رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كلب الصيد الإخواني




منذ أزمنة سحيقة موغلة فى القِدم، قيل إنها بدأت فى زمن سيدنا موسى وإنه هو الذى نقل لليهود أسرار «البناء» المصرى، واستقر البعض على أنها بدأت فى زمن سيدنا سليمان، وهناك من يقول إنها ازدهرت بعد السيد المسيح، وللمؤرخين فى ذلك اتجاهات ومدارس حول عصر التأسيس لهذه الجمعية ومَنْ الذى قام بها، وما أسرارها، إلا أنها ظلت تـُعرف بجمعية «البنّائين» أى المهندسين، وكانت عضويتها مقتصرة على البنّائين والرسّامين والمثّالين.
انضم إلى هذه الجمعية مجموعة من عظماء العالم فى هذه الفنون الذين تمكنوا من إقامة البنايات الفخمة فى جهات متعددة من العالم، وحدث أن تهاوت «فنون البناء» فى العالم بسبب الحروب وانسحب البنّاءون الكبار من عضوية الجمعية، فكادت تتلاشى، وتوقّف كثير من المحافل الماسونية فى كثير من دول العالم حتى غدت أثرًا بعد عين، فارتأى محفل «مارى بولس» بلندن أن يسمح بالعضوية لغير البنّائين بشرط موافقة الأعضاء على ذلك وكان هذا عام ١٧١٥ ميلادية، ولأن للماسونية أهدافًا سرية فإنها تضع أسرارها هذه فى جوف حصن من الرموز بحيث لا يستطيع أحد الوصول إليها، وقد يظن المستمع للوهلة الأولى أننا نتحدث عن شىء أسطورى لا وجود له فى الواقع، ولكنه واقع، وأظن أن معظم الرؤساء فى أمريكا والعالم الغربى الآن يتبعون الماسونية ولهم درجاتهم فى تلك الجمعية السرية الرهيبة، والهدف المعلن للماسونية هو توحيد العالم كله تحت راية واحدة هى رايتهم، والماسونية ليست جمعية محلية ولكنها جمعية دولية، كل دولة فى العالم فيها «محفل رئيسى» يسمى المحفل الأعظم، وتوجد فى الدولة الواحدة عدة محافل، وكان مقر المحفل الأعظم للعالم كله فى لندن ثم أصبح الآن فى واشنطن، وقد يأخذكم العجب حينما تعلمون أن «الماسونية منتشرة فى العالم انتشارًا يحسدها عليه أعظم الأديان، والماسونية ترغب فى أن يكون العالم كله تبعًا لها وهى سيدته»، والماسون فى سبيل تحقيق هدفهم يقومون بتجنيد الأفراد القادرين على تحقيق غاياتهم من كل الأديان والأجناس والمِلل، إلا أن الماسونية لا تقبل عضوية النساء، وهم ينادون على بعض بلقب «أخ» و«الإخوة» ولهم درجات عضوية تبدأ بالأخ المنتسب ثم المنتظم وهكذا تتدرج العضوية حتى يصل بعضهم فيها إلى أعلى المراتب، ولك أن تعرف أن درجات العضوية فيها هى نفس درجات العضوية فى جماعة الإخوان، ونفس أهدافها هى نفس أهداف جماعة الإخوان، ولكن الإخوان يصبغون جمعيتهم بصبغة إسلامية. والماسونية جمعية سرية، ولا ينبغى للأخ فيها أن ينشر أسرارها وإلا حق عليه العقاب، ومن أجل ذلك يكون فيها قسم الولاء حيث يُحل فيها الأخ دمه للجماعة، ويتم هذا القَسَم فى غرفة مغلقة مظلمة، ويتلقى القسم أحد كبار الماسون وهو يرتدى قناعًا أسود على وجهه حتى لا يعرفه الأخ الماسونى الجديد، وفى تلك الجلسة يتم وضع مسدس على منضدة صغيرة، ويوضع بجوار المسدس لائحة الماسون وتعاليمهم، وعليهما يقسم الأخ الماسونى على إخفاء كل أسرار الجمعية، وأن يسمع ويطيع كل ما يؤمر به دون مناقشة، وليس له أن ينشر أسرار الجمعية وإلا حق عليه العقاب.
وفى غضون عام ١٩٢٧ حينما كان حسن البنا شابًا صغيرًا فى السنة النهائية من مدرسة دار العلوم التجهيزية، تعرف على شاب فرنسى الجنسية اسمه مسيو «بلوم» وقد كان هذا الشاب يجيد اللغة العربية إجادة تامة، وكانت له أبحاث عن الإسلام وتاريخه، أما المكان الذى تعارفا فيه فهو «دار الكتب» التى كانت كائنة آنذاك بمنطقة باب الخلق، حيث لاحظ مسيو «بلوم» أن هناك شابًا له سحنة ليست مصرية ولحية خفيفة ويرتدى اللباس المغربى الشهير بعباءته وسرواله وعمامته، وكان يجلس منكبًا على بعض الكتب، وكان أن جلس بجواره مسيو بلوم وبدأ معه حوارًا طويلًا ظل مستمرًا فيما بعد لسنوات طويلة، وكان لبلوم هذا أكبر الأثر فى حياة حسن البنا وفى مسار جمعيته الإخوانية.
ولسبب لم يذكره حسن البنا ولا أحد من المؤرخين اللهم إلا الصديق والكاتب الكبير حلمى النمنم فى كتابه المتفرد «حسن البنا الذى لا يعرفه أحد»، قطع حسن البنا دراسته بعد أن نجح بتفوق فى مدرسة دار العلوم التجهيزية، إذ لم يلتحق بكلية دار العلوم رغم أن أوراقه كانت قد قبلت بالفعل فيها، ومن غير سبب معروف تقدم حسن الساعاتى بأوراقه للعمل كمدرس للخط العربى فى إحدى المدارس الابتدائية بمدينة الإسماعيلية، حيث يعمل مسيو بلوم صديقه الذى التقاه فى دار الكتب، والذى كان صاحب التأسيس الحقيقى للجماعة، ويبدو أن الصلة كانت قد توثقت بين بلوم وحسن الساعاتى بشكل كبير، ففى الأيام الأولى له فى الإسماعيلية التقيا كثيرًا، وكانت الحوارات بينهما مخفية عن الجميع، خاصة تلك اللقاءات التى كانت تتم فى البنسيون الذى أقام فيه حسن الساعاتى فى أيامه الأولى بالإسماعيلية وهو بنسيون مملوك لامرأة يهودية تُدعى «أم جيمى»، وكانت لقاءات حسن الساعاتى خوجة الخط العربى الجديد بالمدرسة الابتدائية مع بلوم قد بدأت تتخذ طابعًا جماعيًا لا فرديًا، إذ اشترك معهما بشكل مستمر فى هذه اللقاءات شخصان يهوديان ذكرهما حسن الساعاتى فى مذكراته هما إبراهام جان، وشمعون موندال، وخلال تلك الأيام بدأ حسن الساعاتى فى إنشاء جماعته وكانت من عدد محدود من الرجال والشباب الأميين من أصحاب العاطفة الدينية، وقد ظنوا فى بداية الأمر أنهم يلتحقون بطريقة صوفية شبيهة بتلك الطرق التى كانت تعج بها البلاد.
وبعد أن استقرت إقامة حسن الساعاتى فى شقة صغيرة، حتى بدأت علاقاته بأعيان الإسماعيلية تتسع، وكان عرَّاب هذه اللقاءات هو مسيو بلوم، وهو أيضًا الذى قاده لمدير شركة قناة السويس ليأخذ منه أشهر خمسمائة جنيه فى التاريخ، وهى الخمسمائة التى بدأ بها البنا فى تأسيس الكيان الخاص بجماعته، ومن وقتها أصبح البنا أشهر كلب صيد للإنجليز، والآن تقوم جماعة الإخوان بدور كلب الصيد للمخابرات الأمريكية والبريطانية، وقد كانت هى صاحبة الدور الأكبر فى محاولة «قنص» المنطقة كلها لتقديمها إلى الأمريكان، ولذلك تحظى تلك الجماعة بحماية ثنائية الأبعاد من أمريكا وإنجلترا وستظل تحظى بحمايتهما طالما تقوم بدورها بانتظام، وليس ببعيد أبدًا أن تكون تلك الجماعة الشيطانية هى التى قامت بدور قنص جمال خاشقجى لكى يكون وسيلة لوقوع فريسة أكبر فى شبكة الصياد الأمريكى، وستأخذ جماعة الإخوان الثمن، لذلك يجب أن ننتبه، فالأمر ليس خاصًا بالمملكة السعودية فقط، ولكن نيرانهم ليست ببعيدة عن مصر، وسيحفظ الله مصر.