رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد غانم: 17% من المصريين مصابون بـ«الاكتئاب والقلق والتوتر».. و«النسبة عادية»

محمد غانم تصوير:
محمد غانم تصوير: أحمد رمضان

-قال إن مواطنى الدول المتقدمة يعالجون فى مصر بسبب ثقافة أطبائها
-الهروب من الضغوط وراء تعاطى الشباب المخدرات
-طب النفس الرياضى قادر على حل مشكلة صلاح مع «الجبلاية»
-الطب النفسى يعانى من ربط الأمراض بـ«الجن والأعمال السفلية»
كشف الدكتور محمد غانم، رئيس قسم الطب النفسى بجامعة عين شمس، عن أن نسبة المرضى النفسيين فى مصر، تصل إلى ١٧٪ من عدد سكان الجمهورية، لافتًا إلى إصابة معظمهم بأعراض الاكتئاب والتوتر والقلق. وقال الأمين العام السابق للصحة النفسية بوزارة الصحة، إن مصر حققت تقدمًا كبيرًا فى مجال الطب النفسى، نظرًا لما يتسم به أطباؤها من خبرة وثقافة وقدرة على التفهم، ما جعل بعض مواطنى الدول المتقدمة يلجأون إليهم بحثًا عن العلاج. وقدم «غانم»، فى حواره مع «الدستور»، تحليلًا نفسيًا لعدد من الأزمات المجتمعية، على رأسها تعاطى الشباب المخدرات، وإدمان مواقع التواصل الاجتماعى، والإلحاد، وصولًا إلى الأزمة الأخيرة بين لاعب المنتخب الوطنى الأول لكرة القدم محمد صلاح ومسئولى اتحاد الكرة.

■ بداية.. هل أدى التطور الاجتماعى والتكنولوجى إلى تزايد الأعباء النفسية على الناس؟
- بالطبع، فالعصر الحديث شهد ظهور أمراض نفسية جديدة فى العالم كله، ومنها المشكلات الناتجة عن التحرش التى أصبحت شائعة فى جميع المجتمعات، بالإضافة إلى «كروب ما بعد الصدمة»، التى يتعرض فيها الأشخاص لأزمات كبيرة جدًا حتى إنهم لا يستطيعون التغلب على آثارها.
كما نشهد حاليًا تزايدًا فى عمليات التعرض للنصب والاحتيال والسرقة بالإكراه ما يخلق تداعيات نفسية متعددة، بجانب التعصب الفكرى والانغلاق وعدم القدرة على الحوار مع الآخر وتقبل رأيه، والتى تعد كلها نماذج لأمراض عصرية.
■ ما الأمراض النفسية المشتركة فى كل المجتمعات؟
- معظمها، فالفصام مثلًا مرض يصيب الجميع سواء كانوا أغنياء أو فقراء، مثقفين أو جهلاء، كبارًا أو صغارًا، رجالًا أو نساء، حتى يمكن القول إن هناك نسبة ثابتة تمثل حوالى ١٪ من أى مجتمع تصاب به، بالإضافة إلى بعض المشكلات الأخرى التى تظهر عادة نتيجة تزايد الضغوط والأعباء الاجتماعية والاقتصادية والبطالة وغيرها.
■ ألم تؤثر وسائل التواصل الحديثة على فهم الناس للطبيعة الحياتية الواقعة عليهم؟
- هذا صحيح، ففى الماضى كان الأشخاص يعتقدون مثلًا أن «الوسواس القهرى» أمر شيطانى يجب أن يلجأوا فيه إلى الدجالين، ثم اكتشفنا فى العصر الحديث أنه عبارة عن خلل فى بعض أنظمة المخ ويحتاج إلى علاج طبى. والجيد فى هذا العصر أن الناس بدأوا فى استيعاب فكرة الإصابة بأمراض نفسية، والبحث عن علاج لها دون تصنيف صاحبها باعتباره مجنونًا.
■ هل حدث تطور فى نظرة المجتمع المصرى إلى الأمراض النفسية؟
- الطب النفسى بدأ يأخذ حقه فى مصر، والنظرة تغيرت إليه فى كثير من المجتمعات لكن المشكلة الحالية هى استمرار ربط المرض النفسى بـ«الغيبيات»، ما يقلل من فائدة العلاج فى بعض الأحيان، خاصة عند ربطه بالجن والأعمال السفلية بدلًا من تقبل التفسيرات الطبية الناتجة عن وجود خلل ما فى كيمياء الجسم.
التأثير السلبى لتلك النظرة، يجعل المرضى يشعرون بوجود خلل فى حياتهم نتيجة شعورهم بأن هناك شيئًا مجهولًا أقوى منهم يتحكم فى إرادتهم وجسدهم، ما يقلل من قدرتهم على المقاومة، على عكس تعاملهم مع الأشياء الملموسة والمحسوسة.
■ ما أسباب تغير هذه النظرة نحو الأفضل؟
- يرجع الأمر فى جزء منه إلى السينما والدراما التى توقفت عن تشويه المرض النفسى وأطبائه مؤخرًا، وبدأت تصحح صورته وتستعين بخبراء نفسيين فى بعض الأعمال، ما جعلها مفيدة فى تغير الصورة.
■ ما أهم الأمراض التى يلجأ فيها المصريون إلى عيادة الطبيب النفسى؟
- نفس الأمراض الشائعة فى الخارج، فهناك القلق بكل أنواعه والاكتئاب وطبعًا سوء استخدام المواد المخدرة التى تزايدت مؤخرًا، مع إقبال كثيرين على تعاطى مادة «الاستروكس» أو «الحشيش المصنع» التى ينتج عنها حالة من الضياع والتوهان. حتى إننى عندما سألت أحد المرضى عن سر استمراره فى تعاطى تلك المادة المخدرة قال لى: «عشان بيخلينى غبى»، بمعنى أنه لا يود التفكير مطلقًا، ويريد فقط الانفصال بالكامل عن الواقع.
وكذلك تعد المشكلات الأسرية، أحد أهم الأسباب التى تدفع المصريين للذهاب إلى إخصائيين نفسيين للحصول على الدعم الذى فقده بعضهم من الأبوين، نظرًا للتحول الذى حدث حاليًا بعدما أصبح كل شخص منعزلًا عن الآخر.
وبعد أن كانت مصر طوال تاريخها تحتضن العالم بتفتحها وتقبلها الآخر، لكن نسيجها الداخلى يعانى حاليًا خللًا واضحًا فى هذا المجال.
■ كم تبلغ نسبة المرضى النفسيين فى مصر؟
- عندما كنت أمينًا عامًا للصحة النفسية بوزارة الصحة، أجرينا دراسة ميدانية على ١٥ ألف مصرى فى ٥ محافظات، هى: الجيزة والفيوم والقليوبية والإسماعيلية والإسكندرية، وتنوعت العينة بين أهل الريف والحضر، لتغطية أكبر شريحة ممكنة من المجتمع المصرى من سن ١٨ إلى ٦٤ عامًا، كشفت عن أن نسبة المرض النفسيين يبلغون حوالى ١٧٪ تقريبًا، وهى نسبة عادية وقريبة من المعدل العالمى.
■ ما أكثر الأمراض النفسية التى تصيب المصريين كما كشفت هذه الدراسة؟
- القلق والاكتئاب، فوحدهما يمثلان نحو ١١٪ من الأمراض الموجودة عند عينة الدراسة، إلى جانب التوتر.
■ هل يمكن القول إن هناك مرضًا عامًا يعانيه المصريون جميعًا؟
- بالطبع لا، فلا يمكن إطلاق أحكام مطلقة فى هذا الشأن، لأن المرض النفسى يتكون من استعداد وراثى وظروف بيئية مساعدة، والتوترات تؤثر فيمن لديهم الاستعداد للمرض لكننا لا نرثه.
■ هل تسبب ارتفاع معدلات الطلاق مؤخرًا فى تزايد أعداد المرضى النفسيين؟
- لا شك أن تهدم الأسرة وتفكك أوصالها ليس أمرًا سهلًا، بل له تأثيرات قوية على جميع الأطراف، فالمرأة تفقد الإحساس بالأمان، والرجل يتحمل أعباء إضافية فى حياته، أما الأطفال فيعتقدون أحيانًا أنهم المتسببون فى خلق المشاكل بين أبويهم ما يؤدى لحدوث خلل فى تركيبتهم النفسية.
وبعضهم يعتقد مستقبلًا أن حياته الزوجية ستنتهى بنفس الشكل المأساوى والعيش دون سند أو أمان، وهو ما يؤثر كثيرًا على أنشطتهم الحياتية وحالتهم الصحية والدراسية، خاصة فى حال ظهور شخصيات جديدة حال زواج الأب أو الأم وعدم تقبلهم.
والأصعب فى الأمر هو ما يحدث من تأثيرات عند تفاقم المشكلات وتطورها إلى نزاعات قانونية أو اقتصادية أو حالات عنف، وهو ما يخلق توترًا كبيرًا يصعب من مهمة تكوين علاقات اجتماعية جديدة وسليمة.
■ نلاحظ حاليًا وجود تأثيرات نفسية سلبية لمواقع التواصل الاجتماعى.. فكيف يمكن تجاوز ذلك؟
- مواقع التواصل الاجتماعى سلاح ذو حدين، وطبيعة كل شخص هى الفيصل الوحيد فى تأثيرها، إما لصالحه أو ضده. وخطورتها تكمن فى جعل الشخص هائمًا فى عالم موازٍ، ما يفقده القدرة على التعامل مع الواقع، فينفصل عنه نتيجة الأفكار الوهمية التى تستحوذ عليه.
■ البعض يتهم هذه المواقع بأنها السبب فى تفشى الإلحاد بين الشباب فى السنوات الأخيرة.. فما رأيك؟
- الإلحاد وجهة نظر فى الحياة، فإيمان الشخص بوجود إله من عدمه رؤية فلسفية، لكن انتشارها فى الفترة الأخيرة راجع إلى محاولات البعض لفت الانتباه والتخلص من القيود الأخلاقية والتجرؤ على القيم الدينية، أو استسلامهم للانسحاق الحضارى أمام الغرب، وبعض هؤلاء فعلًا يحتاج إلى علاج نفسى.
■ كيف يمكننا مواجهة التأثيرات السلبية للتكنولوجيا الحديثة خاصة فى مجال الحرب النفسية ونشر الشائعات؟
- الشائعات جزء لا يتجزأ من تركيبة أى مجتمع، والتعامل معها يحتاج إلى قدر من الشفافية والوضوح ومصارحة الجماهير بالحقيقة من المسئولين، وهذا ما يؤدى إلى اندثار الشائعة التى تنشأ عادة وتنمو فى الظلام.
■ كيف تنظرون كأطباء نفسيين لأزمة محمد صلاح مع مسئولى اتحاد الكرة وتراجع مستواه مؤخرًا؟
- مشكلتنا تكمن فى عدم التعامل مع الأشياء بموضوعية، فنحن نتعامل بشكل عاطفى ونحلم بأشياء كثيرة، ونحمّل اللاعبين أكثر من طاقتهم، وعند الخسارة ننهال عليهم بالإهانات والتقليل من شأنهم، وعلينا أن ندرك أن اللاعب ليس مسئولًا عن تحقيق السعادة للمجتمع.
وهنا يكون على الطب النفسى دور كبير سواء فى تأهيل اللاعبين أو المجتمع لتقبل الخسارة وعدم تهديف نجمهم كما يحدث مع دول أكثر تقدمًا مثل ألمانيا التى خرجت من كأس العالم من الدور الأول، رغم كونها بطلة النسخة السابقة، والبرازيل التى خرجت دون ضجة رغم تاريخها الكبير وكرتها الرائعة.
وهنا يكون علينا أن ندرب اللاعب نفسيًا على بذل أقصى طاقته فى الملعب دون إجهاد نفسى، وحثه على الانضباط وعدم التشتت خارجه، مع دعمه من أجل تحقيق أهداف محددة، وإبعاده عن التشويش والشحن الزائد والإهمال والغرور.
كما أن لطب النفس الرياضى دورًا مهمًا فى علاج بعض المشكلات الفردية التى تظهر لدى بعض اللاعبين، مثل فقدان الثقة والبحث عن المثالية والخوف من العقاب وانتقادات الجماهير وغيرها.
■ ما الذى ينقص الطب النفسى فى مصر؟
- عادة يتفاجأ الجميع عندما نؤكد أن الطب النفسى فى مصر متقدم جدًا ويصل إلى معدلات عالمية، وأن الممارسين له على قدر عالٍ جدًا من الثقافة والعلم ومواكبة التطور، حتى إن بعض المرضى من بريطانيا وأستراليا يأتون إلينا لتلقى العلاج النفسى.
والسبب فى ذلك يرجع للثقافة والقدرة على تفهم نفسية المريض والضغوط التى يمر بها فى مجتمعه وبيئته، وإيجاد حلول مبتكرة فى التعامل معه وتوعيته بطبيعة مرضه والتركيز على نقاط القوة فى شخصيته ومنحه الثقة فى نفسه وحياته.