياة بعد وفاة زوجتي وابنتي، عندما أُصيب بعدوى الكوليرا، شعرتُ بقلق بالغ من أن يلقى مصير أمه وشقيقته، إلا أنه انتصر في نهاية الأمر".

وكانت منظمة الصحة العالمية، أعلنت في أغسطس للعام 2017 أن عدد المشتبه إصابتهم بالكوليرا في اليمن، نصف مليون حالة، مات منهم نحو 1975 شخصًا، منذ بدء انتشار الكوليرا، وفي ديسمبر من العام ذاته، بلغ عدد المصابين بوباء الكوليرا في اليمن مليون مصاب ـ حسب اللجنة الدولية للصيب الأحمر.
وفي تصريح صحفي للمتحدث باسم منظمة الصحة العالمية، طارق جاسرفيتش، وفي إبريل الماضي، قال إن حالات تفشي مرض الكوليرا في اليمن بدأت بالانخفاض.

الطبيب "إسماعيل" أصابته لعنة المرض

في أواخر عام 2017 أُصيب إسماعيل المنصوري، الطبيب صاحب الـ 43 عامًا من العمر، بمرض الكوليرا، بعدما جاءته العدوى نتيجة عمله كطبيب عام في مستشفى للنساء والأطفال للعلاج من ذات المرض، فكان الطبيب اليمني يبذل مجهودًا شاقًا بسبب نقص الأطباء الذي تُعانيه بلاده، رغم ضعف راتبه الذي لم يتجاوز الـ 200 دولار، وبحسب منظمة الصحة العالمية، فإن نحو 20 % من المناطق اليمنية تفتقر لوجود أطباء وجراحين، و30 ألف من العاملين في القطاع الصحي لم يتقاضوا رواتبهم منذ عام.

يروي الطبيب "إسماعيل" لـ "الدستور" قصة تغلبه على الكوليرا،: استقبل المستشفى الذي أعمل به ما يقرب من 1600 حالة إصابة بالكوليرا فقط خلال أسبوعين، 60%من المصابين الأطفال و40% من النساء، فاستقبال مئات الحالات يوميًا بالضروري يعرضك إلى الإصابة بالمرض، ففي البداية أصابني إسهال شديد وقيء ثم حمة شديدة أرقدتني السرير، وأنهكت جسدي واستمرت هذه الحالة لمدة 3 أيام".

ويُضيف الطبيب: "أخذت في تناول المصل المضاد للمرض، وتم عزلي لمدة أسبوع في المستشفى، وكانت هذه الأيام هي الأسوأ، فالتعامل فقط عن طريق الممرضين، ولعل أكثر ما كنت افتقده خلال تلك الليالي هم زوجتي وأطفالي الأربعة، والذي يبلغ أكبرهم يبلغ من العمر 11عامًا، فلا يُمكنني رؤياهم، إلا من خلال منفذ زجاجي في غرفة العزل، وهم محصنين تمامًا بملابس الوقاية من العدوى، إلا أنني في غضون 5 أيام استطعت أن اتعافى، وبالتدريج عادت صحتي مرة أخرى حتى عُدت إلى عملي بصورة طبيعية فعملنا في الفترة الراهنة لا يكل ولا يهدأ فلا وقت لدى سوى علاج المرضى.

"الصحة": نواجه المرض بكل الطرق المتاحة

حكايات لن تنتهي، ممزوجة آلامها بالانتصارات المختلفة، وجهود يصنعها اليمن من أجل أن يعود سعيدًا كما كان، وفي إطار المحاولات للتقليل من احتمالية الإصابة بالمرض، تواصلت "الدستور" مع وزير الصحة في حكومة الشباب في اليمن عمر العريقي، والذي صرح بأن مرض الكوليرا بدأ في الانتشار في حوالي ثلاث محافظات، إلا أنه ظل ينتشر حتى شمل 19 محافظة من أصل 23 محافظة.

وأشار الوزير اليمني، إلى أن هناك أكثر من حملة للتوعية بمرض الكوليرا، ولعل الحملة الأبرز هي الحملة الوطنية التوعوية لمكافحة مرض الكوليرا، وبها أكثر من 39 ألف شاب، والتي تعتبر من أكبر الحملات، والتي تقوم بعمل حملة من أجل "كلورة المياه"، أي تعقيم مياه المنازل باستخدام الكلور خاصة في الأماكن الأكثر انتشارًا للمرض، مشيرًا إلى أنه تم تجهيز مراكز خاصة، أكثر من 22 مركز في أكثر من 10 محافظات خاصة لحالات الكوليرا تعمل على مدار 24 ساعة، مؤكدًا أن المشكلة الكبرى ليست فقط في المرض، بل في العجز الكبير في مجال الأدوية والمحاليل، وصعوبة دخول الأدوية من خارج البلاد مما نتج عنها وفاة العديد من المرضى، وحاولنا التعامل مع المرض بكل الطرق المتاحة من التوعية و"كلورة المياه" وصناعة المحاليل المنزلية، إلا أن المشكلة مازالت قائمة، ويشعرنا بالعجز أحيانًا.