رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هل يستطيع مصرى أن يتهور فى حب مصر؟.. حكاية مقال أسس لشعبية جريدة "المؤيد"

محمد توفيق
محمد توفيق

في أحد الأيام طلب محرر بجريدة «الأهرام» إجراء مقابلة مع رئيس الوزراء إسماعيل صدقي، وبعد أن تحدد الموعد، واتخذ الصحفي سبيله سعيا لمقابلة الوزير رئيس الحكومة.

طال الانتظار بالصحفي في مكتبة سكرتيرة رئيس الوزراء، لدرجة جعلته يشعر بالإهانة، فاتخذ حينها قراره بالانصراف، عائدًا إلى صحيفته قاصدًا مكتب «أنطون الجميل» رئيس تحرير «الأهرام» حيث قص عليه ما حدث، وهو ما دفع «أنطون» لطلب مجلس التحرير للانعقاد، ليخرج المجلس بقرار تمثل في منع ذكر اسم رئيس الوزراء علي صفحات الجريدة حتي يعتذر.

ومرت بضعة أيام دون ذكر اسم رئيس الحكومة في الجريدة، فاضطر رئيس الوزراء إلي أن يذهب إلي حيث مقر «الأهرام» لأجل الاعتذار للمحرر.

الكلمات السابقة كانت هي المقدمة التي ساقها الكاتب الصحفي المبدع محمد توفيق للجزء الثاني من سلسلة مؤلفات «الملك والكتابة» والتي حملت عنوان «حُب وحرب وحبر»، والذي يؤرخ من خلاله لقصة الصراع الذي كان بين الصحافة والسلطة خلال النصف الأول من القرن العشرين.

يبدو أن «توفيق» أراد في تلك الافتتاحية أن يرسل برسالة إلي العاملين داخل بلاط الجلالة مفادها يقول: «إذا كانت الكلمة ضريبتها فادحة وعواقبها غير مأمونة، لكنها ستبقي دومًا من الباقيات الصالحات ترفع من رعوها حق رعايتها إلي مراتب القديسين، وفي الوقت ذاته تهوي بمن خان أمانتها إلي غياهب الجب، دون أن يلتقطه بعض السائرين».

بدأ الجورنالجي محمد توفيق بحر حكاياته من عند العام 1900، قائلًا: "اليوم هو الاثنين الأول من يناير، السلطة مقسمة بين السلطان عبد الحميد، والخديو عباس حلمي، والاحتلال البريطاني، وكل منهم يفرض وصايته على الشعب المصري".

ويستطرد: "لكن بالرغم من ذلك كان الحاكم الفعلي لأحياء القاهرة هم الفتوات، حيث كان يتمتع بعضهم بحماية أجنبية، كان ذلك هو المشهد الحاكم للقاهرة آنذاك".

وسط تلك الأجواء كانت صاحبة الجلالة تعيش مرحلة من الصفيح الساخن، حيث احتدم الخلاف بين كلِّ من الزعيم مصطفي كامل والشيخ على يوسف صاحب جريدة «المؤيد»، أحد أشهر الصحف آنذاك، بعدما بادر «يوسف» بمنع نشر مقالات «كامل» التي يُرسلها من باريس.

كان ذلك الخلاف سببا في ظهور جريدة «اللواء» التي أسسها مصطفي كامل بمعاونة من صديقه محمد فريد، وخرجت الصحيفة وهي ترفع شعار مناهضة الاحتلال الرافضة لوجوده، ونجحت في التحريض ضده وتحفيز المصريين للثورة عليه.

ونجحت الجريدة في أن تستقطب عدد كبير من كتاب المقالات أمثال أحمد شوقي وخليل مطران وعبد القادر حمزة وأحمد حلمي وغيرهم، وكان أبرز مقال نشرته «اللواء» في أعدادها الأولي مقال بعنوان، هل يستطيع مصري أن يتهور في حب مصر؟.

وجاءت الإجابة على النحو التالي: "ألا أيها اللائمون أنظروها وتأملوها وطوفوها واقرؤوا صحف ماضيها واسألوا الزائرين لها من أطراف الأرض، هل خلق الله وطنا أعلي مقاما وأسمي شأنا وأجمل طبيعة واجل آثارا وأغنية تربة وأصفي سماءً وأعذب ماءً، وأدعي للحب من هذا الوطن العزيز".

وكان لتلك الافتتاحية أثرا كبيرا داخل الشارع المصري، ونجحت «المؤيد» في تكوين قاعدة جماهيرية كبيرة، وصارت بمثابة المدرسة التي تعلم المصريين حقوقهم وتبث فيهم روح الوطنية الصادقة، والأخلاق الفاضلة.