رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حول التعليم والهوية والانتماء«٢»


تجولنا معًا فى المقال الأول بين صفحات دستورنا المصرى والمواد الخاصة بالتعليم وركزنا على أهمية التزام الدولة بزيادة ميزانية التعليم الأساسى من أجل حل مشكلاته وتطويره وفقًا للمعايير الدولية. ونستكمل اليوم بقية المواد الخاصة بالتعليم.. فالمادة ٢١ تؤكد كفالة الدولة لاستقلال الجامعات والمجامع العلمية واللغوية، والعمل على تطوير التعليم الجامعى مع كفالة مجانيته فى جامعات الدولة ومعاهدها وفقًا للقانون، وتخصيص ٢٪ من الناتج القومى الإجمالى للتعليم الجامعى تتصاعد تدريجيًا حتى تتفق مع المعدلات العالمية (والتى تصل إلى الضعف).
هذا إلى جانب النص فى المادة ٢٢ على تنمية كفاءة المعلمين العلمية ومهاراتهم المهنية ورعاية حقوقهم المادية والأدبية بالإضافة لكفالة الدولة حرية البحث العلمى، وألا تقل ميزانيته عن ١٪ من الناتج القومى الإجمالى. ولا بد من الإشارة إلى أن تقدم الأمم ونهضتها يقوم على الصرف على الصحة والتعليم والبحث العلمى لتنمية الثروة البشرية.
وإذا انتقلنا للمادة ٢٤ نجد أنها تنص على أن «اللغة العربية والتربية الدينية والتاريخ الوطنى بكل مراحله مواد أساسية فى التعليم قبل الجامعى مع تدريس الجامعات مواد حقوق الإنسان والقيم والأخلاق المهنية للتخصصات المهنية المختلفة».
وينبغى الإشارة إلى أنه فى إطار المناقشات الدائرة بخصوص تطوير التعليم هناك مطلب أساسى من الخبراء والمهتمين حول تدريس القيم والأخلاق فى مراحل التعليم المبكرة، القيم التى تبث التسامح وقبول الآخر والمواطنة وعدم التمييز لأى سبب (الفكر أو الدين أو الجنس أو الوضع الاجتماعى أو المكان الجغرافى) مع التركيز على غرس القيم التى تنص عليها كل الأديان وجوهرها من الصدق والأمانة ومساعدة الغير وبر الوالدين بجانب التوعية الخاصة بالنظافة والتشجيع على العمل التطوعى وغرس محبة الأوطان والدفاع عنها.
وإذا وقفنا عند المادة ٢٥ نجد أنها «تُلزم الدولة بوضع خطة شاملة للقضاء على الأمية الهجائية والرقمية بين المواطنين فى جميع الأعمار، وذلك بمشاركة مؤسسات المجتمع المدنى ووفقا لخطة زمنية محددة». ودعونى أتساءل: هل الدولة جادة فعلًا فى التعاون مع منظمات المجتمع المدنى المتنوعة من أحزاب ونقابات وروابط وجمعيات أهلية ومراكز ثقافية وتعليمية وبحثية للقضاء على الأمية ولتطوير التعليم واللحاق بعصر ثورة المعلومات. وإذا كانت جادة فلماذا لا تبدأ فورًا بوضع هذه الخطة وتقديم التمويل وتسهيل الإجراءات واستخدام كل المواقع من مراكز شباب وأندية وقصور وبيوت الثقافة والمكتبات من أجل القضاء على الأمية التى تصل إلى ٢٥٪ مع التنويه إلى أن نسبة الأمية والتسرب من التعليم تزيد فى الإناث عن الذكور؟!.
وسأقدم بعض الأمثلة للدول الجادة التى وضعت خططًا مناسبة لظروفها ونجحت فى القضاء على الأمية وفى النهوض بالتعليم، منها دولة كوبا التى وضعت نصب عينيها خطة للقضاء على الأمية فى مدة زمنية لا تزيد على سنة واحدة، وذلك بأنها فرَّغت المجتمع كله لمدة عام، حيث توقفت الدراسة لمدة عام ليشارك الجميع من الطلبة والمدرسين وجميع مؤسسات المجتمع الحكومية والأهلية، واستطاعت كوبا أن تحقق هدفها فى القضاء على الأمية.
وننتقل إلى دولة الصين التى وضعت سياسة تنموية ترتكز على عدد من المحاور للنهوض والتقدم والقضاء على الفقر، وارتكزت هذه الخطة على محور النهوض بالصناعة والزراعة والعلم والتكنولوجيا، واعتمدت فى تمويل التعليم على المشاركة والتعاون بين الحكومة المركزية مع المحليات، وذلك بمساهمة الشركات والمؤسسات الاجتماعية. ووضعت الخطة الخاصة بالنهوض وتطوير التعليم التى اعتمدت على أن تتولى لجنة التعليم فى الصين رسم السياسة التعليمية والتخطيط لتطوير البلاد مع إعطاء المحليات وضع الأساليب الملائمة لتنفيذ الخطة التعليمية، كما وضعت أولوية للاهتمام بالمناطق الريفية مع تغيير المناهج وتعاظم استخدام أجهزة الكمبيوتر وإعداد المعلمين وتدريبهم على طرق التعليم الحديثة، وذلك بمشاركة الحكومة والمجتمع المدنى.
إن قضية التعليم قضية تهم المجتمع كله ولا بد من إشراك كل أطراف العملية التعليمية فى وضع ومناقشة الخطة وكيفية وأدوات تنفيذها ومصادر تمويلها ومدتها الزمنية أليس كذلك يا وزير التعليم؟ ذلك لا يتأتى إلا بمشاركة الجميع من الوزارات المعنية (التربية والتعليم، والتعليم العالى والبحث العلمى، والشباب والرياضة، والمجلس الأعلى للإعلام، وخبراء التعليم، وأساتذة كليات التربية ورياض الأطفال والتربية النوعية والمجلس القومى للأمومة والطفولة والمجلس القومى للمرأة والمجلس القومى لحقوق الإنسان ووزارة الصحة والسكان ووزارة الثقافة ومراكز ومؤسسات الفنون بكل أنواعها) وهؤلاء مع ممثلين للطلبة والطالبات وأولياء الأمور وممثلين عن مؤسسات المجتمع المدنى، كما أوضحنا من قبل. لا بد من مشاركة كل هؤلاء إن كنا جادين حقًا فى النهوض بالتعليم والمجتمع.. وللحديث بقية.