رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"المسترجلة".. رحلة فى عالم الخارجات عن قانون حواء

جريدة الدستور

"مسترجلة" تلك الكلمة التى يقتصر استخدامها على جلسات الرجال، فى وصف مختصر يستبعد أى فتاة أو سيدة تخرج عن المألوف من وجهة نظرهم من تصنيف الأنثى، ووضعها في خانة رمادية بين العالمين.

يمتلك المصطلح الذكورى إرثًا تاريخيًا، فهو متأصل فى لغة المجتمع منذ دهور، ويمثل حدًا تحاول كل بنات حواء ألا تتجاوزه حتى تنأى بنفسها عن الوصم اللعين، لكن مع تطور الأمور بات عليهم المقاومة، وهو ما تجلى خلال السنوات القليلة الماضية فى انتشار تعبير "الإسترونج إندبندنت وومان" المعرب، والدال على المرأة القوية، وهو التعبير الذى انتشر فى عالم النساء بسرعة بالغة من باب التفاخر، مدعومًا بالرغبة فى تغيير الصورة المرسومة لهن.

ما بين "مسترجلة" و "الإسترونج إندبندنت وومان"، بات الصراع مشتعلا بين نساء بعضهن دفعتهن ظروف حياتهن للتحول تلقائيًا إلى هذا النمط، وأخريات تمردوا على واقعهن رافعات شعار لا يعلمن عنه سوى العنوان.

"عتبة عتبة رمسيس".. تنادي بها بصوت ناعم على الركاب المتواجدين بمحطة الميكروباص، فيلتفت إليها الجميع في دهشة :"حضرتك اللي بتسوقي العربية"، يسألها أحدهم فتجيب :"أيوة يا فندم أنا صاحبة العربية وأنا اللي هسوق حضرتك نازل فين؟!"، وتصعد الكرسي المخصص لقائد السيارة "السواق" وتقود ركابها في هدوء تام منها، واندهاش تام ممن يجلسون خلفها.

ظروف الحياة ووفاة زوجها هي التي دفعت "عزة" لاقتحام عالم الرجال وارتداء ملابسهم، فتقول: "عندي 3 بنات في المدارس كلهم، وجوزي اتوفى من 6 شهور والعربية لسه عليها أقساط، نزلت اشتغل مكانه واتعلمت الشغلانة بسرعة والحمد لله بصرف منها على بناتي وعايشين بسببها حياة كريمة"، الأمر بالنسبة لـ"عزة" لم يكن بهذا القدر من السهولة، فقرار اقتحامها لعالم "سواقة الميكروباص" كان يحتاج إلى تفكير وقرارات حاسمة، فتقول :"أول ما قررت اشتغل سوائق على ميكروباص تقمَّصت الشخصية، وأصبحت "مسترجلة" في المظهر والصفات، لبسي جينز وتيشرت، صوتي قوي وحاد، حتى طريقة كلامي وهزاري أصبحت تشبه طريقة كلام الرجال"، تُبرر "عزة" تحولها الظاهري لصورة "الرجل" بقولها :"استرجلت لأني لو معملتش كدة هبقى مطمع ومادة خام للسخرية من كل زملائى السواقين، وكمان الركاب".

المسئوليات ليست وحدها هي من تتحكم في شخصية الأنثى داخل مجتمعنا المصري، فبعض الطموح أيضًا قد يدفعها للتحول من الشيء إلى نقيضه، تقول آية حمروشي، صحفية :"بدايتي مع لقب مسترجلة كان شغلي كصحفية ميدانية رأسمالها الرئيسي هو الشارع، اللي درَّبني على الشغل قالي انشفي مع الناس واتعاملي بغشومية معاهم عشان تقدري تطلعي شغل كويس بدون أيّ مضايقات من حد، ومن وقتها وأنا قوية وحادة في ردودي ومواقفي، مبحبش الألوان والعكب العالي ومابحطش مكياج، مسترجلة عن اقتناع لدرجة أني ضربت واحد في الشارع بالشالوت عشان شد منّي الكاميرا، وزميلي كان معايا واقف يتفرج".

لقب "مسترجلة" بقدر ما منح "حمروشي" القوة أعطاها نصيبا كبيرا أيضًا من النقد والهجوم، وتضيف الفتاة العشرينية :"شكلي وشخصيتي دفعوا الناس إلى أن يهاجموني لدرجة أنهم تدخلوا في حياتي مع بيتي وزوجي، وفاكرين أني في حياتي الشخصية مسترجلة برضو"، لكن بعد سبع سنين شغل اشتهرت فيهم بلقب "مسترجلة" ، دلوقتي أنا شايفة أن النظرة دى بتفيد البنات جدًا في شغلها بتحميها من أي استغلال لكونها بنت ويتجنبها أي معاكسات أو تطاول".

في رأي "ندى" "السينجل مازر": هي السبب الأساسي لرجولة الست، لأنها بتضطر تكون أم وأب في وقت واحد، بتربي وتراقب وكمان تشتغل، فتروي ندى" لـ"الدستور" :" بعد انفصالى عن زوجي ووفاة والدي أصبحت أواجه الحياة بمفردي، وتحت رعايتي طفلان أنا كل ما لديهما في الحياة، فكان لزامًا عليّ أن أقوم بدور الأب والأم، خاصة أن طليقى لا ينفق على أبنائه، حينها قررت أن أعمل، ومع الوقت، تعودت على قيادة حياتي بنفسي دون انتظار الدعم من أحد، سواء فى العمل او المنزل.

حياة "ندى" تحولت فجأة من مرأة تنتظر الدعم والمساندة باستمرار من زوجها وأهلها إلى "إندبندنت وومان" تتحمل مسئوليات جميع من حولها :"مسئولياتي والتزاماتي تجاه أبنائي وعملي جعلتني اعتمدت على نفسي في كل ما يخصني ويخص أولادى الاثنين، حتى تطور الأمر إلى مسئوليات أصدقائي وصديقاتي وحل مشكلاتهم، إلى أن أطلقوا عليّ ذات يوم "الست إندبندنت".

"الإسترونج إندبندنت وومان" و"البنت المسترجلة" في رأي "ندى" ما هو إلا "درع حماية" أو"شعار" كما وصفته "ندى"، قائلة :"إحنا بنضطر نكون إندبندنت مسترجلات علشان نعرف نتعايش مع ظروف فرضها علينا الواقع وعلشان نحمي نفسنا، لكن ده مايمنعش أن جوة كل واحدة فينا أنثى جميلة تحتاج الدعم والمساندة؛ لأن من الآخر مفيش إندبندنت وومان تطلب من زميلها يشيل عنها شيفت بالليل في الشغل".