رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

دكتورة هند البنا في حوار لـ "الدستور" تناقش أسباب انتشار الشائعات وطرق مواجهتها

جريدة الدستور

- الشائعات طابع فطري في البشرية جميعها.
- التشكيك في قدرة الآخرين وتخوين بعضنا سبب انتشار الشائعات.
- ليس كل مروجي الشائعات مرضى نفسيين.


حاورت "الدستور" الدكتور هند البنا، استشاري الصحة النفسية، مدير ومؤسس مركز (مرآة) للاستشارات النفسية والأسرية، للوقوف على أبرز الأسباب وراء رواج الشائعات في بلادنا، وانتشارها بشكل سريع.

وإلى نص الحوار:-
- بداية.. برأيك ما سبب انتشار الشائعات بين المواطنين؟

في الآونة الأخيرة انعدمت المصداقية فيما حولنا، إضافة لضعف واهتزاز الثقة بالنفس، خاصة بعد ثورة 25 يناير، كما أن حب إثارة الحكايات لها طابع خاص في نفوس المصريين يدفع لانتشار الشائعة، فعلى سبيل المثال واقعة خطف الأطفال والتجارة بأعضائهم، فمن الممكن أن تكون موجودة على أرض الواقع حقيقة، ولكن ليست بالصورة المروّج لها بين المواطنين.

- هل نقل الحكايات والترويج للشائعات من طبيعة المصريين؟

لا يقتصر على المصريين فقط؛ بل هو طابع فطري في البشرية أجمعين، فتناول الحكايات المتمثل في الشائعات منذ قديم الأزل، ولكن ما يعمل على زيادتها هو ضعف الوضع الاقتصادي والمادي في أي بلد من بلدان العالم، حيث يفرّغ المواطنيين طاقة الغل والحزن في تناقل الشائعات، وتكون نوعًا من الترفيه.

- ما هي أكثر الشائعات انتشار وتأثيرًا في نفوس المواطنين؟

تجارة الأعضاء، سببت ذعرًا كبيرًا في الآونة الأخيرة، فبعض ربات البيوت قررن التزام المنزل لتوفير مناخ آمن لأسرهن، دون التعرض لأي خطر، سواء كان عليها، أو على أطفالها، ومن يجوب الشوارع نجده حريص كل الحرص في التعامل مع الآخرين، ووضع أولاده في كنفه رافضًا التعامل مع الأغراب.

- ما السبب وراء ضعف وزعزعة ثقة المصريين بأنفسهم؟

رؤية بعض المواطنين أن ثورتهم (25 يناير) فشلت في تحقيق أهدافها المنشودة، والتغيير المطلوب حينها لم يحقق على أرض الواقع، مما أدى لاضطراب الرؤية وتخوين بعضنا البعض.

- برأيك ما هي أكثر الأدوات شيوعًا لترويج أخبار كاذبة؟

الخوف والقلق والذعر، التشكيك الدائم والمستمر، في أخلاق الآخرين، في نواياهم، وفي كفاءتهم أيضًا، مما يؤدي لحالة عامة القلق والفوضى ووقع شريحة ليست قليلة تحت سيطرة مروجي الإشاعات، ناهيك بالطبع انخفاض مستوى الوعي والثقافة وغياب الهدف العام والخاص والإنخراط في حياة روتينية كلها أسباب تجعل الفرد عُرضة للوقوع تحت تأثير الغير.

- هل الشائعات التي تُطلق على أهل الفن هدفها السيطرة على المواطنين كما أشرتِ؟

بالطبع لا، لأن الشعب المصري بطبعه عاشق لحكايات وأساطير الفنانين، حيث يعتبرهم هالة مقدسة، ولدينا رغبة في الحكي الكثير، ولم تتوقف انتشار الشائعات على شخصيات هامة في الدولة فقط؛ بل امتدت لتكون بين الأسر المصرية البسيطة، من خلال الحديث على بعضنا البعض للتسلية.

- ما السبب وراء تصديق المواطنين للشائعة وتناقلها فيما بينهم؟

نتيجة الفراغ في حياة الناس، وحبهم في الأحاديث المثيرة على بعضهم البعض، حتى لو كانت الحكاية فيها أخطاء وغير منطقية، ورغبةً من الناس في الظهور، وفي رواية أخرى أن هناك شائعات موجهة بغرض الإلهاء.

- ما هو السبب وراء انتشار الشائعة عن الحقيقة؟

نظرًا لعدم إثارة الحقيقة، وروتنيتها، غياب الوعي والابتعاد عن الصحافة، ورغبة الناس في الابتعاد عن الحكايات الواقعية للهروب من ملل الحياة ورتابتها.

- كيف يمكننا معالجة انعدام الثقة بالنفس التي تسيطر على المواطنين؟

لابد أن يبدأ كل بنفسه، وأن يحاول التأثير في من حوله بداية من محيط أسرته وحتى دوائر دراسته وعمله وغيرها، حيث يجب على الجميع أن يكون له دور في حياة الآخرين، بالإضافة إلى زيادة الرغبة في البحث عن الحقيقة، وعدم النقل دون وعي من الآخرين.

- هل مروجي الشائعات مرضى نفسيين؟

بالطبع لا؛ لأن مصطلح مرضى نفسيين لم يصبح مثل الماضي، فالمرض النفسي حاليًا يقصد به من لديه مشاكل في عقله، ولكن يمكننا القول بأنهم مضطربين نفسيًا، وهذا مجرد خلل في تركيب الشخصية، قد يتمثل في رغبة حب الظهور، أوعقدة نقص لجذب الاهتمام.

- هل الشخص الذي يطلق عليه الشائعة يصاب باضطرابات نفسية هو الآخر؟

بالطبع، إذا كان هذا الشخص ضعيف الشخصية، أما الشخصيات العامة فتتأثر أيضًا لتأثير ذلك على حياتهم فيما بعد وفقدان المصداقية عند المواطنين، والشخصيات الرياضية والفنية وغيرهم من الشخصيات العامة تؤثر عليهم الشائعة بشكل كبير، لتأثيرها على حياتهم بشكل عام، وأقرب دليل على ذلك هو الداعية معز مسعود، حيث أصدر بيانًا يبرر فيه سبب زواجه من الفنانة شيري عادل.

- هل تؤثر الشائعات على حياة المواطنين البسطاء؟

بالطبع، حيث أنه من الممكن أن تصل للاكتئاب والانسحاب من الحياة، ومن الممكن أن توصل بالشخص المطلق عليه الشائعة للانتحار.

- ما أثر الشائعات على نفسية الشعوب؟

زيادة الشائعات تؤدي لانحدار المستوى الحضاري، وتعبر عن انخفاض مستوى الوعي، وقلة إنتاج الشعب. ولأن المجتمع ليس وحدة عضوية واحدة فقد في مجتمعات بالخارج، رغم ما تحظى به من تحضر وثقافة ورقي، إلا أنه في مستويات اجتماعية ينخفض فيه الوعي وينتشر الجهل، تسيطر عليهم الشائعات أيضًا وتتحكم في قراراتهم وعواطفهم.

- إذا صدرت شائعة بشأن وزير بعينه.. هل ستؤثر على نفسيته؟

لا اعتقد ذلك، لأن الشخصيات السياسية لديهم قوة بشكل كبير في السيطرة على تلك الأزمات، والتصدي لها، نظرًا لخطورة المنصب وعلمهم بالمخاطر المقبلين عليها جيدًا، وبالتالي يكونوا مؤهلين نفسيًا لتلقي تلك الشائعات التي ستثار حولهم، ومن الممكن أن تتحول تلك الشائعة لشكل إيجابي له في إثبات العكس والتغيير للأحسن.

- هل تؤدي الشائعات لهدم الدول؟

بالطبع، من الممكن أن تتسغل الشائعات من قِبل جهات أخرى، وفي العصر الحديث توصف بالحرب نفسية، كما أن السوشيال ميديا تساعد في الوصول لشرائح أكبر وأكثر تنوعًا من المجتمع، فأصبحت وسيلة للإلهاء عن الواقع الأليم الذي يعيشه المجتمع، وعدم الشعور بالذنب لعدم قدرته على تحقيق شيء بعينه.

- هل التغييب الإعلامي أحيانًا يحد من انتشار الشائعات؟

ليس التغييب بمفهومه الشائع، وإنما التستر والتكتم على الأخبار حتى صدورها من مصدر موثوق منه، كما حدث من قِبل وزارة الداخلية في حادثة طريق الواحات.

- هل الجماعات الإرهابية أكثر الناس قدرة على استخدام الشائعات لصالحهم؟

نعم.. ويرجع ذلك لقدرتهم على استغلال عواطف الناس والتأثير عليهم بالدجل الديني تارة، وبالترهيب تارة أخرى، وفي النهاية السيطرة على عقول المواطنين، فهم من أكثر الناس قدرة على إطلاق شائعات على أنفسهم.

- من وجهة نظرك.. عدم الرد على الشائعات أحيانًا مفيد؟

أحيانًا، صحيح أن هناك أسرار واستراتيجيات خاصة بالدولة لا يجوز الرد عليها، حتى لا تفيد العدو في استغلالها تجاهنا، لكن ربما عدم الرد من الأساس يزيد في استغلال بشكل أسوأ. فالتكتم أحيانًا مطلوب، عندما تكون البلاد في حالة حرب.

كيف يمكن للدولة أن تواجه الشائعات بطريقة صحيحة؟

- عن طريق الإعلام، طبقًا لمقولة هتلر إذا أردت هدم الشعوب.. عليك بإعلامها.
- عدم نشر أية معلومات لتحقيق السبق، إلا بعد التأكد، لعدم إثارة الخوف لدى المواطنين، كما حدث وتم التعامل مع حادثة أطفال المريوطية، فالتعامل معها من قِبل إعلام الدولة وقناة مصر الأولى كان بشكل صحيح وجيد، فهو بحث عن المصداقية حينها وليس السبق، والبعد عن الأفكار التجارية في الإعلام، وضع مصادر موثقة للعودة إليها في الأخبار التي تنتشر.
محاولة نشر الوعي والثقافة بين الناس دائمًا، ومحاولة إشعارهم بأهميتهم في الحياة، وقدرتهم على التغيير.