رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التنمر.. وجرائم الأسرة



تحدثنا في السابق أن التنمر يمثل نمط من أنماط العنف النفسي والمعنوي بل والجسدي أيضا وانه لا يقتصر على الأطفال فقط في المدارس بل ينسحب إلى الأسرة بجميع أفرادها سواء الزوج أم الزوجة أم الأبناء.
لقد أصبحنا نستيقظ يوميًا على جريمة أسرية ما بين أباء وأمهات يقتلون أبناءهم....وأبناء يقتلون آباءهم وأمهاتهم....ونجد الإعلام بكافة صورة وأشكاله يلهث من موقع جريمة إلى موقع أخرى وكأنه يشجع على إذكاء روح القتل دون أن يجتهد في إيجاد حلولًا مجتمعية تشارك فيها جميع مؤسسات الدولة المعنية للحد من تلك الجرائم التي أصبحت تمثل ظاهرة غريبة على المجتمع المصري المعروف عنه بأنه شعب متسامح بارًا بأهله وبضعفائه....فما الذى طرأ على هذا المجتمع وجعل العديد منهم متنمر لمن معه آو من حوله....بل أحيانا ضد نفسه حيث يقوم بالانتحار متأثرًا بخلافات يكون فيها هو الطرف الأضعف تجاه ما يتعرض له من ضغوط خارجية ومنها السخرية والتهكم على فقره أو ضعفه أو فشله...؟
وفى دراسة للمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية لعدد من الأشخاص تعرضوا للتنمر بهم داخل الأسرة أو في المجتمع بصفة عامة تبين أن هناك عدة أسباب لهذا العنف من بينها...التعدي من احد الإخوة على الأخر....التهديد بالعقاب عند أي خطأ...الكذب وتكراره...السخرية والمعايرة بالعجز عن أداء مهام معينة...وان عنف الأب أو الأم ينعكس على سلوكيات الأبناء في المدارس كنوع من أنواع التنفيس عما يلاقوه من عنف في منازلهم...كما أكدت العديد من الدراسات الأخرى أن نشر أخبار الجرائم عبر وسائل الإعلام المختلفة يؤدى إلى الرغبة في تكرارها خاصة إذا نجح الجاني في ارتكابها والهروب قبل إلقاء القبض عليه.
لقد تغيرت ثقافة المجتمع مؤخرًا للأسف خاصة بعد أحداث يناير 2011 التي اتخذت من العنف منهجًا لها عندما سيطرت جماعة الإخوان الإرهابية وبدأت في توجيهها إلى استخدام العنف والقوة كأحد وسائل بسط النفوذ في العديد من المناطق والمحافظات....كما ساهمت بلا شك تردى الأوضاع الاقتصادية والتفكك العائلي في التأثير على العلاقات الأسرية حيث أصبح زيادة الضغط الأسرى طريقًا سهلًا للجرائم....ويضاف إلى ذلك بطبيعة الحال إدمان المخدرات والفراغ والبطالة وجميع تلك المعطيات تؤدى بلا شك إلى وقوع المشاحنات والمشاجرات التي يتنمر فيها الابن على والديه بأي صورة من الصور للحصول على الأموال التي يشترى بها تلك المواد المخدرة أو الزواج من فتاة على علاقة بها وليس لديه المال اللازم للزواج منها....أو ذلك الزوج الذى يكتشف خيانة زوجته لاعتبارات مختلفة أو العكس من ذلك أيضا بالنسبة للزوجة.
وفى دراسة أخرى تناولت مفهوم دورة العنف والجريمة أفادت أن المقصود بها أن الفئات التي تتعرض للعنف بما فيهم الأطفال خلال تنشئتهم يكونون أكثر احتمالية لممارسة "التنمر" والعنف فيما بعد...وان ذلك من الممكن أن يؤدى إلى ارتكاب الجريمة تلو الأخرى...والدليل على ذلك أن الإباء والأمهات الذين تعرضوا للعنف في فترة من فترات حياتهم يمارسون العنف مع أبناءهم فيما بعد.
لقد شهدت السنوات الأخيرة تطورًا كبيرًا في جرائم الأسرة حيث تنوعت صورها وزادت نسبتها في المجتمع بصورة غير مسبوقة ما بين القتل والحرق والطعن والخنق والاغتصاب والتعذيب وجميعها بالتأكيد لها تأثيرات كبيرة على سلوكيات الأبناء والبنات في مدارسهم وفى حياتهم بصفة عامة لدرجة أن أحد المتخصصين في علم الاجتماع قال ان الجيل الحالي أصبح متصالحًا مع العنف بكافة أشكاله ويعتبره أحد مظاهر السيطرة والقوة وأحد وسائل تحقيق الأهداف المختلفة.
وفى إطار قناعتنا الدائمة بان الإعلام لا يقتصر دوره فقط على مجرد نقل الحدث وتحليله.... بل انه يمتد أيضا للبحث عن وضع الحلول الملائمة لأى خلل اجتماعي فإننا نعرض هنا تلك النتائج التي توصلت إليها العديد من الدراسات الاجتماعية والأمنية والدينية التي تهدف إلى معالجة ذلك النمط من العنف الذى يمتد من داخل البيت والأسرة الواحدة إلى المجتمع بمختلف أعماره وتوجهاته....ومن أهم تلك التوصيات:-
- ضرورة الاهتمام بنشر الوعي المسبق للزوج والزوجة قبل إقدامهما على الزواج عن طريق وسائل الإعلام المختلفة للوقوف على الطرق المثلى للتعامل معًا مبدئيًا ثم التعامل مع أبناءهم بعد ذلك.
- الاهتمام أيضا بذات الهدف في المدارس والجامعات والمساجد والكنائس بحسبانها أحد مراحل حياة الإباء والأمهات والأبناء والبنات التي يمرون بها في مشوار حياتهم.
- عقد ندوات ودورات تثقيفية وتدريبية لأفراد الأسرة للتدريب على كيفية مواجهة مواقف الحياة ومشكلاتها اليومية والتعامل معها بأساليب بعيدة عن استخدام العنف كي لا يكون موروثًا طبيعيًا لأبنائهم فيما بعد.
- مناشدة صانعي السينما والدراما المصرية بتخفيف جرعة العنف والجرائم التي تشد انتباه النشء وتجعل من المجرم أو الفتوه قدوة يحتذى بها في تعامله مع أقرانه في المدارس او مع والديه وإخوته في المنازل.
- اعتماد إستراتيجية وطنية شاملة لمواجهة جميع أشكال العنف الذي يشهدها المجتمع حاليًا سواء فيما يتعلق بمكافحة تلك الظاهرة.... أو بتغليظ العقوبات على من يعتدى على الأخر بأي شكل من أشكال التعدي.... واعتماد قانون لمكافحة العنف ضد المرأة.... وأيضا تكثيف المرور على المدارس والكليات للتعامل مع ظاهرة التنمر التي بدأت تستشري لدى الأطفال انعكاسا لمعاملة ذويهم لهم داخل الأسرة أو في المجتمع أو الأندية.... وإلا يغفل رجال الدين في مواقعهم المختلفة عن دورهم المهم في هذا المجال.
إننا نبحث عن مجتمع صالح مسالم يكون جميع أفراده من الأصحاء الأسوياء خلقًا وعملًا وعلمًا.... وان نزرع في نفوس أبناءنا نزعة الخير والإيمان والسلام وننتزع منهم نزعة الشر والعنف والانتقام.. وتحيا مصر.