رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هل يتم اختطاف هشام عشماوى؟


بحسب رواية العميد أحمد المسمارى؛ المتحدث الرسمى للجيش الليبى، فإن واقعة القبض على هشام عشماوى قد تمت فى الرابعة من صباح الإثنين، ليحتل الخبر مكتملًا بالصور كل وسائل الإعلام العربية والعالمية، فضلًا عن وسائل التواصل الاجتماعى، قبل أن ينتصف نهار نفس اليوم. وهنا أجدنى أمام أول مساحات القلق والتحفظ. فشخصية إرهابية بهذا القدر من الأهمية، توقعت أن تكون هناك مساحة زمنية كافية من التكتم الصارم على الخبر، من قبل السلطات الليبية بداية. ولديها كل الحق فى اختيار التوقيت الذى تطلع فيه آخرين على الخبر، والتى أظن أن السلطات المصرية ستكون الأولى إن لم تكن الوحيدة التى تصلها المعلومة، لطبيعة الشخص ذى الجنسية المصرية ووزنه فى العمل الإرهابى، وقبل ذلك استنادًا لمساحات التعاون العميق بين أجهزة كلتا الدولتين.
الأجهزة الليبية تشاركنا العلم الكامل، بدرجة ما يحوزه هشام عشماوى من روابط متشعبة مع كل التنظيمات العاملة فى ليبيا، وفى مصر، وفى سائر منطقة الشمال الإفريقى. لذلك عملية إخفاء صارم لمعلومة القبض عليه، كانت ستضمن حرمان هذه الروابط من اتخاذ احتياطها. وأظن الجانب المصرى كان سيكون حريصًا عليها، وسينفذها بالتمام لصالحه ولصالح ليبيا. وفى حال الحديث عن «كنز» معلوماتى بالنجاح الليبى فى إلقاء القبض عليه حيا، هذا كان يستلزم تثمينًا حريصًا للمعلومات، يحققه الكتمان وربما يساعد أيضًا فى تنفيذ ضربات مكملة سريعة خاطفة، ترفع من حصاد الضربة الأمنية.
هشام عشماوى، ارتكب فى ليبيا عمليات إرهابية ومارس نشاطًا معقدًا، يحق للسلطات الليبية أن تستخلصه بالكامل عبر جهات تحقيقها. وإجراء ذلك وإتمامه أظنه كان سيكون مثاليًا، لو أنه جرى فى مساحة الكتمان المشار إليه. وتكوين تصور للقيادة العامة للجيش الليبى، لقرار توقيت وكيفية تسليمه للجانب المصرى أظنه كان يحتاج الوقوف عليه، فى ذات الفترة من دون أى ضغوط لـ«رأى عام» على الأقل. لكن.. ما جرى، دفع بتساؤل تسليم عشماوى لمصر، مساء يوم القبض، ليس بطرحه على العميد المسمارى وحده، بل تسلل إلى العديد من المنصات ليصنع طرفين للأمر، فى وقت مبكر جدًا وقبل صباح اليوم التالى، ما سبب ضيقًا متوقعًا ومفهومًا للجانب الليبى، فى الوقت الذى خلق فيه حالة ترقب للجانب المصرى، بدأت فيه العقارب تحصى ما يمر من دقائق!.
عندما خرج الأمر للعلن بهذه الصورة، وصار قيد المتابعة اليومية الدولية أيضًا، أول من أطل برأسه، كان منطقيًا أن يكون الجانب الأمريكى، فلديه على الأقل ثأر مع التنظيم، الذى شغل فيه عشماوى منصبًا قياديًا فى جناحه العسكرى «أنصار الشريعة». حيث ثبت أن هذا التنظيم هو المتورط الرئيسى فى الهجوم على القنصلية الأمريكية فى بنغازى ٢٠١٢، ما دفع الولايات المتحدة إلى تنفيذ عمليتين على الأراضى الليبية للقبض على كل من: «مصطفى الإمام» فى منطقة نائية جنوب غرب مصراتة ٢٠١٧، و«أحمد أبوختالة» الذى التقطته قوة من المارينز الأمريكى والـ(FBI) من وسط مدينة بنغازى ٢٠١٤، قبل أن تنقله إلى سفينة تابعة للبحرية الأمريكية توجهت به إلى الولايات المتحدة. كلاهما ليبى الجنسية، والإمام من أصول فلسطينية، وعملية القنصلية تسببت فى جدل صاخب بالولايات المتحدة، ففيها وقع أربعة قتلى أمريكيون، منهم السفير الأمريكى «كريستوفر ستيفنز» ومسئول الاستخبارات بالقنصلية.
فهل تنفذ الولايات المتحدة عملية مشابهة، من أجل الحصول على هشام عشماوى فى قبضتها؟، فهو إن لم يكن شارك مباشرة فى عملية الهجوم، فلديها عشرات الذرائع الأخرى منها أنه تعاون بشكل وثيق داخل ليبيا مع الإمام وأبوختالة، وهذا ثابت فعليًا بحقه، فجميعهم رجال القاعدة فى ليبيا. الأقرب والأخطر من ذلك، هو «مرعى زغيبة» الليبى الجنسية الذى ألقى القبض عليه صحبة عشماوى، فهو من قيادات «الجماعة الليبية المقاتلة» قبل أن يصير بعد ٢٠١٤ الرجل الثانى لتنظيم القاعدة فى ليبيا بأكملها، واتخذ «درنة» معقلًا له، وفيها ساعد عشماوى فى تأسيس تنظيمه القاعدى الأحدث «المرابطون». «زغيبة» أدرج اسمه على قائمة الجزاءات الموحدة لمجلس الأمن فى ٢ أغسطس ٢٠٠٦، لارتباطه بتنظيم القاعدة، بسبب مشاركته فى تمويل الأعمال والأنشطة والتخطيط لها، أو تسهيل القيام بها والإعداد لها، أو ارتكابها باقتران مع أعمال، لـ«جماعة أنصار الإسلام» و«الجماعة الليبية المقاتلة» وتنظيم «القاعدة»، باسمهم أو بالنيابة عنهم، ودعمًا لهم والتجنيد لفائدة هذه الجماعات.
لو هذه الوقائع غير كافية لقيام الولايات المتحدة بتنفيذ عملية، رغم أن لديها قوتين جاهزتين بالقرب من مسرح العمليات، يمكنها تكليف أى منهما. الأولى قوات «أفريكوم» وأخرى فى قواعد عسكرية جنوب تونس، وكلتاهما نفذت عمليات داخل ليبيا ضد تنظيم «داعش» وقت سيطرته على «سرت» وبعد خروجه منها إلى الوسط والجنوب الليبى. فى حال عدم حدوث ذلك، هل لن تمارس الولايات المتحدة ضغوطًا على القيادة العامة للجيش الليبى، من أجل الحصول على هذا الصيد الثمين؟، والضغوط فى هذه الحالة قد تأخذ شكل مساومات على ملفات قد تحتاجها وتهم القيادة الليبية بشكل كبير. وهنا ينقلب التساؤل إلى الجانب الليبى مرة أخرى، بالحديث عن قدرته على التصدى لتلك الضغوط أو درجة أهمية ما قد يحتاجه من الولايات المتحدة.
هل تبقى أمريكا وحدها المعنية بالاهتمام والجاهزة على هذا الخط، الحقيقة أن المهتمين كثر بصورة تدعو للمزيد من القلق. فهناك تركيا وقطر، اللتان تناصبان المشير خليفة حفتر والجيش الليبى العداء، بقدر ما يكنانه لمصر وأكثر، ورغبتهما فى تسديد ضربة مزدوجة لأعدائهما، تدفعهما منطقيًا من اللحظات الأولى لإذاعة خبر إلقاء القبض على عشماوى ومرعى زغيبة، إلى التفكير فى كيفية إجهاض هذا الانتصار، وقطع الطريق على نهايته السعيدة. مصدر القوة التى تحوزها كل من قطر وتركيا على الأراضى الليبية، هو جيش عملائهما الذين تعج بهم المنطقة الغربية، ويمتد الأمر لامتلاكهما مفاتيح فى مناطق أخرى. فالسؤال هنا؛ هل يمكنهما تحرير الصيد الثمين من قبضة الجيش الليبى إن طالت فترة بقائه فى حوزتهم أم يعجزون عن ذلك ويكتفون بالبحث عن عملاء يحققون اختراقًا ما، إما لاغتيال عشماوى أو مساعدته على الانتحار. وهذه احتمالات لا توجد صعوبة بالغة فى تنفيذها.
كثيرون داخل ليبيا وهذا مكمن كبير للخطر، يمكنهم دفع ملايين الدولارات، من أجل ألا يحوز المشير خليفة حفتر انتصارًا أمنيًا ومعنويًا بقدر مشهد اليوم. وهى ليست المرة الأولى التى سينفقون فيها، لكنها قد تمثل الأغلى هذه المرة. لذلك يبقى عامل الوقت فى صالح هذا الجانب، ويدفع إلى ما توقعه الجميع أن يجرى سريعًا بتسليم هشام عشماوى إلى السلطات المصرية، كى يخضع لمحاكمات جراء اتهامه فى العديد من الهجمات الإرهابية، خاصة وهى تحظى بقدر عالٍ من الأدلة الثبوتية التى ستقدم للقضاء المصرى. وهذا يضمن الاستفادة الأمنية والمعنوية القصوى لكل من مصر وليبيا من واقعة إلقاء القبض عليه حيًا، وهو مما يستوجب شكر القيادة العسكرية الليبية وقواتها عليه، بما يليق بنجاحها. لكنه يحصنها أيضًا من أى أشكال للعبث المستقبلى الذى يراهن، على ثقب صغير يمكن النفاذ منه إلى قلب المشهد بكل مكوناته الحاضرة اليوم. فهدف إسكات هشام عشماوى للأبد هو مهمة عاجلة، تحرك فعليًا لتنفيذها كثير من الأطراف، ربما لم يصلوا إلى الهدف بعد، لكن البحث عن ثقب الجدار يجرى من اللحظات الأولى بدأب.