رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصطفى شاهين: المتطرفون لن يتغيروا بعد خروجهم من السجن (حوار)

جريدة الدستور

-رئيس قسم الطب النفسى بـ«قصر العينى» قال إن الاكتئاب سيكون المرض الأكثر انتشارًا بحلول عام 2030
-أقترح تطبيق آلية للدعم النفسى للتلاميذ تحت شعار «ساعة للحوار»
-الإعلام يستضيف خبراء بمواصفات غير صحيحة فيقدمون للجمهور معلومات خاطئة

كشف الدكتور مصطفى شاهين، رئيس قسم الطب النفسى بكلية طب قصر العينى، عن أن مرض الاكتئاب سيكون أكثر الأمراض انتشارًا فى ٢٠٣٠، مشيرًا إلى أن الإحصائيات العالمية تقول إن ٨٪ من المجتمع يعانى من الاكتئاب، وهناك مليون شخص مصابون بالفصام.
وأضاف «شاهين»، فى حواره مع «الدستور»، أن المتطرف ليس مريضًا نفسيًا، لذا لا يتغير فكريًا بعد خروجه من السجن، وأرى دائمًا أن فكرة إعادة تأهيله ودمجه فى المجتمع غير صحيحة، مؤكدًا: «المتطرف يأتى للطبيب النفسى لتحسين صورته أمام نفسه والآخرين.. يقولون إنه كان مريضًا ويخضع للعلاج».
وشرح «شاهين» خطته للنهوض بقسم الطب النفسى، من حيث الخدمة التى تقدم للمرضى، أو التدريب الذى يخضع له الطلاب، مؤكدًا أنه سيتعاون مع شركات الأدوية لتطوير البحث العلمى، تقديرًا لظروف الدولة.

■ بداية.. ما التعريف الصحيح للمرض النفسى؟
- أى شخص طبيعى يشعر فيفكر فيتصرف، وإذا حدث خلل فى أى مرحلة من تلك المراحل سيؤدى لمرض نفسى، فخلل المشاعر يؤدى إلى القلق والتوتر والخوف والاكتئاب وعدم قدرة على التعامل مع الآخرين، أما فى حالة اضطراب التفكير، فيؤدى إلى ضلالات فكرية وهلاوس سمعية وبصرية وأفكار شاذة عن الواقع، ولكن فى حالة الاضطراب النفسى والوجدانى فيؤدى إلى اضطراب الشخصية بأنواعه أو اضطرابات الهوية والسلوك أو الإدمان.
■ هل هناك خلل فى الصحة النفسية داخل مجتمعنا؟
- مشكلتنا فى المجتمع هى عدم شعورنا بأهميتنا كشخصيات تؤدى مهمة داخل المجتمع، فلا بد أن أعرف ذاتى وأن أدرك أهميتى فى الحياة، وأن أحترم العمل الذى أؤديه، ومن هنا نبدأ العمل على الصحة النفسية.
■ وما حل تلك الأزمة؟
- الحل هو التوعية، وسبق أن طالبت المسئولين بتطبيق آلية للدعم النفسى للتلاميذ فى المدارس، تحت شعار «ساعة للحوار»، ولكن هذا لم يحدث، فالدولة عينت مستشارًا للصحة النفسية، ونعتبر ذلك خطوة جيدة، ولكن ماذا بعد؟!.
■ كيف نعرف الشخصية المتطرفة؟
- الشخص المتطرف هو الشخص الذى يتعامل مع الناس من منطلق اقتناعه بأفكار معينة، والدفاع عنها باستمرار، وبالتالى المتطرف لا يرى نفسه إلا على صواب، وهذا لا علاقة له بالقيمة الدينية، فالتطرف هو خرق للقواعد، فكل قاعدة تحدث خللًا لرؤيتك لذاتك فهى تطرف، فالإدمان تطرف والشذوذ تطرف.
■ هل الشخص المتطرف مريض نفسى؟.. وكيف نتعامل معه؟
- المتطرف ليس مريضًا نفسيًا، فالخلل يكون فى فهمه للأفكار التى يؤمن بها، والتى تخص قيمة الدين والتسامح والقيم الأساسية فى حياتنا.
وأما عن الطريقة المثالية للتعامل معه، فلا بد من الحديث معه والاستماع له، لترسيخ مبدأ احترام حق الآخر فى التعبير، ليكون أساسًا للحديث، فأقترح مثلًا أن نحاول ترسيخ فكرة مثل: «أنا وأنت.. كل منا جاء من بيئة أثرت به، وتأثير البيئة الخاصة بك مختلف عن تأثير بيئتى على، ولكن هناك أشياء أساسية، مثل الأخلاقيات والمبادئ، والتى لا تتجزأ، وعلينا احترام هذا، وصولًا إلى الأسباب التى يُكفّر على أساسها الناس».
■ ما رأيك فى مبادرات دمج المتطرفين فى المجتمع، بعد إجراء مراجعات فكرية؟
- لن ننجح فى إعادة تأهيل المتطرف إلا بعد التأكد من أنه مصاب بأزمة نفسية بالفعل، وهذا عن طريق خضوعه لاختبارات نفسية، تحدد مدى توازنه، وعند التأكد من وجود مشكلة نفسية لديه نبدأ فى علاجها، ولكن قبل ذلك لا فائدة، وأنصح بأن يتم ذلك داخل السجون وليس خارجها.
■ هل تعاملت مع متطرفين من قبل؟
- نعم، تعاملت معهم بحكم الخبرة فى الحياة، وأعلم جيدًا أن تفكيرهم الشاذ من الصعب أن يتغير، فلا بد أن ندرك التكوين النفسى للمتطرف، وهذا سيضعنا أمام أهدافه وطموحاته فى الحياة، والجو الإنسانى الذى يعيش فيه، ولو أدركنا هذا فسنعرف المدخل الذى يمكن فتح نقاش من خلاله.
■ بعد تجربة السجن.. هل يتغير المتطرف؟
- لا، لن يتغير المتطرف بعد خروجه من السجن، وعادة ما يأتى إلينا لتحسين صورته أمام نفسه وأمام المجتمع، ليقال عنه إنه كان مريضًا ويخضع للعلاج.
■ ما أبرز الشائعات التى لاحقت الطب النفسى؟
- البعض ربطه بالخزعبلات والجن، والبعض يرى أى مريض نفسى مجنونًا.. وهذا خطأ.
■ هل مواجهة الاكتئاب ممكنة؟
- مبدئيًا، لا بد أن نفرق بين الاكتئاب والحزن الطبيعى، فحزنك على فراق شخص عزيز عليك طبيعى ولا خوف منه، ويتماشى مع ضغوط الحياة، أما الاكتئاب المرضى فهو مرض يمنعك من إنجاز عملك والتواصل مع الآخرين، وتسيطر عليك الأفكار الضلالية والانتحارية.
وأحب أن أشير إلى أن مرض الاكتئاب سيكون فى مقدمة الإعاقات فى ٢٠٣٠، وحسب النسب العالمية فإن ٨٪ من المجتمع مصابون بالاكتئاب، وهناك مليون مريض مصابون بالفصام.
■ إلى أين وصلت جهود مكافحة الإدمان؟
- مكتب مكافحة الجريمة «un» كان مشاركًا معنا فى وضع الاستراتيجية القومية لمكافحة المخدرات.
■ كيف نصل إلى مجتمع سوى نفسيًا؟
- أدعو للعودة للحوار الأسرى، فقد دعيت من قبل لمبادرة «ساعة للحوار» بالمدارس، ومبادرة «وجبة واحدة جماعية للأسرة يوميًا»، دون تشغيل التليفزيون، فتبادل الحديث بين الأهل له تأثير إيجابى.
■ ما تأثير الميديا والسوشيال ميديا على الصحة النفسية؟
- الميديا لها تأثير سلبى للغاية على الصحة النفسية، فعلى سبيل المثال، يستضيف الإعلام خبراء بمسميات وظيفية غير صحيحة، فتصل معلومات الصحة النفسية إلى المجتمع غير صحيحة.
وأما عن السوشيال ميديا، فأعتبرها مصدرًا للفضائح، فجميع أسرار الناس يتم تداولها، بعد اختراق خصوصيتهم، والنتيجة هى أن «فيسبوك» أصبح مصدر شائعات.
■ لو تم تبنى حملة للصحة النفسية ماذا يكون الشعار؟
- «الصحة النفسية.. مصر أولًا»، الحملة لا بد أن يشترك فيها كل طوائف المجتمع، وجميع الوزارات.
■ ما المحطات المهمة فى حياتك كطبيب نفسى؟
- بمجرد دخول مكتبى وجلوسى على هذا الكرسى، أول ما تمنيته هو وجود أبى معى فى تلك اللحظة، فأبى هو الدكتور عمر شاهين، أول من أدخل الطب النفسى فى الجامعات المصرية، وأول مدرس للطب النفسى فى مصر منذ عام ١٩٦٠، وتمنيت أن يعاصر ما أنجزته فى حياتى، وبالتأكيد سيكون فخورًا بى، لذا حرصت على أن تكون صورته أمامى طوال جلوسى على هذا الكرسى.
فأبى كان قدوتى، كونى رأيت شخصًا ناجحًا أمامى، قادرًا على تحقيق المزيد والمزيد من الإنجازات، هذا فى حد ذاته شجعنى على الاقتداء به، كما أن أختى الدكتورة علا شاهين كانت أيضًا قدوة حسنة لى.
وشعرت بالرضا التام لما وصلت له من مناصب، فعملت فى العديد من المستشفيات الخاصة والعامة، فكنت أعمل طوال ١٦ ساعة فى اليوم، وأجلس مع المريض الوقت الذى يريده هو وليس العكس، وأول قرار بعد المنصب هو إلغاء جميع أعمالى الصباحية لأتفرغ للمنصب.
وأعمل بنصيحة الدكتور يحيى الرخاوى، وهى عدم معالجة مريض قصر العينى بإرساله للعيادة الخاصة، فلدينا أساتذة فى العيادة الخارجية بقصر العينى وأساتذة مساعدين أيضًا.
■ ما خطتك بقسم الطب النفسى؟
- مبدئيًا عملت على تنظيم العمل، دون تغيير ما أنجزه من جاءوا قبلى، فقسمت القسم إلى ٦ وحدات، كل وحدة لها رئيس، وكل رئيس له أساتذة ومساعدون ونواب، وجميعهم مرتبطون برئاسة القسم.
والقسم مقسم أيضًا لوحدات إدارية وفنية، حيث إن المستشفى يضم ١٥٠ سريرًا، وهناك خطة لتحسين الخدمة وتطويرها بلا شك.
والجزء الثانى من الخطة هو نظام تدريب الطلاب، خاصة طلاب الفرقتين الثانية والسادسة، وكذا طلاب الدراسات العليا، وبدأنا بالفعل بطلاب الفرقة الثانية، فهم بحاجة إلى ما يسمى «علم النفس التطبيقى»، ومن المهم أن يدرسوا السلوك الطبيعى للمرضى، فقسمتهم لمجموعات صغيرة، كل مجموعة معها مدرس يعلمهم، ويرفع مهاراتهم الطبية.
■ كيف تطور البحث العلمى؟
- نهتم برفع كفاءة البحث العلمى، هو الجزء الثالث من الخطة، وهو لا يعتمد فقط على رسالة دكتوراه وماجستير، فعملت على تقسيم الأطباء إلى جروبات، هدفها الأول والأخير عمل بروتوكولات لإعداد ١٢٠ بحثًا علميًا، بخلاف الماجستير والدكتوراه، بحيث تكون لدينا مادة نستطيع أن نستخدمها فى خدمة المريض.
وبالفعل لدينا عدة أبحاث حول الأطفال والإدمان والاضطرابات المزاجية والأبحاث الانتشارية، بالاشتراك مع باقى أقسام الطب النفسى، ومع الجامعات المختلفة، للخروج ببحث علمى واحد للحصول على فكرة التكامل.
■ هل تمول الجامعة البحث العلمى؟
- لا، ولا نطالب الجامعة بتمويلنا، فأنا أحترم إمكانيات الدولة، لذا سأعمل على التعاون مع شركات الأدوية لتدعيم تلك الأبحاث.
■ ما علاقة الاقتصاد بالعلاج النفسى؟
- لا بد أن يعى المريض أن الحياة لا تسير وفقًا لما نحلم به، وأن كل شخص، غنيًا كان أو فقيرًا، لديه أزمات ما.
■ ما رأيك فى منظومة التأمين الصحى فى مصر؟
- تحتاج لتعديل بلا شك، وأرى ما يحدث «خطأ»، فلا بد أن يكون لدينا إطار لنعمل وفقه، وهذا لا يوجد فى منظومة التأمين الصحى، فما دام المريض لم يدفع جزءًا من تكلفة علاجه فلا يعالج.
■ هل هناك حل لأزمة نقص الأدوية؟
- حينما عملت سكرتيرًا للجمعية المصرية للطب النفسى، أرسلت رسالة لوزير الصحة آنذاك، الدكتور حاتم الجبلى، وحددت فى رسالتى أسماء الأدوية النادرة، ولكنه لم يهتم، وبعثت برسالتى أيضًا للدكتور عادل عدوى، وزير الصحة الأسبق، واستجاب بتوفير نوع دواء ناقص، ولكن بسعر أعلى، وفى رأيى: «ارفعوا سعر الدواء ووفروه فى السوق».