رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عزيزى الأستاذ راغب المتعة




عندما تكتب الصحف عن ضبط شبكات الدعارة، فإنها تحدد صفات المشاركين بوضوح قاطع، هناك دائمًا قواد أو قوادة، وساقطات، ثم طرف ثالث معزز مكرم يتم تحديده برقة توشك أن تكون إعجابًا به، إنه «راغب المتعة»! مع أن هذا العزيز الموقر الأستاذ راغب طرف رئيسى تكتمل ضده كل أركان الجريمة، فقد تم ضبطه فى موقع الحادثة، ودفع أجرًا معلومًا، وتلقى مقابله ما تلقى.
تخرج المرأة من علاقة فعلية مع الأستاذ راغب بصفتها «ساقطة»، بينما العزيز راغب ينسل من نفس العلاقة نظيفًا مبجلًا بصفته «راغب متعة» فحسب!، كأنما كان ذلك المسكين يرغب فقط، وليس أنه ضُبط متلبسًا! يشبه ذلك أن نقول عن قاتل تم ضبطه مع جثة بسكين فى يده إنه «راغب قتل» لا أكثر!، والحق أننى لا أجد تفسيرًا للسبب الذى يخص به التشريع الرجال بذلك الامتياز المعنوى والقانونى، إلا إن كان السبب هو استحكام أساطير تفوق الرجل على المرأة، وما يستتبع ذلك من امتيازات. هى ساقطة، وهو ماذا؟ عفيف؟ شريف؟ لطيف؟ ألا تستلزم الدعارة ساقطة وساقطًا معًا؟. ينص قانون مكافحة الدعارة الحالى على عدم شمول عقوبة رادعة لراغب المتعة من الرجال، ويُخلى سبيله بعد الاستماع إلى أقواله باعتباره شاهد عيان، وبذلك يقوم القانون بتحويل الشريك الأصلى فى الجريمة إلى شاهد! وقد طالب أحد نواب البرلمان فى العام الماضى بتعديل القانون، ووضع مشروع قانون جديد لمساواة الرجل والمرأة فى تلك الجريمة، لكن اللجنة الدينية التى استقبلت المشروع لم تناقشه حتى الآن.
وقد مرت مصر فى العهد العثمانى بما عرف بضريبة الدعارة، ويحكى ابن إياس فى «بدائع الزهور» عن السلطان عزالدين أيبك، الذى أصدر مرسومًا بتحصيل ضريبة من بيوت «الخواطى»، وفى أيام الحملة الفرنسية يحدثنا الجبرتى عن أن السلطات الفرنسية خصت بعض المساكن فى منطقة غيط النوبى كمنازل للبغاء للترفيه عن جنودها، وظل الأمر كذلك حتى جاء محمد على وألغى الدعارة رسميًا عام ١٨٣٧ بعد اكتشافه انتشار الأمراض وسط الجنود، ولكن عباس الأول أعاد العمل بالبغاء رسميًا، وفى عام ١٨٥٥ صدرت لائحة التفتيش الطبى على العاهرات التى قسمتهن إلى قسمين: «العايقة» وهى القوادة، و«المقطورة» وهى من تمارس النشاط، وعادت الدولة من جديد تحصّل الضرائب على البيوت التى سميت «مواخير». وظلت الدعارة نشاطًا رسميًا، وفى ١٩٠٥ أصدر مصطفى فهمى، رئيس مجلس النظّار، لائحة باسم «لائحة بشأن بيوت العاهرات» عينت أماكن المهنة وألزمت النساء بفحص طبى أسبوعى، وعام ١٩١٦ أصدر الخديو عباس حلمى «لائحة البيوت العمومية»، وظلت الدعارة قانونية حتى طرح عبدالحميد عبدالحق، وزير الشئون الاجتماعية فى حكومة الوفد، ضرورة منع البغاء فى مصر، لكن حظر ذلك النشاط تم فقط عام ١٩٤٩، وبعدها بعامين خرج القانون ٦٨ لعام ١٩٥١ الخاص بمكافحة الدعارة والمعمول به إلى الآن مع بعض التعديلات الطفيفة التى أدخلت عليه عام ١٩٦١ عند الوحدة مع سوريا. ولا تشير نصوص القانون إلى وضع الطرف الثالث فى جريمة الدعارة، لكنها تحدد عقوبة من يسهّل الدعارة، ومن تمارسها من النساء، وغير ذلك. وقد أصبحنا فى أمس الحاجة لإعادة النظر فى تلك التشريعات، خاصة أن الدعارة واقع لا يمكن تجاهله، ولكن يمكن مقاومته إذا قمنا بمعاقبة أطراف الجريمة جميعًا وليس المرأة فقط.
من ناحية أخرى، نحن بحاجة لفتح ملف الدعارة المسكوت عنه، لأن السكوت عن المرض ليس علاجًا له، كما لا تتوافر لنا الإحصائيات التى تضع أيدينا على حجم الدعارة، ما عدا ما تصدره أحيانًا الإدارة العامة لمباحث الآداب التى جاء فى إحصائية لها أنه تم تحرير محاضر لثلاث وسبعين ألف سيدة وفتاة دخلن فى قوائم المسجلات بتهمة ممارسة الدعارة ما بين عام ٢٠٠٠، و٢٠١٣. وأرجعت الإحصائية أن ذلك العدد الضخم جاء بسبب الانهيار الأخلاقى والظروف المعيشية.
نحن بحاجة لمواجهة الظاهرة، خاصة أنها ترتبط بموبقات أخرى، كالخمر، والمخدرات، وانتشار الأمراض، وعنف القوادين المنظم، والضرب حتى الموت أحيانًا والتشويه بالمواد الكيماوية، ونحن أحوج ما نكون لتشريعات جديدة نكف فيها عن احترام وتبجيل وتدليع الأستاذ راغب، ومعاملته بما يستحق.