رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

خلطة منال.. النجاح على طريقة محافظ دمياط

جريدة الدستور

فى الثامنة صباح الثالث والعشرين من سبتمبر الماضى، فوجئ طلاب مدرسة الثانوية العسكرية بنين بمحافظة دمياط، ومعهم المدرسون والإداريون، بسيدة فى مطلع الخمسين من عمرها، تخرج من سيارة سوداء وحولها مجموعة من الأشخاص. دخلت بهدوء ووقفت مثلهم فى ثبات لتشاركهم تحية العلم بكل فخر. تلك السيدة كانت الدكتورة منال عوض ميخائيل، أول محافظة مسيحية فى مصر، التى جاء تعيينها بمثابة رسالة حاسمة بأنه لا تمييز، سواء فى الدين أو الجنس. لم يكن وصولها لمنصب محافظ دمياط من قبيل المصادفة، بل سبقتها سمعتها وإنجازاتها فى محافظة الجيزة، إذ كانت نائب محافظ الجيزة لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة منذ ٢٠١٥. فى السطور التالية، تفتح «الدستور» خزينة أسرار «الدكتورة منال»، وتلقى الضوء على حياتها العملية والأسرية باعتبارها نموذجا مشرفا للمرأة الناجحة والسياسى الناجح.



أسهمت فى محو أمية 100 ألف.. و«بأكره الحال المايل» سر «الشطارة»
رغم تخرجها فى كلية الطب البيطرى جامعة بنها عام ١٩٨٩، لم تكتف الدكتورة منال عوض ببكالوريوس العلوم البيطرية، بل تمكنت من الحصول على الماجستير فى المجال ذاته من جامعة الإسكندرية عام ١٩٩٥، ومع حلمها ورغبتها فى أن تصبح «صيدلانية»، واصلت طريق الدراسة حتى حصلت على دكتوراه فى العلوم الطبية من «الإسكندرية» أيضًا عام ١٩٩٩.
عملت فى معهد بحوث الأمصال واللقاحات ثم رقيت فيه إلى مدرس مساعد فأستاذ دكتور وصولًا إلى رئاسة قسم الجدرى، ومنه تقلدت منصب وكيل المعهد عام ٢٠١٣. تقول عن هذه الفترة: «كنت وكيل معهد، وكنت مسئولة عن ألف موظف، منهم دكاترة وموظفون إداريون، وبالطبع كانت التقارير تشير إلى الحس الإدارى فى شخصيتى، ودى طبيعة فى حياتى»، مشددة على أنها «تكره الحال المايل».
واصلت الدكتورة منال مشوارها العملى بنجاح حتى تقلدت منصب نائب محافظ الجيزة لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة منذ عام ٢٠١٥، وقدّمت خدمات جليلة هناك، إذ تولّت ملف تطوير المناطق العشوائية واستطاعت الحصول على عدد كبير من المنح والتمويلات من المنظمات العالمية لتطوير تلك المناطق.
واستطاعت تجهيز سوق تجارية ضخمة للباعة الجائلين فى منطقة الكنيسة بـ«العمرانية» بتكلفة وصلت لـ٣ ملايين جنيه، وحل مشكلات المعيلات والمطلقات اللاتى فقدن مصادر رزقهن عن طريق التواصل مع منظمات المجتمع المدنى والجمعيات الأهلية.
يقول عنها الذين تعاملوا معها خلال هذه الفترة إنها عقلية مميزة للغاية، تستطيع إحكام القبضة على جميع مجريات الأمور مهما كانت المشكلات، كاشفين عن نجاحها فى وضع خطة لتطوير البنية التحتية للقرى الأكثر فقرًا وعددها ٢٥ قرية، بجانب تنفيذ مشروعات صرف صحى ومياه الشرب وإنارة الشوارع ورصف الطرق، فضلًا عن الخطة التى وضعتها للتنمية البشرية فى هذه القرى. حاولت التصدى لظاهرة الاحتباس الحرارى، فحصلت على دعم كبير من عدد من المنظمات الدولية لدعم أسطع العقارات فى محافظة الجيزة، لتتقدم خطوة نحو مواجهة الظاهرة والتصدى لها، كما استطاعت محو أمية أكثر من ١٠٠ ألف مواطن، بجانب زيادة الفصول المجتمعية وتطوير المدارس بالتنسيق مع المجتمع المدنى ورجال الأعمال. وبفضل هذا المشوار الدراسى والأكاديمى المميز، حصلت على جوائز عديدة من بينها جائزة الدولة التشجيعية فى العلوم الدراسية عام ٢٠٠٧ عن أبحاث تأثير العدوى والتحصين بفيروس ولقاح جدرى الأغنام على مناعة وكيمياء دم الأغنام المختبرة، وجائزة اليونسكو لمدن التعلم عام ٢٠١٧ ضمن ١٦ مدينة فائزة على مستوى العالم. واشتركت فى عضوية العديد من الجمعيات العلمية الكبرى، من بينها نقابة الأطباء البيطريين، والجمعية العالمية الطبية البيطرية للدواجن، والجمعية المصرية للمناعة، والجمعية الفيرولوجية البيطرية.



ألغت المواكب.. و«نوتة» الجولات تكشف متابعتها الدقيقة
حرصت الدكتورة منال، التى ذاع صيتها بعد توليها منصب المحافظ فى دمياط، خاصة أنها ثانى محافظة سيدة بعد الدكتورة نادية عبده، محافظ البحيرة السابق، وأول مسيحية فى هذا المنصب، على إعادة الأنظار من جديد للمحافظة باعتبارها أهم مركز لصناعة الأثاث فى العالم، بعدما اختفت لفترة.
وفى الوقت ذاته فضلت الابتعاد عن الأضواء ووسائل الإعلام، متسلحة بمقولة «أفعال لا أقوال»، ورافضة مبدأ «الضجيج بلا طحن»، وبدأت فى التعمق داخل كل قطاع فى المحافظة، بداية من الصحة والمزارع وورش ومصانع الأثاث، ووضعت نصب عينيها أن الاهتمام بالمواطن أهم من كل شىء لأنه أساس أى منظومة.
بعد تعيينها محافظًا لدمياط كان لها قرار بإتاحة الفرصة لطلاب المدارس لممارسة الأنشطة الرياضية المختلفة عن طريق اجتماع دار بينها وبين وكيل وزارة التعليم فى المحافظة، وبناءً عليه قرّرت فتح مراكز الشباب جميعها للطلاب دون الحصول على أى مقابل مالى. وتعمل فى الوقت الحالى على تنفيذ توجيهات القيادة السياسية بإعادة دمياط مرة أخرى لتنافس فى أسواق الأثاث، ودعم الأسعار بالشكل الذى يجذب الجمهور مرة أخرى ويحقق للبائع هامش الربح المناسب، خاصة أن هناك عددا كبيرا من التجار قرّروا التوقف عن تجارة الأخشاب بعد ركود الأوضاع فى المحافظة.
وفى هذا الإطار، وجهت بإعادة تصنيف دمياط من محافظة غنيّة إلى فقيرة، حتى تستطيع الحصول على المنح، معتبرة تصنيف المحافظة «غنية» فى وقت سابق- لم تعد عليه الآن- يضرّها دون أى استفادة على الإطلاق.
تقول عن محافظة دمياط إنها بلد جميل ولوحة فنية بديعة لكنها «متشخبطة» وتحتاج إلى المزيد من العمل حتى تكون جميلة مثل عادتها، مضيفة: «هناك رؤساء مدن ومراكز لم يظهر عملهم وبعضهم هييجى منهم وهيستمروا».
وتشير دومًا للصحفيين إلى أنها لا تحب إعطاء التصريحات والوعود المقدّمة، غير أن هاتفها دوما متاح للجميع للاستفسار عن أى شىء يخص المحافظة، لافتة إلى أنها تحب العمل وأن يظهر الناتج المنوط بها للنور، وحينها يتم الحديث عن عملها ومجهودها، دون أن تتحدث هى عن نفسها. وأصدرت تعليمات بعدم اصطحابها الموكب المعتاد الذى يصاحب المحافظين فى تحركاتهم، بجانب عدم سرد التفاصيل الخاصة بعملها فى البيانات الإعلامية الصادرة من المحافظة، مفضلة أن تكون كل التفاصيل خاصة حتى ترى النور، كما أنها رفضت تلقى الورود بمناسبة توليها المنصب، وأكدت أنها لا تحب ذلك الأمر، مكتفية باستقبال القيادات التنفيذية والأمنية فى مكتبها لمعرفة الجديد والخطوط العريضة التى يعملون عليها. ولا يعلم الكثيرون عن الدكتورة منال أنها تقدّس المواعيد والالتزام بالمسئولية، وترفض أى تقصير فى أداء العمل مهما كانت الأسباب. وتقضى الأسبوع كاملًا فى دمياط عدا يوم الجمعة الذى تقضى نصفه فى النوم تعويضًا لساعات طويلة فى الشارع.



تقرأ روايات ابنها طبيب الأسنان.. تستمع لموسيقى عمر خيرت.. وزوجها رجل الأعمال يناديها بـ«سيادة الوزيرة»
تفرض الدكتورة منال عوض، التى ولدت فى مدينة طنطا بمحافظة الغربية فى الأول من يونيو عام ١٩٦٧، الكثير من السرية والخصوصية حول أسرتها، فما فى المنزل فى المنزل، وما فى العمل عمل، حتى إنه لا يتوافر الكثير من المعلومات حول هواياتها.
«أنا ست عادية عندى زوج وأولاد».. هكذا تكتفى الدكتورة منال بتلك الإجابة، عندما يسألها أحدهم عن أسرتها، وهى متزوجة من رجل أعمال، ولديها ولدان، أحدهما طالب بطب الأسنان، والآخر لا يزال يدرس بكلية الهندسة. أما عن مشاعر زوجها عندما علم بتوليها المنصب، فتقول: «كان فرحان، والإنسان اللى عنده ثقة بنفسه يفرح لزوجته جدًّا ويشجعها».
وعلى الرغم من الخصوصية التى تفرضها على محيطها وأسرتها، فإن عائلتها مصدر فخر كبير لها دائمًا، وظهر ذلك جليًا أثناء أدائها اليمين الدستورية أمام الرئيس عبدالفتاح السيسى، حيث كتب زوجها سامى فرحات، على صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك» أنه فخور بها، مباركًا إياها على المنصب الجديد الذى تستحقه قائلا «فخور بيكى.. ألف مبروك سيادة الوزيرة»، ليس هذا فقط، بل يتابع كل تحركاتها والبرامج التليفزيونية أو الصور الرسمية ويشاركها لها على صفحتها، ويتابع كل ما يكتب عنها فى الخارج بلغات أخرى ليسعدها بما يقال عنها.
تُفضل محافظ دمياط قراءة الروايات، خاصة تلك التى يكتبها نجلها شادى، طبيب الأسنان، الذى يهوى كتابة الروايات، كذلك تفضل موسيقى عمر خيرت، وكل ما يتعلق بـ«زمن الفن الجميل».
عندما كان شادى طالبا بالفرقة الخامسة بكلية طب الأسنان جامعة عين شمس فاز بالمركز الأول على مستوى طلبة الأسنان المشاركين من مختلف دول العالم فى المسابقة الثانية لـ«جى سى» المنعقدة ببلجيكا، بعد عرض حالة تجميلية أداها بقسم العلاج التحفظى.
وكان نجل المحافظ قد تأهل للمنافسة مع الجامعات الأوروبية فى يونيو الماضى بعد فوزه بالمركز الأول على مستوى جامعات الشرق الأوسط، وهذه المسابقة هى ثانى مسابقة عالمية يشارك فيها هذا العام قسم العلاج التحفظى بكلية طب الأسنان جامعة عين شمس بحالات يؤديها الطلاب بعيادة القسم، وتتأهل للمنافسة على المراكز الأولى مع الجامعات الأوروبية بعد فوزها بالمركز الأول على مستوى جامعات الشرق الأوسط.
وكتب لها شادى على صفحته بموقع «فيسبوك»: «كل يوم تثبتى لينا وللجميع بأنك تستحقى أن يتذكرك التاريخ دومًا».