رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تذكروا آبائنا الذين في السينما


عادة تتصدر الأمومة مشهد الاصالة لكل الاشياء فى حياتنا، نجد مصطلح "امهات الكتب" يطلق على أصل المصادر التاريخية والأدبية وإطلاق مصطلح  "الشركة الام" على الفرع الرئيسي من المنظمة والذي عادة ما يكون الفرع الأقدم، حتى فى مواسير المياه تجد السباك يدلي بالتصريح الأخطر عن سباكة المنزل عندما يؤكد على ان العيب فى الماسورة الام، فتستعد لمواجهة المشاكل الناتجة عن أعمال الحفر لتصليح الماسورة الرئيسية، ولم تغب اهمية دور الأم عن السينما المصرية والعالمية، وكلنا نعلم عن تلك الأهمية ونقدرها حق تقدير، ولكن أفلت من بين ذاكرتنا أهمية دور الأب،  كما لا نلتفت لأباء السينما من حسين رياض وعبد الوارث عسر وغيرهم في حين اننا نتذكر الأمهات مثل امينة رزق وكريمة مختار وفردوس  محمد فورا

بالنظر إلى أداء ممثلين عظماء لدور الأب فى السينما المصرية المتميزين  بصدق أدائهم، منهم- خاصة- الفنان "محمد توفيق" الذى جسد دور الأب الجبان الطيب الذى يغالب صراعه الداخلي بعد ان شهد بالزور أمام مأذون القرية ليزوج ابنته "فؤادة" من عتريس خوفا من بطشه في فيلم" شيء من الخوف" مما جعل الجواز باطل، ولا نتجاهل نظرة عينيه ممتزجة بالبكاء الصامت بلا دموع غير قادر على اعتراض "عتريس" عندما صرح للشيخ عبد التواب إن " أنا جاى الليلة عشان اكتب كتابى على فؤادة" هكذا قرار الطاغية بدون مقدمات، وارتعاشة توفيق أمام ابنته التي صدمته برفضها الزيجة من أحب الرجال الي قلبها وأكثرهم قسوة ، صراع بين حبه وخوفه يجعلك لا تملك إلا التعاطف مع خوف الأب، بخلاف "محمد عبد القدوس" الأب الحر الفري الذى يعامل ابنته "أمينة" أو لبنى عبد العزيز بتطبيق قراءاته وثقافته المتحضرة فى تربيتها بعد ان قضت سنوات عمرها الأولى في كنف عمتها وزوجها حسين رياض الذى اعتادت أمينة وابن عمتها إطلاق لقب "هولاكو" على الأب نظرا لقسوته وتعنته، رغم انه –رياض- كان ابا صالحا وعاشقا لابنته "آمال" أو فاتن حمامة في فيلم "موعد مع الحياة" التى كان منتظر موتها قبل الربيع على حد قوله، فقد كان الفنان "حسين رياض" الأب الرسمي المعتمد لفترة طويلة من تاريخ السينما حتى أنه وصل إلى جيل أبعد من الأبوه إذ قام بدور الجد المغلوب على أمره لماجدة فى فيلم "مراهقات" مما يبرز ويؤكد موهبة رياض في تقلد دور الأب والجد بحرفية بالغة ومنقطعة النظير، وذلك بعد أن قدم دور الأب لسبع بنات مختلفي الأعمار في فيلم "سبع بنات" حيث يواجه الاب تحديات شتى في تدبير أحواله المادية لكي تتلائم مع أشباع حاجات أسرته المكونة من البنات السبع، والذى انصاع خلف رغبة مديره في رفض عريس ابنته، نظرا لتطلع المدير في الحصول عليه لتزويجه ابنته، ابنه المدير الثري الذي يستنكر علاقة احمد رمزي العريس وابن سليل العائلة الارستقراطية بابنة الموظف البسيط، أنطلق رياض بروح الأب المغلوب على أمره والمضطر لإنقاذ منصبه في الشركة بالتضحية بسعادة ابنته في سبيل استمرار حياة اخواتها الست الاخرين، وسرعان ما يعترض على حياة المهانة مفضلا سعادة ابنته ومستقبلها مع من اختارت واحبت

أما عن الفنان الذى نسى شبابة معلقا فى مكان ما وبقت صورة الأب العجوز والفقير المهمش هى كل ما وصلنا عنه،  عبد الوارث عسر والد زهرة العلا الذى أراد تزويجها "عباس الزفر" في فيلم إسماعيل يس في الأسطول، طمعا في ثروة العريس ومضحيا بسعادة ابنته فى نفس الوقت، ومن ثم يعود لصوابه بعد الصفعة الشهيرة على وجه زوجته زينات صدقي التي أعقبتها بزغرودة سعادة وانتشاء،  لينتصر حبه لابنته على جشعه لثراء العريس

هذا  الذى قام بدوره الفنان محمود المليجي والذى يعد من الفنانين الذين لمع نجمهم  فى شيخوختهم بأداء دور الأب أو الجد وقدم اروع أدواره الإنسانية بعد رحلة طويلة قضاها فى تمثيل أدوار الشر والبلطجة وتجارة المخدرات "محمود المليجي" وأقولها وأنا كلي يقين بمدى المشاعر الطيبة التى يحملها هذا الفنان داخله عندما جسد دور والد "يحيى شكري مراد" فى فيلم "إسكندرية ليه" و"إسكندرية كمان وكمان" و"حدوتة مصرية" ثلاثية يوسف شاهين الرائعة،  جسد المليجى شخصية الأب الشريف الذى يعيش فى مجتمع مهزوم يعتقد ان الشرف خطيئة، وتضارب مشاعره بين خوفه على ابنه من السفر والغربة وذات الوقت يحرص على تحقيق حلم الابن، وتتجلى ابوته الطيبة فى المشهد الاخير حيث اتفق مع "يحي" الذى لن يستطيع تمييز والده بين اهالى المسافرين المتراصين على رصيف الميناء، فاتفق على ان "هاشاورلك بالجامد اوى عشان تعرفنى" وكانت لوعته فى وداع ابنه المسافر بمثابة اكتشاف لروح الاب الكامن فى قلب المليجي.