رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الفراشة.. ماجدة صالح أول «باليرينا» مصرية: ارفعوا الظلم عنى

ماجدة صالح و عبد
ماجدة صالح و عبد المنعم كامل مع فرقة باليه القاهرة

سنوات الغربة لم تنل من حنينها إلى بلادها التى استوعبت موهبتها وطورتها بكل ما هو متاح، وقدرتها- فى أزمنة سابقة- بالعديد من التكريمات، كان من بينها منحها «وسام الاستحقاق» من قبل الرئيس جمال عبدالناصر، على هامش حضوره أول عرض باليه مصرى فى دار الأوبرا. إنها الفنانة ماجدة صالح، أول «باليرينا» مصرية، وأول عميدة لـ«المعهد العالى للباليه»، التى تتذكر فى حوارها مع «الدستور» كواليس إنشاء المعهد، وكيف كانت خطواتها الأولى فى عالم الفن؟ ولماذا قررت الهجرة إلى أمريكا رغم عشقها «أم الدنيا»؟ 


بداية.. كيف تعلمت رقص الباليه؟ 
-
على يد مدرسين أجانب فى معهد «الكونسرفتوار»، فبعدما افتتح وزير الثقافة مدرسة للباليه ضمت خبراء من «البولشوى»- مسرح ثقافى وفنى روسى-، قابلت رئيس فرقة عالمية روسية يُدعى «موسييف»، وأكد أن لدىّ الموهبة، ونصحنى بالاشتراك فى الاختبارات، وهو ما حدث، وتم اختيارى من بين ٣٥ طفلًا وطفلة.


كيف جاءت فكرة تأسيس «المعهد العالى للباليه»؟
-
كلف الرئيس جمال عبدالناصر الدكتور ثروت عكاشة بتأسيس أول وزارة ثقافة فى مصر، خلال خمسينيات القرن الماضى، وكان ركن أساسى منها إنشاء أكاديمية الفنون فى الهرم، وفى ١٩٥٨ خصص مبنى لـ«المعهد العالى للباليه» فى نطاقها.
ماذا عن أول عرض باليه فى مصر؟ 
-
نظم عام ١٩٦٦، بعنوان «نافورة بختشى سراى»، وجميع المشتركات فيه كن مصريات، ووصفته الجرائد بـ«قنبلة الموسم»، وحضره الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، ومنحنا عقب انتهاء الحفل وسام الاستحقاق، الذى كان أول تكريم لراقصات فى تاريخ مصر.
ماذا حدث بعد ذلك؟ 
-
بعد ٨ سنوات وصل نجاح الفرقة إلى مدى بعيد، وانضم إليها عدد من الشباب، وكذلك بعض الفرق العالمية، وقدمنا عروضًا مثل «كسارة البندق»، و«دون كيشوت»، و«جيزيل»، لكن حدثت المأساة، حريق دار الأوبرا، الذى كان أشبه بضربة قاسية مدمرة للحياة الثقافية فى مصر وخارجها يوم ٢٨ أكتوبر ١٩٧١.
كيف تغيرت حياتك بعد حريق الأوبرا؟
-
توفى عبدالناصر بعد حريق الأوبرا بعدة أيام، وأتبع ذلك خروج ثروت عكاشة من الوزارة، وتحولت العلاقات السياسية من الاتحاد السوفيتى إلى الولايات المتحدة، ونصحتنى والدتى بالدراسة الأكاديمية للاستمرار فى مجال الباليه، وبالفعل حصلت على منحة سفر للدراسة فى أمريكا، وهناك حصلت على الماجستير والدكتوراه.
درست الرقص الحديث، ووجهت أبحاثى للرقصات التقليدية المصرية، لتوضيح التراث الثرى جدًا الذى نمتلكه فى مصر ولا نعرف عنه شيئًا، خاصة مع اقتصارنا على الحديث عن الرقص الشرقى فقط. وإيمانًا بما أعتقده، أنتجت فيلمًا تسجيليًا تحت عنوان «أشواق الأهالى»، مع المخرج إبراهيم الموجى، واستعنت بمركز الفنون الشعبية، وسجلت رقصات شعبية مصرية من مختلف أنحاء الجمهورية، وعدت عام ١٩٨٣، وعينت بعدها بفترة مديرًا للأوبرا وتحديدًا عام ١٩٨٨ وبذلت مجهودًا كبيرًا لكن وزير الثقافة - آنذاك- أقالنى دون وجه حق، وتعرضت لظلم بشع وكانت هذه تجربة مريرة بالنسبة لى بعد أن وضعوا الشمع الأحمر على مكتبى فقررت السفر إلى أمريكا سنة ١٩٩٢
لماذا لم تعودى إلى مصر بعد ذلك؟
-
بسبب استمرار الظلم الواقع علىّ، إذ لم يعترف أحد بما قدمته لدار الأوبرا المصرية، ورغم جهودى طوال سنوات بشهادة الجميع، لم تعلق صورتى بداخل الأوبرا حتى الآن، ولكننى فوجئت خلال الأيام الماضية بصديق يبلغنى، بأنه فى الذكرى الثلاثين لإنشاء دار الأوبرا تم ذكر اسمى، وصفق لى الجميع. بصراحة مصر فى داخلى طوال الوقت، ومن موقعى هنا فى نيويورك أخدم بلادى، بتعريف الأمريكان بالثقافة المصرية، ونشرت صفحة كاملة فى «نيويورك تايمز» عن تجربتى والباليه المصرى.
ما رأيك فى الأوضاع الفنية الحالية داخل مصر؟
-
رغم الاضطرابات التى عانت منها البلاد طوال السنوات الماضية، ما زالت مصر محتفظة بطابعها المميز، والأوبرا خير مثال على ذلك، وعندما طالب بعض المتشددين بالقضاء على فن الباليه، مدعين أنه ضد الحشمة، انتصر الحس الجمالى للمصريين.

 كيف التقيتِ زوجك عالم المصريات؟

- بينما كنت أكمل رسالة الدكتوراه في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1978عن الرقصات الشعبية المصرية، وقد كنت أعد فقرة مميزة عن الرقصات الفرعونية، احتجت بعض المعلومات، فتوجهت صحبة والدتي إلى متحف بروكلين، حيث كان يحتضن مكتبة خاصة بعلم المصريات، وبالمصادفة كانت السماء تمطر في هذا التوقيت، فدعانا مدير قسم المصريات للعشاء صحبة زوجته، وذهبنا. 

ولكن حتى هذا الحين لم يكن القدر قد كشف لعبته بعد، وأكملت رسالة الدكتوراه وسلمتها للمشرفة، ثم سافرت وانقطعت علاقتي برئيس قسم المصريات، ولم أره بعد ذلك إلا مصادفةً، بعد ثلاث سنوات من اللقاء الأول في القاهرة، خلال حضوري حفل لمركز البحوث الأمريكي، وتعارفنا بشكلٍ أفضل على بعضنا، ودعاني مرة أخرى للعشاء، و لكن لم ألبِ الدعوة لأن والدتي كانت قد توفيت، ولم أكن مهيأة لمقابلة أحد، فهي كانت سندي الأعظم في هذه الحياة.

وبعد عشر سنوات في القاهرة مررت خلالها بظروف سيئة، قررت السفر إلى أمريكا وتذكرته وهاتفته لكي يساعدني في الحصول على فرصة عمل، وكان وقتها مستشارًا لرئيس أمريكا للشئون الثقافة وحماية التراث، ولبى ندائي، ودعاني للعشاء للمرة ثالثة، وعرفت منه أنَّ زوجته قد توفيت، وكان وحيدا، وكنت أنا أيضًا وحيدة، وتقرَّبنا من بعضنا، وفي أحد الأيام قال لي: "إيه رأيك في يوم من الأيام نتجوز؟"، وظللت شهور أفكر في الأمر، وفي الأخير تزوجنا.