رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الإسلام المتدفق من سماحة النيل وبهجة الزراعة ودماثة الخلق


إذا كان صحيحًا ما قرأته عن امتلاك السلفيين دور الحضانات، التى يستخدمونها، لغسل عقول الأطفال، وتدمير إنسانيتهم، وتحريضهم منذ الصغر، على تكفير الآخرين، وكراهيتهم، تمهيدا للتخلص منهم- فإن الخطر فعلا آت لا ريب فيه.
إذا كان صحيحًا ما ورد من بيان وزارة التضامن الاجتماعى، أن الوزارة غير مسئولة إلا عن دور الحضانة التى تملكها، وتؤسسها الحكومة، فالخطر فعلا أقرب مما نتصور.
إن الإرهاب الدينى يدرك تماما أن الوصول إلى الأطفال، هو أول بذرة فى التربة الإرهابية المتعصبة. وما يشب عليه الأطفال، منذ نعومة أظفارهم، يصبح حقًا مثل «النقش على الحجر».
يقول السلفيون إنهم حزب مدنى بمرجعية إسلامية، وإنهم لا يمارسون السياسة، وإنما العمل الدعوى، لخدمة وحماية الدين الإسلامى. وفى هذا مغالطة كبيرة.
أولا: العمل الدعوى هو فى صلب العمل السياسى. فالتأثير على الآخرين هو غاية المشتغلين بالسياسة.
ثانيا: منْ أعطاهم توكيلًا للدفاع عن الإسلام، وحماية الدين؟. أليس كل دين قادرا على حماية نفسه، والدفاع عن عقيدته؟.
ثالثا: وأى إسلام يقومون بحمايته؟. أهو الإسلام فى فترة الستينيات من القرن الماضى؟. أهو الإسلام قبل إنشاء وتأسيس مؤسسة الأزهر؟. أهو الإسلام المستورد من بلاد الصحراء، حيث التزمُّت الوهابى، الذكورى، المتشدد، الذى لا يتلاءم إلا مع قسوة الصحراء، ووأد النساء وهن أحياء؟. هل هو إسلام ابن تيمية وسيد قطب، وحسن البنا، أم إسلام الإمام محمد عبده؟.
أهو إسلام النقل الحرفى للنصوص، أم إسلام الاجتهاد وتشغيل العقل ومراعاة تغير الظروف، والناس، والقيم، والمفاهيم؟. أهو الإسلام الذى لا يرى المرأة إلا وليمة جاهزة حاضرة مطيعة، للنكاح الذكورى؟ ومستعبدة بتسلط الذكور، وأمراضهم النفسية، وعقدهم الجنسية، وأفكارهم المنحصرة فى إشباع المعدة والشهوات الجنسية؟.
نحن نحارب الأعمال الإرهابية، وندمر أوكار الأسلحة، ونحرص على القصاص للشهداء. هذا مطلوب، وحتمى، وضرورى. لكننا لا بد أن ندمر «أوكار الفكر»، الذى يختبئ وراء مصطلح مضلل، اسمه «حزب مدنى بمرجعية إسلامية». لابد من إغلاق كل الحضانات، والمدارس، والمؤسسات، والمراكز، والجمعيات، التى تقوم بما هو أخطر من سفك الدماء.. ألا وهو زرع الأفكار والقيم، والأخلاق السلفية، وشق المجتمع وزرع الفتنة وإشعال الكراهية.
لم يعد كافيًا أن نضرب عناصر الإرهاب، ونطيح بمساكنهم، وأوكارهم.
ليس كافيًا القول بأن الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون. لم يعد كافيًا القول بأن الأعمار بيد الله، ولا أحد يموت «ناقص عمر». لم يعد كافيًا أن نردد «قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا». لم يعد كافيًا أن «تنحسر» الحوادث الإرهابية على الأرض. لا بد أن تنحسر من النفوس.
لا بد لنا من إجراء «محاكمة» عاجلة، لكل الأفكار، التكفيرية، الجهادية، التى هى «العقل»، المدبر، لعمليات القتل الإرهابى. لا بد لنا من إجراء «تطهير» شامل، لهذه الأفكار، فى كل مكان، وفى كل مجال، وفى كل مؤسسة، وفى كل جامع، فى كل مسجد، فى كل وزارة، فى كل جمعية، فى الإعلام السمعى، والمقروء، والسمعى، فى الكتب، فى مناهج التعليم منذ الصغر، فى مقررات الأزهر، فى المصالح الحكومية، فى اللجان، والمؤتمرات، فى البرلمان، فى المستشفيات، فى أنشطة الجامعات، فى المحليات، فى النقابات، فى كل محافظة، فى كل مدينة، فى كل مركز، فى كل كفر، فى كل نجع، فى كل مركز شباب، فى كل قصر ثقافة، فى كل ناد. فى كل شبر من أرض مصر، حتى فى ساحات المقابر.
نحن نحصد ما زرعناه. فمنذ منتصف السبعينيات، من القرن الماضى، وحتى الآن، و«العقلية» المصرية تحت احتلال الثقافة الإسلامية الإرهابية. سنوات، تركنا إسلام مصر، المتدفق من سماحة النيل، وبهجة الزراعة، ودماثة الخلق النابع من اعتدال الطقس، واعتدال النظرة إلى المرأة.
واستسلمنا لإسلام الصحراء، الخشن، العنيف، المتعنت، المتزمت، كاره الحياة، الناقم على النساء. وأنا أسأل: ماذا فعلنا لإعادة تشكيل الفكر الدينى؟ ماذا فعلنا، لتجديد الفكر غير الدينى؟ ومن الذى سيقوم بهذه المهمة «القومية»؟، هذه مهمة «حضارية». قضية وجود شعب. قضية مصير أمة، بل إنه مصير للإنسانية، حيث يستهدف الإرهاب إبادة دول الكفار كلهم، وإعلان الخلافة الإسلامية، على كوكب الأرض بأسره. هذه مهمة «كوكبية» لا تصلح فيها الأيدى المرتعشة، والنفوس الخائفة، والعقول المتأرجحة.