رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

اغتيال الريحاني.. المشاهد الجنسية المحذوفة من مذكرات "الضاحك الباكي"


أظن، وليس كل الظن إثمًا، أن الأستاذ والناقد الكبير شعبان يوسف لم يقرأ مذكرات نجيب الريحانى الصادرة عن دار الهلال بتقديم بديع خيرى، فلو قرأها لأدرك أن التزييف كل التزييف فى هذه الأوراق التى تصورها مذكرات حقيقية وأقدم على نشرها بحماس شاب متسرع وثقة رجل امتلك اليقين وصدرت عن دار بتانة بعنوان مثير «نجيب الريحانى- المذكرات المجهولة».
فى مقدمته الحماسية للمذكرات أو للاكتشاف العظيم الذى حصل عليه، يقول الناقد الكبير شعبان يوسف إن دار الهلال ارتكبت جريمة فى حق نجيب الريحانى عندما أصدرت مذكراته فى عام (١٩٥٩) حيث راجعها وتفحصها وقارن بين أسلوبها وطريقة نجيب الريحانى فى كتابة المقالات، فاكتشف أنها مزورة وملفقة وتم إلصاقها بالريحانى عن قصد لإهانته وتحقيره وإظهاره «فلاتى» و«بتاع نسوان»، ويأسف شعبان يوسف لأن هذه النسخة «المزورة» ظلت هى المرجع لكل الباحثين والدارسين، ويؤكد أنه بفضل الله حصل على النسخة الأصلية والصحيحة والسليمة وهى التى صدرت بعد وفاة الريحانى مباشرة عام ١٩٤٩ ولم تحظ بفرص الانتشار والذيوع لأنها صادرة عن دار نشر غير معروفة لم يكن لها بريق دار الهلال التى روجت لنسختها المزورة.
إذن.. النسخة التى عثر عليها شعبان يوسف والتى يعتمدها بديلًا للمزورة، حسب تعبيره، هى «مذكرات نجيب الريحانى زعيم المسرح الفكاهى» التى كتبها فوزى العنتبلى بمراجعة بديع خيرى وإبراهيم العشماوى وأنور عبدالله، والتى صدرت عن دار الجيب فى أغسطس ١٩٤٩، ويقدم الأستاذ شعبان عددا من الاكتشافات المذهلة التى توصل إليها بعد مقارنته بين النسختين، فيجد أن الملك فاروق أشاد بالريحانى، وأن المذكرات المزورة تجاهلت هذا الأمر العظيم، ويسرد لقاءً جمع الريحانى بعاهل الأردن، خلال عرض إحدى مسرحياته فى عمان، وتجاهلته مذكرات الهلال أيضا، كما تجاهلت مواقفه مع الرقابة. واكتشف شعبان يوسف أن محرر المذكرات كان يحاول افتعال مشكلات مع مَجمع اللغة العربية!، ويؤكد أن كل ذلك كان مقصودا لعدم إظهار الريحانى بطلًا يقاوم الاحتلال وحتى يظل مجرد كوميديان هزلى غير أخلاقى لا يطاول يوسف وهبى ولا غيره من أصحاب النفوذ، وحتى يقع فى العراقيل والمشاكل مع مجمع اللغة العربية!.
عظيم جدًا وكيف توصلت يا أستاذى العزيز إلى كل ذلك؟.. لنقرأ سويًا.


شعبان يوسف اخترع «نسخة لا تُخالف شرع الله» من مذكرات نجيب

يقول شعبان إن الشك راوده ذات ليلة، فقد كان معجبًا بمذكرات دار الهلال وكتب يشيد بها فى مجلة المسرح، لكنه- فجأة- لعب الفأر فى عبه، وانتبه إلى أن دار الهلال لم تنشر صورة ضوئية من المذكرات رغم زعمها أن الريحانى سلمها نسخة بخط اليد!، وهنا بدأ الأستاذ شعبان رحلة البحث طيلة أربعة أشهر حتى عثر على نسخة من مذكرات دار الجيب فقال: هذه الأصل وما دونها هراء!.
ثم بحث أكثر فعثر على حلقات من المذكرات نشرتها مجلة الكواكب عام ١٩٥٢ ويقول إن محرر هذه الحلقات كان يكتب على لسان الريحانى- الذى كان قد مات منذ ثلاث سنوات- ردود فعل القراء بعد نشر كل حلقة، ويربط شعبان يوسف بين هذه الحلقات ومذكرات دار الهلال على اعتبار أن «الكواكب» أحد إصدارات دارالهلال!.
كل ذلك «كوم» واكتشاف الجنس فى المذكرات المزورة «كوم» آخر، إذ يفترض الأستاذ شعبان أن دار الهلال جاءت بمحرر ليكتب مذكرات الريحانى ويضيف إليها مشاهد ساخنة وخيالات قليلة الأدب ومنحطة عن علاقات جنسية وغير أخلاقية لإظهار الريحانى خائنًا للأصدقاء وغير أمين على زوجاتهم، مثل تلك الحكايات التى يسردها المحرر عن غراميات نجيب الريحانى فى شركة السكر بنجع حمادى. وقد قرأت المقدمة عشرات المرات حتى فهمت كل ذلك، وصدقت الأستاذ شعبان فى كل ما يقول، وبدأت فى قراءة المذكرات السليمة والأصلية التى بذل كل هذا الجهد من أجلها، فلم أجد سوى «فالصو» خالص!، فالصو فى رداءة الأسلوب وبتر القصص واجتزاء الحكايات والنقلات غير الموضوعية والمنزوعة السياق، كل ذلك بعد قراءة مذكرات دار الهلال بتقديم بديع خيرى سطرا سطرا وكلمة كلمة، وانتهيت فى تلك الليلة الغبراء إلى استحقاق شعبان يوسف لقب «شيخ المثقفين فى العصر الحديث» فالرجل الذى عهدناه تنويريا أطلق لحيته وأشهر زبيبته ولم يقبل للريحانى أن يتحدث عن مغامراته الجنسية، خاصة فى نجع حمادى!، وقرر أن يحذف كل هذه الحكايات الغرامية ويحذف معها كل ما تصوره يسىء إلى الريحانى ويقدمه للجمهور كرجل «فلاتى» (!!) وليتنى كنت سافلًا وقليل الأدب كى أستطيع التعبير عن حالتى الآن وأنا أرى بعينى ناقدا تنويريا كبيرا يقول هذا الكلام ويبنى عليه تصوراته لمذكرات فنان كبير صدرت منذ ستين عاما، وجاء هو اليوم ليقول بأنها مزورة لما تحمله من جنس وغرام! ويتبنى مذكرات أخرى أكثر نظافة وخالية من قصص نجع حمادى التى سأعرضها لكم بعد قليل!.

الناقد حذف أجزاء من اعترافات «الساخر الأعظم» وشوَّه كلماته

ساعات طويلة قضيتها وأنا أقرأ مذكرات الأستاذ شعبان وأقارنها بمذكرات دار الهلال، وفى كل فقرة أشد فى شعرى وأضرب جبهتى غير متصور أن يكون شعبان يوسف الذى عرفته شاعرا كبيرا منذ التسعينيات والذى قدم عشرات التجارب النقدية والكتابات المهمة يصل إلى هذه الحال ويفقد القدرة على التمييز بين الركاكة المتوافرة فى مذكراته التى جاء بها من دار الجيب، وبين الخفة والإبداع وجمال العبارة، بين السرد الكامل للحدث وما تبعه من مواقف فارقة فى حياة الريحانى وبين الاجتزاء والبتر والقطع والحكى البارد. صحيح أن مضمون المذكرات الجديدة لا يختلف كثيرا عن القديمة إلا أنك تجد نفسك فى أرض جرداء إن قرأت الحدث هنا، وتجد نفسك محاطًا بالموسيقى الراقصة إن قرأتها فى نسخة دار الهلال، حتى خفة الظل فى التعامل مع اللغة العربية اعتبرها شعبان يوسف دسيسة مقصودة للوقيعة بين الريحانى ومجمع اللغة.. هل يعقل هذا الكلام يا ناس؟ بالنسبة لشعبان يُعقل فقد كان الريحانى يسخر من كلمة «قمطر» فى قصة كان يحكيها عن أيام الفلوس التى كانت تجرى بين يديه وتحت المخدة فى ظل علاقته مع لوسى فيكتب: «.. وﻳﺤﻠﻮ لى اﻵن فى ﻫﺬا اﻟﺼﺪد أن أﻗﻮل، ﺑﺄن وﻓﺮة المال ﺑين ﻳﺪى ﻛﺎﻧﺖ تنسينى فى ﻛﺜير ﻣﻦ اﻷﺣﻮال المواﺿﻊ التى ﻛﻨﺖ أﺣﻔﻆ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻨﻘﻮد، ﻣﻦ ذﻟﻚ أننى وﺿﻌﺖ ﻳﻮﻣﺎ فى (اﻟﻘﻤﻄﺮ)، وأرﺟﻮ أن ﻳﺴﺎمحنى اﻟﻘﺮاء فى اﺳﺘﻌﻤﺎل ﻫﺬا اﻟﻠﻔﻆ، ﻷﻧنى ﻟﻢ أﺳﻤﻊ ﺑﻪ إﻻ ﻣﻦ ﺻﺪﻳﻖ لى ﻗﺎل إن المجمع اﻟﻠﻐﻮى وﺿﻌﻪ ﺑﺪل ﻛﻠﻤﺔ (اﻟﺪوﻻب)، ﻓﺄردت أن أﻧﺘﻬﺰ اﻟﻔﺮﺻﺔ وأﺗﻔﻠﺴﻒ على ﻗﺮائى المحبوبين، أﻣﺎل يعنى ﺣﺎﺗﻔﻠﺴﻒ على ﻣين ﻏيرﻫﻢ؟.. ﻧﻬﺎﻳﺘﻪ. وﺿﻌﺖ ﻳﻮﻣﺎ فى (ﻗﻤﻄر اﻟﺘﻮاﻟﻴﺖ) ﻟﻢ يخبرنى صديقى على اﻻﺳﻢ اﻟﺬى اﻧﺘﺨﺒﻪ المجمع ﺑﺪل ﻛﻠﻤﺔ اﻟﺘﻮاﻟﻴﺖ الذى وﺿﻌﺖ ﻓﻴﻪ ﻣﺒﻠﻎ ﺛﻠﺜﻤﺎﺋﺔ ﺟﻨﻴﻪ مصرى، ﺛﻢ ﻧﺴﻴﺖ ﻫﺬا المبلغ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ، وﻟﻢ أﻋﺮه أﻫﻤﻴﺔ، ﻷن اﻟﺨير ﻛﺜير، وستر المولى ﻛﺎن ﻣﺘﻮاﻓﺮا ﻟﻠﻐﺎﻳﺔ. وﺑﻌﺪ عشرين ﻳﻮﻣﺎ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﺤﺎدث ﺗﺼﺎدف أن ﻛﺎﻧﺖ (لوسى) ﺗﻨﻈﻒ أدراج اﻟﻘﻤﻄﺮ- ﻳﺎ ﺳﻼم أﻧﺎ داﺧﻠﻪ فى ﻣﺰاجى ﻛﻠﻤﺔ اﻟﻘﻤﻄﺮ دى ﺑﺸﻜﻞ؟! ﻓﻌﺜﺮت على ٣٠٠ ﺳﻠﻤﺘﻬﺎ لى ﺑﻌﺪ أن ﻓﺮﻛﺖ أذنى ﺑﺄﺻﺎﺑﻌﻬﺎ اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ وهى ﺗﻘﻮل: «خلى ﺑﺎﻟﻚ ﻣﻦ ﻓﻠﻮﺳﻚ ﻳﺎ ﻧﺠﻴﺐ أﺣﺴﻦ ييجى يوم تحتاج لها، كانت ﻧﺼﻴﺤﺔ ﺛﻤﻴﻨﺔ ولكننى ﻟﻢ أﻋﻤﻞ ﺑﻬﺎ وﻛﻢ أﺗﻤﻨﻰ ﻣﻦ ﺻﻤﻴﻢ اﻟﻔﺆاد أن ﺗﻌﻮد ﺗﻠﻚ اﻷﻳﺎم بأﻣﻮاﻟﻬﺎ المغدقة أو المغرقة.. كى أﻋﻤﻞ ﺑﻨﺼﻴﺤﺔ لوسى- واﷲ اﻟﻌﻈﻴﻢ- وﻻ أﻓﺮﻃﺶ فى القرش اﻷﺑﻴﺾ ﻋﻠﺸﺎن ﻳﻨﻔﻊ فى اﻟﻴﻮم اﻷﺳﻮد!!». ورأى الأستاذ شعبان أن ذلك غير جائز!، وأن وجود هذا الكلام بالمذكرات مجرد استظراف من محررها وتحريض لمجمع اللغة ضد الريحانى!، لكن الأدهى أن الأستاذ شعبان حذف كل ما يتعلق بـ«لوسى» التى لن تجد اسمها فى مذكراته «الأصلية» إلا عارضًا فى حين كانت هى قصة الحب والهيام التى عاشها الريحانى وتعلق بها وكانت جزءًا من حياته وفق شهادات كل معاصريه ووفق مذكراته التى ينكرها عليه ناقدنا الكبير، ويبدو أن العلاقة بينهما لم تلق هوى فى ضمير الأستاذ شعبان الذى حرص على صورة الريحانى نقية بلا نساء ولا علاقات غير مشروعة.
يكتب الريحانى عن لقائه بلوسى: «فى ﻫﺬه اﻷﻳﺎم ﺳﺎﻗﺖ لى اﻷﻗﺪار ﻓﺘﺎة ﻓﺮﻧﺴﻴﺔ لا ﺗﺰال ذﻛﺮاها إلى اﻟﻴﻮم عالقة فى ذهنى ﻻ ﻳﻨﺴﻴنى إﻳﺎﻫﺎ ﻛﺮ اﻟﻐﺪاة وﻣﺮ العشى. ﻫﺬه اﻟﺬﻛﺮى اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ، أﺳﺘﻤﻴﺢ اﻟﻘﺮاء فى أن أﻗﻒ وإﻳﺎﻫﻢ إزاءﻫﺎ ﺑﺮﻫﺔ، ﻛﺎﻧﺖ «لوسى دى ﻓﺮﻧﺎى» وﻫﺬا ﻫﻮ اﺳﻤﻬﺎ صديقة لى وﻛﺎﻧﺖ ﻋﻮنا فى اﻟﺸﺪة، وﺳﺎﻋﺪا ﻳﺸﺪ أزرى وﻳﺸﺪد عزمى. ولئن ذكرت فى ﺣﻴﺎتى ﺷﻴﺌﺎ ﻃﻴﺒﺎ، ﻓﺄﻧﺎ أذﻛﺮ أﻳﺎم زﻣﺎﻟﺘﻬﺎ وﻋﻬﺪ ﺻﺪاﻗﺘﻬﺎ»، ثم يروى الريحانى كيف سهر معها تلك الليلة وكان طعامهما الشاى والخبز.

أخفى حكايات «ملك الفكاهة» عن فترة عمله موظفًا فى شركة السكر

عمل نجيب الريحانى فترة طويلة موظفا فى شركة السكر بنجع حمادى، وهى المرحلة التى يقفز عليها شعبان يوسف فى مذكراته الجديدة ويتجاهلها تماما بل يعتبرها وصمة عار يجب حذفها من نسخة دار الهلال، ذلك لأن الريحانى حكى بالتفصيل عما جرى له أيام الوظيفة والتشرد وطيش الشباب، يقول الريحانى:
«..ﻋﺜﺮت على وظيفة فى شركة اﻟﺴﻜﺮ ﺑﻨﺠﻊ ﺣﻤﺎدى ﻓﺴﺎرﻋﺖ إلى ﺗﺴﻠﻢ عملى ﻫﻨﺎك، ﻣﺒﺘﻌﺪا ﻋﻦ اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ وﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺷﻘﺎء، ﺗﺎرﻛﺎ خلفى ذﻟﻚ اﻟﻮﺳﻂ اﻟﺨﺒﻴﺚ، وﺳﻂ اﻟﺘﻤﺜﻴﻞ اﻟﺬى أﻋﺸﻘﻪ وأﺗﻤﻨﺎه!! وأﻇﻬﺮت ﻧﺸﺎﻃﺎ فى العمل بشركة اﻟﺴﻜﺮ ﻛﺎن ﻣﻮﺿﻊ ﺛﻨﺎء رؤﺳﺎئى وإﻋﺠﺎﺑﻬﻢ وتبسم لى الدهر ﺑﻌﺪ ﻋﺒﻮس وﺣﺎﻟﻔنى ﺑﻌﺪ ﺧﺼﺎم، وﻇﻠﻠﺖ أﺷﻖ ﻃﺮﻳﻖ المستقبل راﺿﻴﺎ ﻣﻄﻤﺌﻨﺎ، ودام اﻟﺤﺎل على ذلك ﺳﺒﻌﺔ أﺷﻬﺮ، ﻓﺈذا المثل اﻟﺨﺎﻟﺪ «ﻋﻨﺪ ﺻﻔﻮ الليالى ﻳﺤﺪث اﻟﻜﺪر». أﻗﻮل إن ﻫﺬا المثل ﺗﺮاءى لى ﺷﺒﺤﻪ ﺑﻌﺪ ﻫﺬه اﻷﺷﻬﺮ اﻟﺴﺒﻌﺔ ﻓﻘﻮض ﻣﺎ ﺑﻨﻴﺖ ﻟﻠﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ﻣﻦ ﻗﺼﻮر اﻵﻣﺎل، وحملنى ﺗﻮا ﻣﻦ ﺣﺎل إلى ﺣﺎل. ﻫﺬا «اﻟﻜﺪر» ﺳﺒﺒﺘﻪ واﻗﻌﺔ.. ﻗﺎﺗﻞ اﷲ اﻟﺸﻴﻄﺎن.. واﻗﻌﺔ أذﻛﺮﻫﺎ ﻫﻨﺎ ﻣﻦ ﺑﺎب اﻟﺘﺴﺠﻴﻞ ﻓﻘﻂ، وإن ﻛﺎن اﻟﺨﺠﻞ ﻳﻜﺴﻮنى ﻛﻠﻤﺎ ﻃﻮح بى اﻟﻔﻜﺮ إلى تلك اﻟﺬﻛﺮى اﻟﺒﻌﻴﺪة، وﻟﻜﻦ ﻣﺎ ﺑﺎﻟﻴﺪ ﺣﻴﻠﺔ!! ﻛﺎن باشكاتب الشركة رﺟﻼ ﻣﺴﻨﺎ اﺳﻤﻪ «ﻋﻢ ت» وﻛﺎن رﺣﻤﻪ اﷲ على ﻧﻴﺎﺗﻪ وﻛﺎن مسكنى ﻣﻮاﺟﻬًﺎ لمسكنه، وﻗﺪ وﻟﺪت ﻫﺬه اﻟﺠيرة ﺑﻴﻨﻨﺎ اﺗﺼﺎﻻ وﺛﻴﻘﺎ. ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺴﻴﺪة ﺣﺮم «اﻟﻌﻢ ت» على ﺟﺎﻧﺐ ﻛﺒير ﻣﻦ اﻟﺠﻤﺎل. وﻛﺎنت فى سن ﺗﺴﻤﺢ ﻟﻬﺎ ﺑﺄن ﺗﻜﻮن اﺑﻨﺔ «ﻟﻠﻌﻢ ت» ﻻ زوﺟﺔ ﻟﻪ، ﻛﺬﻟﻚ ﻛﺎن اﻟﺤﺎل معى، وإلى ﻫﻨﺎ ﺗﺴير المسألة فى ﻣﺠﺮاﻫﺎ اﻟﺬى ﺗﺮﺳﻤﻪ ﻃﺒﻴﻌﺔ كل شىء. وفى أﺣﺪ أﻳﺎم اﻟﺸﻬﺮ اﻟﺴﺎﺑﻊ، اﺿﻄﺮ حضرة الباشكاتب إلى السفر لمصر فى مهمة، وإذ ذاك ﺧﻼ اﻟﺠﻮ ﻟﻠﺸﺒﺎب وﺣﻼﻟﻪ أن ﻳﻤﺮح، ﻓﺤﺪث أن اﺗﻔﻘﻨﺎ على أﻻ ﺗﻐﻠﻖ اﻟﺴﻴﺪة ﺑﺎﺑﻬﺎ اﻟﺨﺎرجى، ﺣﺘﻰ أﺳﺘﻄﻴﻊ المرور فى منتصف اﻟﻠﻴﻞ! وﺗﻢ الترتيب كما اﺗﻔﻘﻨﺎ، وذﻫﺒﺖ اﻟﺴﻴﺪة إلى ﻣﺨﺪﻋﻬﺎ ﺑﻌﺪ أن ﺗﻈﺎﻫﺮت أﻣﺎم ﺧﺎدﻣﺘﻬﺎ أﻧﻬﺎ أﻗﻔﻠﺖ اﻷﺑﻮاب. ولكننى ﻻ أدرى أى ﺷﻴﻄﺎن دﻓﻊ ﺑﻬﺬه اﻟﺨﺎدﻣﺔ اﻟﻠﻌﻴﻨﺔ إلى اﻟﻘﻴﺎم ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ وإﺣﻜﺎم اﻟﻘﻔﻞ ﻣﻦ اﻟﺪاﺧﻞ، وﺣﺎن ﻣﻮﻋﺪ اﻟﻠﻘﻴﺎ ﻓﺘﺴﻠﻠﺖ، وﻣﺎ أﺷﺪ دهشتى ﺣين وﺟﺪت اﻟﺒﺎب ﻣﻮﺻﺪا دون غرامى وأحلامى واستشرت اﻟﺸﻴﻄﺎن ﻓﻴﻤﺎ أﻓﻌﻞ فدلنى- ﻗﺎﺗﻠﻪ اﷲ- على منفذ فى اﻟﺴﻘﻒ «ﻣﻨﻮر» ﺗﺪﻟﻴﺖ ﻣﻨﻪ وﻟﻜﻦ اﻟﺨﺎدﻣﺔ استيقظت فى ﻧﻔﺲ اﻟﻠﺤﻈﺔ، وظنتنى ﻟﺼًﺎ ﻳﺴﻄﻮ على المتاع فصرخت بصوتها المنكر، وﺻﺤﺎ اﻟﺠيران، ووﻓﺪ اﻟﺨﻔﺮاء وألقى اﻟﻘﺒﺾ على وﻛﺎﻧﺖ ﻓﻀﻴﺤﺔ اﻛﺘﻔﻮا ﻋﻘﺒﻬﺎ بفصلى ﻣﻦ ﻋملى ﻓﻌﺪت إلى محلى المختار فى ﻗﻬﻮة اﻟﻔﻦ ﺑﺸﺎرع ﻋﺒﺪاﻟﻌﺰﻳﺰ..».
يرى الأستاذ شعبان يوسف أن هذا الجزء- الظريف اللطيف المحكى بطريقة جميلة- مدسوس على الريحانى وأن التزييف والتزوير يظهر جليا فى تلك الواقعة التى يعتبرها طعنا فى شرف الريحانى وإيحاء مقصودا لإظهاره خائنا للمعارف والأصدقاء!، ومن هنا كانت المذكرات المشفية الطاهرة التى عثر عليها هى الأصل، والباقى فالصو!
ولو قرأ الأستاذ شعبان مذكرات دار الهلال بشكل جيد لأدرك أن هذه القصة ليست محشورة وليست دليلا على دناءة أخلاق الريحانى، فسوف يعود الريحانى مرة إلى الشركة فى واقعة غريبة ويستقر به المقام ويحصد أموالا طائلة سيعود لينفقها على الممثلين العاطلين على المقاهى، يقول الريحانى فى موضع آخر من مذكراته التى يعتبرها شعبان «مضروبة»:
«اﻟﺴﺒﺐ فى اﺳﺘﺪﻋﺎء الشرﻛﺔ لى ﻫﻮ تطهيق اﻟﻌﻢ «ت» ﻟﻴﺄﺧﺬﻫﺎ ﻣﻦ «ﻗﺼيرﻫﺎ» وﻳﻮلى اﻷدﺑﺎر!! وبذﻟﻚ رأى اﻟﺮؤﺳﺎء ﻣﻦ ﺑﺎب اﻟﻨﻜﺎﻳﺔ ﻓﻴﻪ، أن ﻳﺠﻌﻠﻮه ﺗﺤﺖ رﻳﺎﺳتى، وأن ﻳﻜﻮن ﻣﻦ اﺧﺘصاصى! وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻟﻢ ﻳﻴﺄس اﻟﻌﻢ «ت»، وﻟﻢ ﻳﺘبرم ﺑﻬﺬه اﻟتصرفات، ﺑﻞ ﻟﻢ ﻳﺤﺮك ﺳﺎﻛﻨﺎ.. وأﺧﻮك ﺗﻘﻴﻞ! وﻗﺪ رأﻳﺖ أن «أﺗﻠﻢ» ﺷﻮﻳﺔ وأﻻﻳﻤﻬﺎ، ﻓﻌﺎﻣﻠﺘﻪ أﺣﺴﻦ ﻣﻌﺎﻣﻠﺔ، وصرنا ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﺤين أﺻﺪﻗﺎء أﻋﺰاء. واﺗﺠﻬﺖ ﺑﻜﻠﻴتى إلى إﺗﻘﺎن عملى وﻣﺮاﻋﺎة اﻟﻮاﺟﺐ ﻓﺎرﺗﻔﻌﺖ ﺑﺄﺧﻼقى إلى ﻣﺴﺘﻮى ﻻ ﺑﺄس ﺑﻪ وﻓﻀﻠﺖ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺨﺘﺺ ﺑﻌﻼﻗﺎتى ﺑﺎﻟﺠﻨﺲ اﻟﻠﻄﻴﻒ أن أﺗﺮك ﻣﺎ ﻟﻘيصر ﻟﻘيصر، وأن أﺧﻠﻴنى ﻟﻄﻴﻒ، وﺑﻼش «المسخرة» ﺑﺘﺎﻋﺔ زﻣﺎن. وﻗﺪ ﻛﺎن! وﻟﻢ ﻳﻤﺾ وﻗﺖ ﻃﻮﻳﻞ ﺣﺘﻰ ﺣﺰت ﺛﻘﺔ ﻣﺪﻳﺮ الشركة وﻏيره ﻣﻦ اﻟﺮؤﺳﺎء، ﻓﺎرﺗﻔﻊ ﺑﺬﻟﻚ ﻣﺮتبى إلى أرﺑﻌﺔ عشر ﺟﻨﻴﻬﺎ فى اﻟﺸﻬﺮ..».
ولا تحتاج القصة البسيطة إلى ثورة الأستاذ شعبان على أعداء الريحانى الذين دسوا هذه الغراميات فى مذكراته لتشويه صورته، فالرجل يحكى مواقف أقل من العادى وليست جرائم أخلاقية، وهو الأمر نفسه فى قصة الريحانى مع صديقه «على يوسف» فقد كانت السيدة «ص» أول قصة حب فى حياة الريحانى وكانت مرتبطة بصديقه هذا الذى كان ينافسه فى حبها، ودارت بينهما الكثير من المقالب الطريفة التى اعتبرها الأستاذ شعبان خيانة صديق لصديقه ولا يجوز نشرها على لسان الريحانى!، والحقيقة أن الفنان الكبير لم يكن يروى قصصا جنسية بل كان يقدم فاصلا كوميديا من الواقع، فالصديق لم يكن متزوجا من تلك «الكتكوتة» ولكن صراعا غراميا نشأ بينهما وانتهى بعد ذلك، ولو قرأ الأستاذ شعبان المذكرات بالعناية الكافية لاكتشف أن الصديق «على يوسف» ظل على علاقته مع الريحانى، حيث عمل متعهد حفلات وهو الذى دلّ الريحانى على طريق منيرة المهدية لتقديمها ممثلة.
أظن- وبعض الظن إثم بالطبع- أن الصديق والكاتب الكبير شعبان يوسف قد شُغف حبا بالريحانى وأن هذا الحب أفقده السيطرة على أدواته النقدية والحرفية، فبذل جهدا خرافيا فى البحث والتدقيق من دون أن ينتبه إلى خطورة ما يفعل، فكيف لناقد وباحث كبير أن يطالب بإعدام مذكرات لأسباب واهية كتلك التى ذكرناها؟ كيف يستهين بوجود اسم بديع خيرى على مقدمة المذكرات؟! وقد كان بديع والريحانى روحًا واحدة فى جسدين، ولو قرأ مقدمة بديع للمذكرات، ولو قرأ ما جاء بالمذكرات على لسان الريحانى عن البديع خيرى لوفر على نفسه جهدا ذهب سدى وحافظ لى على سلامة عقلى ونظرى، فكيف يمكن أن يصمت بديع على وجود مذكرات مزورة وهو متورط فى كتابة مقدمتها؟!، لقد عاش بديع حتى عام ١٩٦٦ أى حتى بعد صدور المذكرات بسبع سنوات، وكان من الممكن أن يصادف نسخة فيطالب بإعدامها حرصًا على سمعة رفيق العمر.
عمومًا، لم تأت مذكرات شعبان الجديدة بأى جديد فلا مذكرات مجهولة، ولا إضافات غير مسبوقة، ولا اكتشافات مهمة، ولا حكايات كانت مطموسة، ولا قصص حب أو زواج، ولا معلومات عن العائلة ولا أى شىء سوى «هزل» كنت غبيًا وحمارًا حين صدقته وأسرعت لاقتنائه، فقد كنت شغوفا ملهوفا لقراءة تلك المذكرات التى سوّق لها صحفيون ومثقفون موثوق فى ذائقتهم الأدبية والفنية، وعندما أنهيتها بمقدماتها وتبريراتها وحججها الواهية تيقنت من امتلاك كثير من أصدقائى موهبة «الغش التجارى».