رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الاتجار بالبشر.. هنا وهناك!


منذ سنة، تحديدًا فى ١٠ سبتمبر الماضي، نشرت جريدة «صنداي تايمز» تقريرًا عنوانه «١٢٠٠ جنيه إسترليني: تكلفة الزواج من لاجئة سورية»، مع عنوان شارح يقول: «رجال أتراك يشترون قاصرات كزوجات ثانيات، غير شرعيات، ويتركونهن عادةً بعد شهور قليلة». وأمس الخميس، انتهت فعاليات المؤتمر الإفريقي الأوروبي الأول لأعضاء هيئات الادعاء العام حول «آليات التعاون القضائي لمكافحة الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين»، الذي شارك فيه ممثلو ٢٤ دولة إفريقية و٣ دول أوروبية، و٦ منظمات دولية و٣ جمعيات للمدعين العموميين.

بعد جلسات ونقاشات، استمرت لثلاثة أيام، في مدينة «شرم الشيخ»، استعرض رئيس المؤتمر، المستشار نبيل صادق، النائب العام، في ١٥ نقطة، حزمة التوصيات، التي تضمنها الإعلان الختامي للمؤتمر، «إعلان شرم الشيخ»، وكان أبرزها تحويل المؤتمر إلى منصة ثابتة تنعقد دوريًا، بشكل سنوي لتبادل الخبرات في مجال التعاون القضائي المشترك، ودعوة الدول غير المنضمة إلى بروتوكول «مكافحة تهريب المهاجرين» أو «مكافحة الاتجار بالأشخاص» إلى سرعة التصديق، واستكمال بنيتها التشريعية بإصدار قوانين وطنية، وحث الدول التي استكملت بنيتها التشريعية على تقديم خبراتها.

بديهي أن الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية، لا يمكن التغلب عليها إلا بمشاركة جميع الدول والمنظمات الدولية والإقليمية ذات الصلة، وبتعاونها كلها بفاعلية لمنع ارتكاب الجريمة وإضعاف الجماعات الإجرامية الضالعة في ارتكابها وعزلها وشل حركتها. وعليه، طالبت التوصيات بالعمل على عدم توفير ملاذ آمن لمن يمولون الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية أو يدبرونها أو يدعمونها أو يرتكبونها، في إطار ما تفرضه الالتزامات الدولية والقوانين الوطنية، وتحديدًا ما يتصل بالتحقيقات أو الإجراءات الجنائية المتعلقة بتمويل الجريمة وتتبع عائداتها. كما أوصى المشاركون في المؤتمر بتبسيط إجراءات تسليم المجرمين وتبادل المساعدات القانونية في القضايا، تنفيذًا للمعاهدات الثنائية ومتعددة الأطراف.

المشاركون في المؤتمر أكدوا استعدادهم وترحيبهم بتعزيز التعاون القضائي في مجال مكافحة الجرائم المنظمة، العابرة للحدود الوطنية، وتحديدًا جرائم الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين. وطالبوا بضرورة العمل على تجاوز العقبات ذات الطبيعة القانونية أو العملية، كالاختلافات بين التشريعات الوطنية، وما تفرضه من صعوبات في جمع الأدلة. وشددوا على ضرورة الاستمرار في بناء قدرات أجهزة إنفاذ القانون وهيئات الإدعاء العام. والعمل على إنشاء فريق عمل يختص ببحث الإطار القانوني الملائم لإنشاء منصة قضائية تعمل على تعزيز التعاون القضائي الدولي، ووضع اتفاقية إطارية لتذليل معوقات هذا التعاون.

في كتابها «الرق: القصة غير المُعلنة لتجارة الجنس الدولية»، اتهمت الصحفية المكسيكية، ليديا كاتشو، السلطات الرسمية في تركيا بأنها منخرطة بشكل كبير في تلك التجارة بل أكدت أن بين زبائنها، زبائن التجارة، مسئولين في الشرطة والجيش ونافذين في دوائر الحكم. وما يمنعك من التشكيك في هذا الاتهام، هو أن تقرير الخارجية الأمريكية لسنة ٢٠١٧ حول تجارة البشر في العالم، وضع تركيا في المرتبة قبل الأخيرة بين «الدول التي لا تلبي الحد الأدنى لمكافحة الاتجار في البشر». وهي المرتبة التي حافظت عليها تركيا في تقارير السنوات الست الأخيرة، وكلها اتفقت على أن تركيا هي المحطة الأخيرة أو دولة «الترانزيت»، بل وتصل في بعض الأحيان إلى مستوى «المصدر» فيما يتعلق بعمليات الدعارة والتشغيل القسري للنساء والرجال والأطفال.

التقارير كلها، تقارير السنوات الست، أجمعت على أن تركيا لم تستطع تحقيق المعايير الدولية في منع تجارة البشر عبر أراضيها. وأجمعت أيضًا على أن غالبية «ضحايا تلك التجارة» من اللاجئين، الذين وصل عددهم، حسب تقرير ٢٠١٧، إلى نحو ٣ ملايين لاجئ سوري، و١٢٠ ألف أفغاني، و١٢٥ ألف عراقي. وخص التقرير اللاجئين السوريين بأنهم يضطرون بسبب عدم توافر فرص العمل إلى التسول، وأن النساء والفتيات يقعن ضحايا لعمليات الاتجار بالبشر عن طريق شبكات الدعارة أو إجبارهن على الزواج.

أيضًا، احتفظت تركيا طوال سنوات بالمركز الأول في تقارير مؤسسة «ويلك فري» الأسترالية، بشأن عمليات تجارة البشر والعبودية المعاصرة. وتقارير المنظمة الدولية للهجرة التي أفادت بأن غالبية المهاجرات اللائي يذهبن إلى تركيا ينتهي بهن المطاف إلى العمل في الدعارة. وتقارير منظمة «هيومان ريسورس ديفلوبمنت فاونديشن»، التي أكدت أن «أغلب الفتيات القادمات إلى تركيا أملًا في العثور على عمل بأجر أكبر، يتجهن إلى ممارسة الدعارة».

..وتبقى الإشارة إلى أن تقرير «صنداي تايمز»، الذي أشرنا إليه في البداية، كتبته «لويز كالهان»، مراسلة الجريدة البريطانية في مدينة «غازي عنتاب» التركية القريبة من الحدود مع سوريا، وكان واضحًا ولافتًا أنها لم توجه أي انتقاد إلى السلطات التركية وتجنبت الإشارة إلى الصيغة التي تتعامل بها مع اللاجئين والتي جعلتهم فريسة سهلة لتجّار البشر. وطبعًا لن تجد أي ذكر لمؤتمر «شرم الشيخ» في تلك الجريدة، أو في الصحف ووكالات الأنباء الدولية، التي لا تهتم إلا بما يؤكد أنها «تحت مستوى الشبهات»!.