رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

انسف اتحادك القديم.. كيف يخطط أشرف صبحى لتطهير «الجبلاية»؟

جريدة الدستور

«أكيد مش هنسيب الموضوع يعدى ببساطة».. بهذه الكلمات قطع الدكتور أشرف صبحى، وزير الشباب والرياضة، عهدًا على نفسه أمام الجميع فى ٢٦ يونيو الماضى، بمحاسبة مجلس إدارة اتحاد الكرة على «فضيحة المونديال».
وبعد أكثر من ثلاثة أشهر، أعلنت اللجنة التى شكلها الوزير عن رصد ١٦ مخالفة تُثبت تورط أعضاء بمجلس «الجبلاية» فى إهدار المال العام، وتمهد لمساءلتهم قانونيًا، ما يفتح أبوابًا عدة للكثير من التساؤلات، على رأسها: هل بدأ «صبحى» حقًا ثورة التصحيح؟ وهل تستمر خطواته؟ أم يتوقف عند مجرد «التهويش»؟ وماذا ينتظر مجلس أبوريدة فى هذا المأزق الجديد؟.. هذه وغيرها من التساؤلات تحاول «الدستور» الإجابة عنها هنا.

صاحب فضيحة الملابس يهدد رفاقه.. و«مهلة الشهر» تمهد لإحالة المخالفات إلى النيابة
طوال الشهور الماضية، تعرض الوزير أشرف صبحى لحملات تشكيك لم تتوقف، وطالته ألسنة وأقلام كثيرة، شككت فى عمل اللجان المشكلة من الوزارة للتحقيق فيما يدور بـ«الجبلاية» أو النادى الأهلى.
البعض كتب عنه: «وزير لجان بجد!»، وآخرون رفعوا شعار: «الورق ورقنا.. والدفاتر دفاترنا، ولن يحدث شىء»، حتى تفاجأنا جميعًا بتقارير الوزارة الصادرة، والتى حملت شفافية غير مسبوقة، وكشفت عن عمل كبير قام به المكلفون بالمهمة، بمنأى عن الحسابات والمصالح التى اعتدناها فى عصور سابقة.
ورغم ذلك لم تنته حملات التشكيك، وخلال ثلاثة أشهر أقسموا خلالها بأن شيئًا لن يخرج للنور، وأن تلك اللجان ليست إلا أمورًا شكلية للاستهلاك العام بعيدًا عن أى خطى جادة لتصحيح المسار، ارتفع شعار آخر وسادت نغمة جديدة: «مش هيعمل حاجة فى النهاية.. مجرد كلام على ورق والموضوع هينتهى بردود الجبلاية وتستيف الأوراق!».
ما لا يعرفه أولئك أن مجلس إدارة اتحاد الكرة يمر الآن بمرحلة «غليان»، ويعانى رجاله حالة قلق لم يعرفوها من قبل، بعدما تيقنوا بأن الأمر مغاير هذه المرة، وأن الوزير جاد فى تحركاته ولا يعنيه بالأساس سوى التصحيح ومعاقبة المخطئ، وفتح الباب أمام آخرين أكثر قدرة على إدارة الكرة المصرية.
مؤشرات عديدة وثقت ما يحياه رجال «الجبلاية» من موقف حرج الآن، بداية من عدم الخروج بأى رد رسمى على الاتهامات التى طالتهم، مرورًا بتهميش الحديث فى تلك القضية إعلاميًا، ورغم ظهور جميع الأعضاء بجميع القنوات التليفزيونية والمحطات الإذاعية على مدار الأربع والعشرين ساعة، لن تجد حديثًا لأى عضو عما جاء فى تقرير الوزارة حتى هذه اللحظة.
إلى جانب ذلك يعرف مجلس إدارة اتحاد الكرة، أن هناك مخالفات جسيمة لا يمكن نفيها ولا يوجد ما يُثبت عكسها، فعلى سبيل المثال كان الاتحاد ذاته هو مفجر أزمة تورط أحد أعضائه فى قضية حيازة ملابس ليست من حقه.
وبعدما وثقت الوزارة حصول أحد الأعضاء على ١٠ حقائب ملابس خاصة بالمنتخب قبل المونديال دون وجه حق، وباعتراف رئيس المجلس نفسه فى وقت سابق، لم يعد المجلس قادرًا على حماية المتورط الرئيسى فى هذه الأزمة.
يعتقد البعض أن سقوط هذا العضو سيكون أقصى ما يمكن معاقبة الاتحاد به، لكن الواقع داخل المجلس يعكس خلاف ذلك، لأن تهمة إسناد بعض الأعمال الخاصة بالتنقلات وعقود الملابس بالأمر المباشر، ستطول آخرين ذوى ثقل، عوضًا عن أن العضو المتورط فى الحصول على حقائب دون وجه حق، لديه الآن وكما يدور فى الكواليس ما يورط بعض الرفاق، إذا تخلوا عنه وتركوه وحيدًا.
كانت وزارة الرياضة تنوى وضع تلك الاتهامات أمام نيابة الأموال العامة قبل نهاية شهر أكتوبر، لكن طلب المجلس مهلة شهرًا للرد سيؤجل ذلك إلى مطلع الشهر المقبل، فالثابت لدى «صبحى» ورجاله أن هناك من الحقائق والاتهامات الملتصقة ببعض رجال الجبلاية ما لا يمكن إخفاؤها بأوراق أو دفاتر، وأن ما رصده ووثقه سيضع المتورطين تحت طائلة إهدار المال العام.
ويعرف المقربون من «صبحى» الذى رفع شعار التطهير ومحاربة الفساد، بدءًا من القاع خلال زياراته ومساعديه للمحافظات والمدن والقرى، ومعاقبة أكثر من مسئول على مدار الأشهر الماضية، وصولًا إلى قمة الهرم الكروى- بأنه لا عودة فيما قطعه على نفسه، وأن مثول المتورطين فى الجبلاية للتحقيق مجرد وقت، كما يعرف المقربون من رجال الجبلاية، أنهم متخوفون للغاية، وأن الأمر ليس مقتصرًا على ما تم إعلانه فحسب، بل إن ما خفى كان أعظم، وستكون الأيام المقبلة شاهدة على ذلك.

إصلاح «العمومية» بداية طريق النجاح.. وقف العمل التليفزيونى أصعب التحديات.. وتصريحات حازم وزاهر تكشف المستور
يبقى سؤال: هل تنتهى أزمة الكرة المصرية بمعاقبة عضو أو أكثر من مجلس «الجبلاية»، وفق ما هو متوقع للتحقيقات الجارية حاليًا؟
قطعًا لا.. لأن وزير الشباب والرياضة يدرك أن «أم مصائب الكرة المصرية» تتمثل فى الجمعية العمومية لاتحاد الكرة، وأن المتورطين فى تلك الأزمات ما هم إلا إفراز ونتاج لوعيها المتدنى.
خروج بعض العناصر من الجبلاية لن يكون تصحيحًا أبدًا، فالبديل المحتمل أسوأ وأضل، إذا استمرت حالة «العوز» والفقر، التى تحرك أصوات الجمعية العمومية، والتى يستغلها بعض الإعلاميين والنافذين فى المجال الرياضى بتوفير دعم مالى بسيط، أو مجموعة تيشرتات و«كور»، أو حتى مداخلة هاتفية وظهور تليفزيونى لدقائق لأعضاء العمومية «الغلابة».
إذا نظر وزير الرياضة إلى أسماء المرشحين للانتخابات التكميلية لاتحاد الكرة حاليًا، سيعرف أن أصحاب شبكات المصالح الذين يبيعون بالأمر المباشر، ويتلاعبون بمصائرنا، يطلون علينا من جديد، وأن ما يحاربه من خطايا لن يتوقف، بل سيتنامى ويكبر معهم. لذا، بداية التصحيح ستكون بإعادة تشكيل وعى الجمعية العمومية وتجهيزها لإفراز أفضل العناصر دون الخضوع لمعيار الاحتياج، وهذا يتم بمعرفة جوانب النقص لديها والبدء فى سدها.
الحقيقة أن وزير الرياضة تسلم تركة ثقيلة، وعلاجها يبدأ بالتواصل المباشر مع الجمعية العمومية ورصد ما تعانيه، لوضع حائط صد أمام أولئك الذى يتحكمون فى كل شىء يؤهل للوصول إلى الكرسى.
وثانى الخطوات التى يجب أن يخطوها وزير الرياضة، لكى يصوب الأسلوب الإدارى للكرة المصرية، تجريد «الوجوه الكريهة» من الأدوات التى تمكنهم من التحكم فى الجمعية العمومية.
وهذا الأمر يمكن أن يتحقق بأفكار قالها وزير الرياضة فى حوار سابق لـ«الدستور»، حينما جزم بأن التصحيح يبدأ بأناس يعملون بشكل احترافى، ويتقاضون أجرًا مقابل عملهم، وأن استمرار فكرة التطوع فى الإدارة تجعل الباب مفتوحًا أمام الخطايا التى نحياها.
إذا أفلح وزير الرياضة فى أن يحقق فكرته القديمة، وتفريغ رجال الجبلاية للتخطيط والعمل لتقدم الكرة المصرية، بدلًا من البقاء عبر القنوات والمحطات الإعلامية على مدار اليوم، سنجد من ينظر إلى الأزمات.
هذا يعنى أن عدم تحكم أعضاء المجلس فى المحطات الفضائية كما يحدث الآن، سيحقق عملية التوازن فى الكرة المصرية، وسيحرم أشخاصًا بأعينهم من التمتع بميزة توجيه الجمعية العمومية حسب هواهم، فيعرف الجميع كيف كانت برامج «الدرجة الثانية» بابًا انتخابيًا لحصد الأصوات بطرق غير مشروعة، وجب الآن وضع حدود لها.
لا نرى بأى مكان فى العالم أعضاء مجالس إدارات اتحادات يعملون مقدمى برامج أو محللى مباريات عدا فى مصر، فمن عجائب الدنيا أن يتفاجأ حازم إمام على الهواء بقرارات مهمة لمجلس الجبلاية من المفترض أن يكون شريكًا فى صناعتها، بدلًا من تلقيها مثلنا.
والأعجب أن يتوجه زميله فى المجلس سيف زاهر بسؤال على الهواء إلى عصام عبدالفتاح، رئيس لجنة الحكام، عن تفاصيل ما جاء فى أحد اجتماعات المجلس الذى هو أحد أعضائه حول إمكانية تطبيق «حكم الفيديو».. هل ما نحياه حقيقة أم هو مسلسل درامى يجسد أولئك الأشخاص دور البطولة فيه؟!
إذا كان إمام وزاهر وغيرهما يستقبلان القرارات على الهواء كالجمهور، أليس اتحاد الكرة فى حاجة إلى رجال متفرغين كما يؤمن الوزير؟ وإذا كان زاهر يعلم كل صغيرة وكبيرة وحضر الاجتماع- كما علمت- الذى يستفسر عن تفاصيله، فهل يليق بالكرة المصرية صناعة تلك المسلسلات الهابطة؟
هل يصلح أن يكون مجلس إدارة اتحاد الكرة هو اللاعب والحكم فى الوقت نفسه؟ وإذا طُرحت مزايدات حول أى بطولة أو حدث محلى، هل نضمن الشفافية فى ظل عمل أعضاء المجلس مع شركات وقنوات تتنافس على تلك الحقوق، لمن سينحاز أعضاء الجبلاية وقتها؟!
بلا شك فإن أصعب الأزمات التى يجب أن يطرق صبحى أبوابها، الأزمة الكبرى بوضع أسس توفر القدرة على إنتاج جمعية عمومية واعية، تستطيع إفراز مجلس متفرغ ومؤهل للإدارة، فهل يبدأ صبحى المهمة الأصعب؟، الأيام وحدها ستجيب.