رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

انتشال الفقراء من خط الفقر إلى خط الكرامة




فى البرامج التليفزيونية، تقول المذيعة، أو المذيع، سنخرج إلى تقرير، يسأل الشعب المصرى، عن توافر اللحم، والسلع، الغذائية، خلال أيام العيد، مثلا. تخرج الكاميرا إلى الشارع، وتلتقى ٧ مواطنين، كلهم «رجال». ونرجع الاستديو، حيث تقول المذيعة، أو المذيع «بعد معرفة رأى الشعب، يسرنا استضافة فلان».
ما هذه الغيبوبة الثقافية؟ ما هذا التخلف؟ ما هذا الختان الفكرى؟ ما هذه الذكورية الفجة؟ هل الشعب المصرى ذكور فقط؟ أين رأى الستات؟ ألم يكن فى الشارع، وقت نزول الكاميرا العنصرية، نساء؟. وأؤكد بكل ثقة أن هذا «البتر» لرأى النساء، فى أغلب البرامج. وإذا سألوا امرأة، أو اثنتين، فيكون صدفة، وغير متعمد. المذيعة، وهى امرأة، لا ترى هذا العيب الجوهرى. حتى ضيف البرنامج لا يراه. وهذا يحدث فى تليفزيون الوطن، الذى قام بثورتين، نساء، ورجال، معا. ولدينا ضحايا من الفتيات.
هذا «العيب»، يوضح لنا أن مجتمعنا ما زال «منقوعا»، فى الذكورية من شعر رأسه، إلى طراطيف أصابع قدميه. التفكير الحقيقى «ذكورى». الوجدان العميق «ذكورى». التوجه الفكرى «ذكورى». اللغة «ذكورية». نحن نقول «على قلب رجل واحد». هل «على قلب امرأة واحدة» قول خادش للحياء؟ أو قول مهين؟ ونحن نقول «رجل الشارع» إشارة للمواطن العادى البسيط. أما «امرأة الشارع»، فهو إشارة للمرأة سيئة السُمعة، التى تتكسب من بيع جسدها. هل يمكن أن يحدث العكس، وتذهب الكاميرا، لتعرف رأى ٧ مواطنين، كلهم «نساء»، على أنهن يمثلن رأى الشعب المصرى؟!.
القضية كما أراها، هى أنه بعد ثورتين، ضد الاستبداد السياسى، وضد الاستبداد الدينى، ما زال البعض متمسكا بميراث العبودية، المتراكمة، عبر آلاف السنوات. ما زال البعض يعتقد أن «المدينة الفاضلة»، هى فى تقسيم الناس إلى قلة قليلة «أسياد» تأمر.. وجماهير غفيرة «عبيد» يطيعون. هذه «الجماهير الغفيرة»، هى التى خرجت بالملايين، فى الشوارع، والحارات، والميادين، لانتزاع الحرية، والعدالة، والكرامة، ولإبادة النظام العبودى، واستئصاله من الجذور.
كوننا فى عام ٢٠١٨ لا يعنى أن نظام العبودية، الموروث، منذ آلاف السنين، قد انتهى زمانه. إن «جوهر» الاستعباد موجود ويتكرر على العصور المتتالية، لأنه «محفور»، و«مغروز»، فى وجدان الناس، وعواطفهم. حتى لو كان الدستور، والقوانين، تنص على المساواة. إن الأمن القومى هو أمن جميع المواطنين، والمواطنات. وكرامة الوطن هى كرامة جميع المواطنين، والمواطنات.
إنها سمة أساسية، فى بلادنا، أن يكون اهتمامنا بـ«الأرض» أكثر من اهتمامنا بـ«الإنسان»، الذى يمشى، ويعيش، ويموت على هذه الأرض. لقد تحررت سيناء «الأرض». وهذا شىء جدير بالزهو، والاحتفال فعلًا. ولكن أين «تنمية» الإنسان، الذى يولد، ويعيش، ويموت، على أرض سيناء؟ إن تنمية سيناء كانت ستحول دون وجود الإرهاب، وانتشاره، وتوطنه هناك، وسقوط مئات الضحايا، ولا يزالون يسقطون.
وهناك أمثلة كثيرة على أن «تراب» الوطن أهم من إنسان «الوطن»، الذى يمشى على هذا التراب. بالطبع أنا لست ضد تحرير التراب، والأرض. هذه قضية لا نختلف عليها. لكننا نحرر الأرض من أجل الإنسان. الإنسان، هو الذى يبنى، ويعمر، ويحمى الأرض. الإنسان، هو الأول. الإنسان هو الأساس. الإنسان هو «كلمة السر»، التى تحول التراب إلى ذهب. والمستحيلات إلى ممكن. والأحلام إلى حقيقة.
الخلل بين الاهتمام بالأرض والاهتمام بالإنسان، هو الذى أوجد على مدى أزمنة طويلة، متتالية، الملايين من الفقراء. حقا، إن «الفقر»، محليا، وعالميا، هو الدلالة الرئيسية، الواضحة جدا، على فشل النظام العالمى الجديد، والأنظمة المحلية، فى توفير الحد الأدنى من الحياة الكريمة، التى ترفع الفقراء من «خط الفقر» إلى «خط الكرامة». فى اللقاء الأخير بين الرئيس السيسى، والرئيس الأمريكى، كان هناك اتفاق على مكافحة الفقر. هل كان الرئيس الأمريكى، فعلا، موافقا؟. لست متأكدة. فالحقائق التى نعرفها أن أمريكا، مع تحالف بعض الدول، متورطة فى إفقار الشعوب، وتصدير الإرهاب الدينى، وتفضل أن تأكل الأسماك الفائض من الغذاء، بإلقائه فى البحر، حتى لا يأكل الفقراء.