رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قبل "النهار".. هكذا تراجعت صناعة الصحافة أمام التطور

جريدة الدستور

بيضت صحيفة "النهار" اللبنانية صفحاتها، اليوم الخميس الحادي عشر من أكتوبر الجاري، وتعد هذه الخطوة سابقة في الصحافة اللبنانية، اعتراضا على ما وصفته بأنه «وضع كارثي» في لبنان، سواء في صناعة الصحافة أو في الوضع السياسي اللبناني، حسبما ذكر موقع «بي بي سي»، ويكشف التقرير التالي عن تطور وضع الصحافة على مر العصور الحديثة.

صمدت الصحافة كصناعة في الكثير من الظروف، ولكن بعد وصول التليفزيون في الخمسينات من القرن العشرين، بدأ اهتمام الناس بالصحف المطبوعة كمصدر لمعظم ‏الأخبار اليومية يتراجع، وكان انفجار الإنترنت في تسعينيات القرن الماضي سببا في زيادة نطاق الخيارات الإعلامية المتاحة للقارئ العادي، ‏في حين أدى إلى مزيد من عدم هيمنة الصحف كمصدر للأخبار، فالتلفزيون والإنترنت يقدمان الأخبار للمستهلك على نحو أسرع ‏وبطريقة أكثر وضوحا من الصحف، وهي مقيدة بنسقها المادي وصناعتها المادية وتوزيعها، وتوفر الوسائط المتنافسة أيضًا للمعلنين ‏الصور المتحركة والصوت، وتسمح وظيفة البحث على الإنترنت للمعلنين بتفصيل روايتهم للقراء الذين كشفوا عما يبحثون عنه هي ‏ميزة هائلة‎.‎

وبعد ظهور الإنترنت كوسيلة سريعة لنقل المعلومات وبهذا خطا خطوة أبعد من التلفزيون الذي أصبح بطيئا بالمقارنة به، تسبب هذا في تآكل دخل الإعلانات في الصحف، التي كانت الصحف تعتمد عليها كمصدر دخل ‏يتجاوز أحيانا 70٪ من عائدات الجريدة، وبهذا انخفض الطلب على إعلانات الصحف، فأثر هذا على الإستراتيجية لبعض الصحف، في ‏الوقت نفسه، تم تقسيم الصحف عن طريق دمج الكبيرة منها، والتي كانت تستأثر في السابق بمبالغ إعلانية كبيرة‎.‎

وصف البارون روبرت مردوخ، ذات مرة الأرباح المتدفقة من مستقره في الصحف بأنها "أنهار من الذهب"، لكن بعد عدة سنوات ‏وبعد إفلاس بعض الصحف قال: "في بعض الأحيان تجف الأنهار"، كما كتب مالك بوفالو نيوز، وارن بافيت: ‏‎"‎إذا جاء البث بالكابل والأقمار الصناعية، ‏وكذلك الإنترنت، بشكل حرفي، فإن الصحف كما نعرفها ربما لن تكون موجودة أبدًا".‏

تعرضت الصحف أيضًا لخطر متزايد من قبل وسائل الإعلام الأخرى مثل المواقع الإجتماعية التي لا تقتصر على انتزاع قرائها ‏فحسب، بل مصادر أرباحها الرئيسي وهي الإعلانات، حيث أن العديد من "وسائل الإعلام الجديدة" لا تهتم بالعقود النقابة المكلفة، ولا المطابع، ولكن هؤلاء المنافسين هم ببساطة "مجمعين" للأخبار، والتي غالبًا ما يتم اشتقاقها من مصادر مطبوعة، ولكن ‏بدون تكاليف رأس المال لوسائل الإعلام المطبوعة.

قال جون إس. كارول، المحرر السابق في صحيفة لوس أنجلوس تايمز: «الصحف هي من تقوم بالإبلاغ عن الأحداث، فمحركات البحث مثل ‏جوجل وياهو ليسا هؤلاء الأشخاص الذين يضعون المراسلين في الشوارع بتكاليف مالية لا يمكن أن تتحملها المدونات الإليكترونية التي فقط تنقل الخبر من الصحفية».

مع تجاوز مواقع وسائل الإعلام الاجتماعية للتلفزيون كمصدر للأخبار للشباب، أصبحت المؤسسات الإخبارية تعتمد بشكل متزايد ‏على منصات وسائل الإعلام الاجتماعية لتوليد حركة زيارة -ترافيك-، ووصف تقرير أعده معهد رويترز لدراسة الصحافة كيف أن "موجة ‏ثانية من الاضطراب" قد ضربت المؤسسات الإخبارية.

ورغم كل المعطيات لا يمكن معرفة هل ستختفي الصحف الورقية، ولكن جريدة إندبندنت البريطانية أصبحت أول صحيفة بريطانية تنتقل إلى النسخة الرقمية فقط، وأدى النمو الرقمي السريع في السنوات ‏الثلاث الماضية إلى جعل موقع صحيفة "‏Independent"‏ أسرع الصحف نموًا في المملكة المتحدة، حيث نما عدد مشاهديها ‏الشهرية بنسبة 33.3٪ خلال الاثني عشر شهرًا الأخيرة إلى ما يقرب من 70 مليون مستخدم فريد عالميًا، يعتبر الموقع مربحًا ومن ‏المتوقع أن يشهد نموًا في الإيرادات بنسبة 50٪ هذا العام، وقال إيفجيني ليبيديف، مالك شركة "الإندبندنت": "إن صناعة الصحف ‏آخذة في التغير، وهذا التغيير مدفوع من قبل القراء. لقد أظهروا لنا أن المستقبل رقمي. يحافظ هذا القرار على العلامة التجارية ‏المستقلة ويسمح لنا بالاستمرار في الاستثمار في المحتوى التحريري عالي الجودة الذي يجتذب المزيد والمزيد من القراء إلى منصاتنا ‏الإلكترونية".‏