رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الأهم من سقوط عشماوى


الأهم من سقوط إرهابى، مهما كانت خطورته، هو السيادة الليبية المنتهكة بسبب عدم وجود سلطة مركزية موحدة، بما يتيح التدخل العسكرى الخارجى المباشر أو عبر وسطاء ليبيين، ويتيح أيضًا استقرار فئات غير ليبية أو انتقال إرهابيين منها وإليها عبر الحدود الليبية غير المؤمنة، بشكل يشجع على تهريب البشر والنفط المخدرات... و.... و.... والسلاح.
فى «درنة» التى تقع على الطريق الساحلى على بعد ٢٦٦ كيلومترًا غربى الحدود مع مصر، سقط الإرهابى هشام عشماوى، الذى لعب دورًا كبيرًا فى تصدير الإرهابيين من مصر إلى سوريا وليبيا والعكس، وله فى مصر وغيرها خلايا نائمة، قد يقود القبض عليه حيًا إلى القضاء عليها أو على الأقل معرفة معلومات عنها. لكن فى ظل عدم وجود سلطة مركزية وجيش وطنى، ستظل الميليشيات أو الجماعات الإرهابية المسلحة موجودة. وستستفيد إلى أقصى درجة من الخلافات بين مجموعة الفصائل المسلحة المتنافسة على النفوذ منذ سنة ٢٠١١ أى منذ سقوط معمر القذافى. ولا ينطبق هذا الكلام على ليبيا فقط بل ينطبق على أى دولة، لأن أصل أى دولة هو جيشها.
الوضع فى ليبيا لا يهدد مصر فقط بل كل دول الجوار، ويمتد التهديد أيضًا إلى دول أوروبية. وليس سرًا أن مصر تدعم الجيش الوطنى الليبى ووحدة ليبيا، وتدفع فى اتجاه إجراء انتخابات فى ليبيا فى أسرع وقت ممكن. ولا يمكن إنكار دور مصر فى دعم جهود الأمم المتحدة لتحقيق السلام والمصالحة الوطنية فى ليبيا. ولتقريب وجهات النظر بين الأطراف الليبية الرافضة للإرهاب تجاه البنود الخلافية فى «اتفاق الصخيرات». وتشجيعها على إعلاء مصلحة الوطن العليا فوق أى اعتبارات قبلية أو جغرافية أو عقائدية.
مصر كانت ولا تزال تدعم مهمة المبعوث الأممى، كما دعمت مهمات المبعوثين الأممين السابقين، من أجل تفعيل الحوار بين كل الأطراف «الرافضة للإرهاب» وضَع خطًا أو خطوطًا تحت هذا الوصف. غير أن تجارب المبعوثين الخمسة السابقين، والسادس الحالى، وتجارب كل بعثات الأمم المتحدة بشكل عام، تقول إنها تعمل، دائمًا أو عادة، وفق أجندات وتوازنات دولية. وعلى أهمية الحل السياسى الذى دعمته (وتدعمه)، إلا أنه لا يغنى عن محاربة الإرهاب عسكريًا. وتكون واهمًا أو غائبًا عن الوعى لو تخيلت وجود أى حل مع التنظيمات الإرهابية إلا بالمواجهة العسكرية.
تكون واهمًا أو غائبًا عن الوعى أيضًا، لو تجاهلت أن كل القوى الداخلية المتصارعة، وتحديدًا التنظيمات الإرهابية، تدعمها دول، تكاد تكون معروفة بالاسم. كما هو معروف أن لتلك القوى وداعميها مصالح ومكاسب تتمسك بها، وستظل تدافع عنها. هذا بالطبع غير وجود شواهد كثيرة على أن الولايات المتحدة دعمت برامج «سرية» لتدريب وتمويل وتسليح الإرهابيين فى ليبيا، سوريا اليمن، ومصر، سواء بشكل مباشر أو عبر وكلاء، كـ«مجنون إسطنبول» و«العائلة الضالة» التى تحكم قطر بالوكالة. بينما الثابت هو أن مصر لا مصالح لها فى ليبيا غير تأمين حدودها وعمقها الاستراتيجى. وهو الواجب الذى تقوم بها قواتنا المسلحة، ونحمد الله أن لديها من الإمكانيات والقدرات ما يمكّنها من الوصول إلى أماكن وتجمعات بؤر الإرهاب فى أى مكان.
كنا قد استبشرنا خيرًا بتعيين «غسان سلامة» مبعوثًا خاصًا للأمم المتحدة ورئيسًا لبعثتها فى ليبيا، ليس فقط لأنه عاصر الصراع اللبنانى فى سبعينيات القرن الماضى، واتفاق الطائف بين الفرقاء، بما يجعل لديه خبرة كافية فى التعامل مع الشأن الليبى، بمشكلاته وتعقيداته. ولكن أيضًا لأن تعيينه تزامن مع بدء إجراءات تأديب «قطر» أو العائلة الضالة التى تحكمها بالوكالة. ولعلك لن تختلف معى لو قلت إن أى كلام سيظل فارغًا، وأى مجهودات ستكون بلا جدوى، ما لم يتم وضع آليات وفرض عقوبات على الدول التى ترعى الإرهاب، والتى صار دورها مكشوفًا بل إنها لم تعد تلعب إلا على المكشوف.
«سلامة» هو سادس مبعوث توفده الأمم المتحدة. ولسنا فى حاجة إلى لفت نظرك إلى أن الخمسة السابقين فشلوا فى إنهاء الأزمة أو حتى فى الوصول إلى بداية طريق حلها، وقد تنتهى فترة السادس دون أن يتحقق غير مزيد من الفشل. غير أن الواجب يقتضى تحميل مسئولية هذا الفشل، كلها أو جزء كبير منها، إلى المجتمع الدولى والأمم المتحدة، وإلى تعنت «مجلس الأمن» وحظره تسليح الجيش الليبى منذ ٢٠١١، بما يصب فى صالح الجماعات والتنظيمات الإرهابية، ويجعل الأوضاع المشتعلة تزداد اشتعالًا.
وعليه يكون السؤال الذى ننتظر إجابته، هو: كيف ننتظر حلًا سياسيًا أو حلًا فى المطلق، مع وجود تنظيمات إرهابية مسلحة؟! يليه بالضرورة والتبعية هذا السؤال البديهى: كيف يتمكن الجيش الوطنى الليبى من مواصلة حربه على الإرهاب فى ظل قرار حظر تسليحه؟!