رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تكريم قاتل!


هذا، بالضبط، هو ما فعلته بلدية «الغبيري»، جنوبي العاصمة اللبنانية بيروت، حين أخرجت لسانها للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان، المنعقدة حاليًا في مدينة «لاهاي» الهولندية. وحين أخرجته أيضًا لنصف اللبنانيين، على الأقل، وأطلقت اسم المتهم الرئيسي في قضية اغتيال رفيق الحريري، على أحد شوارعها. ولو رأيت أن المتهم يظل بريئًا، إلى أن تثبت إدانته، يمكنك قراءة العنوان بـ«تنوين» الميم: «تكريمٌ». وإن كانت النتيجة في الحالتين واحدة، لأن تكريم القاتل، سيكون قاتلًا، حين يؤدي إلى «فتنة»، والفتنة، طبعًا، أشد من القتل.

المتهم بالقتل هو مصطفى بدر الدين، القيادي في «حزب الله» اللبناني. أما الضحية أو القتيل، فهو رئيس وزراء لبنان الأسبق، ووالد سعد الحريري، رئيس الوزراء، الحالي أو المُكلَّف، الذي التزم الصمت طويلًا، قبل أن يكتب تعليقًا مقتضبًا، في حسابه على «تويتر»، قال فيه إن «تسمية شارع على اسم مصطفى بدر الدين، أمر مؤسف، هناك أشخاص يريدون أخذ البلد إلى مكان آخر، وعليهم أن يتحملوا مسؤولية ذلك أمام الله سبحانه وتعالى وأمام المواطن اللبناني. نحن نتحدث عن إطفاء الفتنة أما هذا الأمر فهو الفتنة بحد ذاتها».

الاسم الحقيقي لمصطفى بدر الدين هو سامي صعب، وهو كما قلنا قيادي في «حزب الله»، كان عضوًا في مجلس شورى الحزب وقائدًا لعملياته الخارجية. وبين منجزاته أنه تم سجنه في الكويت سنة ١٩٨٣ بسبب ضلوعه، وآخرين، في تنفيذ سبع جرائم تمس البنية التحتية ومنشآت حكومية، وحي سكني وسفارات دول أجنبية. وبعد الغزو العراقي للكويت، سنة ١٩٩٠ تمكن من الهرب إلى إيران، وأعاده الحرس الثوري الإيراني إلى بيروت. وصار قائدًا لعمليات الحزب الخارجية، خلفًا لصهره، عماد مغنية، بعد اغتياله سنة ٢٠٠٨، وأخيرًا، كان القائد العسكري للحزب في سوريا، قبل أن يلقى مصرعه هناك في مايو ٢٠١٦.

لبنانيون كثيرون سبقوك إلى وصف تعليق الحريري الابن بأنه ضعيف، مائع أو غير متناسب مع حجم الكارثة. وسبقوك أيضًا إلى السخرية من نهاد المشنوق، وزير الداخلية، في حكومة تصريف الأعمال، المحسوب على الحريري الابن، الذي يملك صلاحيات رقابية على البلديات، تتيح له الموافقة أو الاعتراض على تسمية الشوارع. غير أن الإنصاف يقتضي الإشارة إلى أن بلدية الغبيري، تخضع لسيطرة ميليشيات حزب الله، وأن وزير الداخلية أو غيره لا يستطيعون فرض أي قرار عليها. بل إن هناك شواهد كثيرة تؤكد أن تلك الميليشيات تسيطر، بتهديد السلاح، على القرار اللبناني، إجمالًا، منذ أسستها إيران سنة ١٩٨٢ لتكون وكيلها السياسي والعسكري في المنطقة. ونشير بالمرة، أن الحزب، «حزب الله اللبناني»، تم إدراجه على قائمة المنظمات الإرهابية لجامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة وفرنسا وكندا و... و... إلخ.

بعد نفيه توقيع قرار يسمح بإطلاق اسم «بدرالدين» على الشارع، طالب «المشنوق» بإزالة اللافتة، غير أن بلدية الغبيري أخرجت له لسانها، أيضًا، وأوضحت أنها «كانت قد وجهت بتاريخ ١٣ يونيو ٢٠١٨ كتابًا إلى الوزارة تعلمها فيه بأن قرار تسمية الشارع أصبح مصدقًا ضمنًا بعد أن مر نحو السنة على تسجيله لدى الوزارة، وذلك وفق المادة (٦٣) التي تعتبر أن القرار يصبح مصدقًا ضمنًا إذا لم تتخذ سلطة الرقابة قرارها بشأنه خلال شهر من تاريخ تسجيله لديها». فكان أن رد المشنوق بتأكيده على «عدم الموافقة على تسمية الشارع، وبالتالي عدم اعتبار القرار مصدقًا ضمنًا»، موضحًا أن وزارة الداخلية لها الحق في أن «ترفض اعتبار عدم البت بالقرار كموافقة ضمنية على تسمية الشارع (...) لا سيما عندما يتعلق الموضوع بخلاف سياسي يتداخل فيه الطابع المذهبي والأمني، وينشأ بموجبه خطر على الأمن والنظام».

لا تفسير، غير «الخوف» من رد الفعل، لعدم اتخاذ «المشنوق» لأي فعل أو رد فعل، طوال سنة، على تسجيل اسم الشارع لدى وزارة الداخلية، وطوال ثلاثة شهور، على إعلام البلدية للوزارة بإطلاق الاسم. ولا يمكن أن تكون للصدفة أي علاقة بتزامن إطلاق الاسم على الشارع، مع بدء المرافعات النهائية أمام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في قضية اغتيال رفيق الحريري، والتي يتهم فيها فريق الادعاء «بدر الدين» بأنه العقل المدبر لعملية الاغتيال، استنادًا إلى أدلة قال إنه جمعها طوال السنوات الماضية، تضمنت أقوال حوالي ٣٠٠ شاهد، وأكثر من ٣ آلاف قرينة. بالإضافة إلى أدلة مادية وفنية تكشف تحركات المتهمين، واستخدامهم أربع شبكات تليفونية مغلقة، في المحيط الجغرافي القريب جدًا من مكان وجود الحريري وتنقلاته في مختلف المناطق اللبنانية.

..وتبقى الإشارة إلى أن جريمة اغتيال رفيق الحريري، التي هزت لبنان والمنطقة كلها، في ١٤ فبراير ٢٠٠٥، والتي لا تزال منظورة، إلى الآن، من المتوقع أن يُصدر قضاة المحكمة الدولية الخمسة حكمهم فيها أوائل السنة القادمة. وبعد صدور الحكم، سيقوم فريق الدفاع عن المتهمين، طبعًا، باستئنافه!.