رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المتحدث باسم الله.. رسائل العشاق إلى الشيخ رفعت

جريدة الدستور

هذه مناسبة خاصة جدًا لا يعرف قدرها إلا العشاق الكبار لصوت قيثارة السماء وسيد المقرئين مولانا الشيخ محمد رفعت، ففى مثل هذه الأيام قبل ٧٥ عامًا شاءت إرادة الله أن يسكت الصوت الذى طالما حلق بسامعيه وأطرب قلوبهم وذهب بعقولهم، وأن يُصاب بذلك المرض اللعين الذى حرمنا من «أعظم من رتّل القرآن» كما وصفه شيخ الأزهر مصطفى المراغى، و«إمام المقرئين» كما لقبته الإذاعة المصرية، و«الصوت الكامل» كما سماه خبير الأصوات د. يوسف شوقى، و«أعظم الأصوات قاطبة» بشهادة الشيخ مصطفى إسماعيل، و«المتحدث باسم الله» كما أطلق عليه كامل الشناوى.
فى مثل هذه الأيام، قبل ٧٥ سنة وفى خريف العام ١٩٤٣ بدأت المحنة الكبرى فى حياة الشيخ رفعت، فقد تسلل السرطان إلى الحنجرة التى سحرت سيدة الغناء أم كلثوم فكانت تتسلل إلى مقصورة النساء فى مسجد «فاضل باشا» لتسمعها وتتعلم منها طريقة صاحبها المعجزة فى الانتقال بين المقامات، وفتنت موسيقار الشرق محمد عبدالوهاب فسعى إليها، وطالما افتخر بتتلمذه عليها: «كنت أستمع إليه وهو يقرأ فأتحول من صديق إلى خادم وأجلس تحت أقدامه وكأنى أتلقى فنون الأداء».

١- المرض أفقده صوته.. لزم الفراش ٨ سنوات.. ورفض أن يمد يده طالبًا العون فى مصاريف علاجه الباهظة

كان الكاتب والناقد والمؤرخ الموسيقى القدير كمال النجمى حاضرًا تلك اللحظة التاريخية المهيبة التى فقد فيها الشيخ رفعت صوته واستعصت عليه القراءة واضطر لأن يغادر الدكة التى جلس عليها طيلة أربعين سنة متصلة يقرأ قرآن الجمعة من مسجد «فاضل باشا» بدرب الجماميز عن المرة الأخيرة التى سمع فيها المحبون صوت الشيخ رفعت وهو يقرأ القرآن كتب النجمى: كان يتلو سورة الكهف فى مسجد «فاضل باشا» يوم الجمعة كعادته، فلما بلغ الآية «واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعا» غص صوته واحتبس فى كلمتين أو ثلاث، فسكت قليلًا يقاوم ما ورد عليه من الغصة والاحتباس، ثم عاد يتلو تلاوة متقطعة حتى ملأت الغصة حلقه وحبست صوته تمامًا، هنا حنى الشيخ العظيم رأسه جريح القلب لا يدرى ماذا يصنع، ثم أخرج من جيبه زجاجة صغيرة فيها سائل أحمر يبدو أنه دواء أحضره له بعض الصيادلة، فاحتسى قليلًا ثم انتظر برهة وعاد يحاول التلاوة، فأطاعه صوته فى آيتين أو ثلاث، ثم قهرته الغصة وكسرت شوكة الدواء الأحمر، فتوقف الشيخ العظيم حائرًا بعض الوقت ثم غادر مجلسه تاركًا إياه لشيخ آخر يتلو ما تيسر من السور. كانت لحظة قاسية عنيفة اهتزت لها أعصاب الحاضرين فى المسجد فضجوا بالبكاء ولطم بعضهم الخدود حزنًا وأسفًا، وارتفع صراخ المقرئين الشبان الذين كانوا يلتفون حول الشيخ العظيم كل جمعة يحاولون أن يتلقنوا بعض أسرار صناعته وفنه وطريقته، وبعد الصلاة خرج الناس وعيونهم فيها الدموع، وقلوبهم تحف بالشيخ الحزين، لا يدرون أيواسونه أم يواسون أنفسهم؟».
كان احتباس صوت الشيخ رفعت حدثا جللا اهتزت له مصر، ولم يكن الطب قد تقدم لتشخيص الحالة بدقة وتوفير الدواء، فراجت حينها تفسيرات خرافية عن تلك «الزغطة» التى حبست صوت الشيخ، وصدق الناس حكاية «ملكة الجن» التى حبست صوت الشيخ عقابًا له على «تزويغ» رعاياها من الجان بسببه وذهابهم لسماعه.
وامتدت المحنة ثمانى سنوات لزم فيها الشيخ الفراش واشتد المرض وتقبله الشيخ راضيًا وأبت عليه عزة نفسه أن يمد يده لأحد طالبا العون فى مصاريف العلاج الباهظة، فباع بيته وقطعة أرض يملكها ولم يقبل التبرعات التى جمعها المحبون له ووصلت إلى ٢٠ ألف جنيه، وبضغط وإلحاح تلميذه وصديقه الشيخ أبوالعينين شعيشع وافق على قبول المعاش الشهرى الذى خصصه له وزير الأوقاف الدسوقى باشا أباظة.
وقبل وفاته بأقل من عام، وفى يوليو ١٩٤٩ نشرت مجلة «المصور» تحقيقان عن مرض الشيخ رفعت ومعاناته، فتبنى الكاتب الصحفى أحمد الصاوى محمد حملة لعلاج الشيخ من خلال اكتتاب شعبى، ونجح فى جمع ٥٠ ألف جنيه، ولما علم الشيخ كتب إليه: أنا مستور والحمد لله ولست فى حاجة إلى هذه التبرعات، والأطباء يعالجوننى ولكنهم لم يستطيعوا وقف هذا المرض ومنعه، كما أن هذه المبالغ أصحابها أولى بها منى، فهم الفقراء والمحبون لصوتى حقا، لكنى الحمد لله لست فى حاجة إلى هذا المال، لأن الشيخ رفعت غنى بكتاب الله ولا تجوز عليه الصدقة، وأعتذر عن عدم قبول هذه التبرعات، ومرضى بيد الله سبحانه وتعالى وهو القادر على شفائى، وإنى أشكر الأستاذ الصاوى وأشكر كل من أسهم فى هذه التبرعات على روحهم الطيبة وحبهم لى».
وكثيرًا ما كان يردد: إن سادن-خادم-القرآن لا يمكن أبدًا أن يًهان أو يُدان.
وبعد ١٠ أشهر رحل الشيخ رفعت فى ٩ مايو ١٩٥٠، اليوم نفسه الذى ولد فيه سنة ١٨٨٢، الفارق فقط أنه ولد لحظة أذان الظهر ومات لحظة أذان الفجر.

٢- كان خبيرًا بالموسيقى.. أم كلثوم استفادت منه ومقاهى المحافظات كانت تعلن الطوارئ وقت قراءته

لم يحظ مقرئ للقرآن بما ناله الشيخ رفعت من شهرة ومجد فى زمانه، كان نجما بمعنى الكلمة ينافس نجوم السينما، بل كان نجوم السينما والغناء أنفسهم يسعون إليه ويطلبون وده ولا يخلو منهم بيته، فكنت تجد فى صالونه أسماء بقيمة نجيب الريحانى وليلى مراد وبديع خيرى وعبدالوهاب وأحمد رامى وأم كلثوم.
كان بيت الشيخ رفعت قبلة لعشاقه ومحبيه.
كان الشيخ يمتلك بيتا فى شارع البغّالة خلف مقام السيدة زينب، رضى الله عنها.. البيت كان مكونا من ثلاثة طوابق، الأول منها يضم ثلاث «منادر» جمع مندرة وهى غرف لاستقبال ضيوف الشيخ وكانوا لا ينقطعون ليلا ونهارا وأغلبهم يأتى دون سابق استئذان ولا معرفة، يأتى حبا فى الشيخ لينال البركة وأغلبهم من البسطاء رقيقى الحال، فكانت موائد الطعام لا تنقطع، وكان يوم الخميس يومًا لا ينسى فى بيت الشيخ رفعت، حيث تقام المقرأة الأسبوعية، فيتجمع حول الشيخ عدد من المقرئين لختم القرآن وتنتهى المقرأة بندوة ثقافية كان يؤمها ويحضرها مشاهير العلماء والمثقفين والفنانين.. منهم شيوخ للأزهر كالمراغى والسمالوطى.. ومنهم كتاب بوزن فكرى أباظة.. وحكى الأستاذ أحمد بهجت أن أم كلثوم ووالدها الشيخ إبراهيم كانا من الضيوف الدائمين على منزل الشيخ رفعت.. واستفادت منه الكثير فى إتقان المقامات.. وكان الشيخ زكريا أحمد كذلك من مريدى الشيخ المزمنين.. ولما أنجبت ابنته بهية ابنتها الكبرى، أول حفيدة للشيخ رفعت، عمل الشيخ زكريا أغنية خاصة للمولودة تقديرًا لجدها وفرحته بها.
وكان الشيخ رفعت خبيرًا بالموسيقى ومقاماتها وأسرارها ويقتنى أسطوانات لسيمفونيات بيتهوفن وموتسارت وباخ، ويحفظ كثيرًا من الموشحات والابتهالات ويتجلى صوته فى ساعات السلطنة فيطرب سامعيه بـ«أراك عصى الدمع» و«حقك أنت المنى والطلب».
وحكى كامل الشناوى أنه فى صباه ذهب لسماع الشيخ رفعت يوم الجمعة بمسجد فاضل باشا، ورغم أنه وصل فى العاشرة صباحا قبل أن يبدأ الشيخ القراءة بساعة كاملة، إلا أنه لم يجد مكانا لقدم وسط الحشود التى فاض بهم المسجد، وفى الجمعة التالية كان عليه أن يحجز له مكانا منذ الثامنة صباحا.
وسمعت من الفنان الكبير حسن يوسف، وكان يسكن بالقرب من بيت الشيخ فى السيدة زينب، أنه وأصدقاءه من صبيان الشارع كانوا يعرفون مواعيد خروج الشيخ رفعت فينتظرونه بشغف أمام بيته، فقط ليتمتعوا بمنظره البهى وطلته الساحرة وأناقته المفرطة.. وأحيانا يتجرأون بالسلام عليه فيحتفى بهم ويُقبل أياديهم فى أبوة غامرة وحنان فياض.
وكانت هناك مقاهٍ عديدة فى محافظات مصر تعلن حالة الطوارئ فى وقت القراءة اليومية للشيخ رفعت فى الإذاعة، فلا تسمح لزبائنها بممارسة ألعاب الكوتشينة والطاولة والدومينو، بل لا يطلبون حتى المشاريب العادية، فحين يقدم المذيع تلاوة الشيخ رفعت يتوقف الزبائن عن الطلبات، ويجلس الجميع وكأن على رءوسهم الطير ينصتون فى خشوع للصوت السماوى.. وكان من أشهر تلك المقاهى «مقهى العمال» فى السيدة زينب و«مقهى النيل» فى منيل الروضة و«البرابرة» فى الفوالة.
كان الشيخ رفعت أول قارئ يصدح صوته بالقرآن الكريم فى الإذاعة المصرية.. صوت قيثارة السماء هو الذى افتتحها يوم ٣١ مايو ١٩٣٤، وتقاضى الشيخ وقتها ثلاثة جنيهات.. زاد الأجر إلى ٢٥ جنيها مقابل قراءة يومية ماعدا الأحد.. واستمر الشيخ ملتزما بتعاقده مع الإذاعة لشهور طويلة، حتى شعر مرة بالغضب فقرر الانسحاب.. أحس الشيخ أن المسئولين بالإذاعة يدللون نجوم الغناء والتمثيل أكثر من المقرئين ويمنحونهم أجورا أعلى فغضب وغار لمهنته ولزملائه وانقطع عن تلاوته اليومية بالإذاعة وانقلبت الدنيا وانهالت الرسائل على الإذاعة تسأل وعلى بيت الشيخ تستفسر وظل الشيخ على موقفه، إلى أن حصل على الترضيات الكاملة وعاد صوته إلى جمهوره على امتداد القطر المصرى.
فترة الانقطاع تلك كانت قاسية على عشاق صوت الشيخ رفعت الذين ارتبطوا به وبات ضيفا يوميا كريما عليهم.. وحدث وقتها أن قام مشترو أجهزة الراديو الجديدة بردها إلى المحلات واستعادة ثمنها، لأنهم لم يجدوا فيها الشيخ رفعت.

3- المريدون: حين سمعناك خُيِّل إلينا أننا فى الجنة

مازالت أسرة الشيخ تحتفظ بمئات الخطابات التى تلقاها الشيخ تستحثه على العودة للإذاعة المصرية ومئات أخرى من الخطابات تهنئه بالاستجابة ووصل ما انقطع.. نختار من كومة الخطابات.. مرسله حسين إبراهيم محمد، ساعاتى من الإسكندرية «بجوار قهوة الحضرى بالباب الجديد» وتاريخه ١٩ أبريل ١٩٣٧ ونصه «جناب الأستاذ الكبير والشيخ الجليل الشيخ محمد رفعت أدامه الله لنا معافى معززا مكرما.. سلاما واحتراما وتهنئة مباركة لشخصكم الباهى الزاهر لعودتكم إلى الإذاعة الحكومية المصرية، وإنى أعترف لكم عنى وعن جميع طبقات الأمة المصرية بأننا كنا مدة انقطاعكم عن الإذاعة مثل اليتامى.. فالآن نهنئ أنفسنا وذاتكم السعيدة بالعودة والسلام».
ويكتب إليه خليل محمد البدراوى تاجر البقالة بالغربية:
«وبعد: يحزننى كثيرا بعد أن ذوى نجمكم عنا وعن العالم الإسلامى بأسره أسبوعين تملكت فى إثنائها بنا الشكوك والظنون.. وخيل إلينا أن ننهال بمعول الكسر والتخريب على الراديو، فلا فائدة لنا منه بعد أن ذوى نجم الأستاذ محمد رفعت».
كان ساعى البريد لا ينقطع عن بيت الشيخ يحمل له رسائل محبيه من مصر وخارجها.. كانوا يتعاملون معه كأنه نجم من نجوم السينما.. أرسل إليه الأسطى حسن السيد شحاتة من بورسعيد «وأطلب منك يا أستاذنا المحبوب شيئا صغيرا جدا هو أن ترسل لنا صورتك بالبريد لأننا مشتاقين إلى رؤيتك لأجل عندما تتلو علينا القرآن «من الراديو» نضعها أمامنا كأننا نراك» ١٤ ديسمبر ١٩٣٥.
وعلى طريقة «ما يطلبه المستمعون» كان الشيخ يتلقى رسائل عشاق صوته يطلبون منه أن يقرأ فى فقرته اليومية بالإذاعة سورًا بعينها.. يكتب إليه الحاج إبراهيم جنيدى، تاجر وقومسينجى، من بورسعيد: «لقد كان لنا الشرف العظيم إذ تشرفت أنا وبعض إخوتى البورسعيديين بالحضور إلى مسجد الأمير مصطفى فاضل باشا يوم الجمعة الماضى وقد حضرنا خصيصا لسماع فضيلة الأستاذ المحبوب ولا أقدر أن أصف لك يا سيدى شعورنا حينما تشرفنا بتقبيل يدك الكريمة وحينما سمعنا ما تيسر من أول سورة الكهف، حتى لقد خُيل إلينا أننا فى الجنة.. سيدى الأستاذ أرجوك كل الرجاء وأستحلفك بالله العظيم وبحق سيد المرسلين أن تقرأ يوم الجمعة الآتى- يعنى باكر- ما تيسر من أول سورة الكهف بالإذاعة، لأننا رجعنا بور سعيد ومازلنا مشتاقين جدا لسماع هذه السورة الكريمة».
أما مصطفى رياض من الإسكندرية فيطلب «باسم لفيف من أهالى مينا البصل أن نسمع من أعظم مقرئ سمعه الناس جميعا فى أول إذاعة أول سورة الحج».
ومن حسن البنا باشكاتب تفتيش المينا ببورسعيد يتلقى الشيخ هذه الرسالة: «زارنى حضرة الأستاذ الشيخ شلبى (من السياق نفهم أنه مقرئ من أصدقاء الشيخ رفعت) بالمكتب اليوم وهو يسلم على حضرتكم كثيرا جدا وهو حاضر تسطير كتابى هذا لكم وهو يقول لحضرتكم بأمارة خضر أفندى لما عمل لكم تليفون ولم يجدكم فإنه يطلب من حضرتكم الطلب الآتى وهو بالحرف الواحد كما قاله لى من فمه: اكتب يا حسن أفندى للأستاذ رفعت وقل له بيقول لك الشيخ شلبى إذا كنت مبسوط ومفرفش والغزالة سارحة اعمل معروف واقرأ لنا سورة النحل مساء باكر الجمعة بمحطة الإذاعة».
أما محمد على حسن، من أعيان بندر منوف فيطلب من الشيخ ويتمنى عليه أن يقرأ سورة «القمر».
والمدهش أن الشيخ كان يستجيب لرغبات دراويشه وعشاقه، كما يتضح من رسالة لمحمد دسوقى، وكيل مجلة الإسلام بمغاغة: «واجب علينا أن نشكرك لتلبية طلبنا بقراءة آخر سورة الأنعام، كما طلبنا ذلك بخطابنا السابق وأجبتم دعوتنا فى هذه الليلة بمحطة الإذاعة.. فإننا نشكرك ما حيينا».
كان للشيخ رفعت دراويش وعشاق يتبعونه أينما رتل القرآن وجوّده، وكثير منهم كان يعتبره «وليا» من أصحاب الكرامات والرسائل الإلهية والخوارق، وكان الشيخ متصوفا حقيقيا ويتبع الطريقة النقشبندية وله خلوات طويلة يتفرغ فيها لمناجاة الله.
يحكون عنه: كان الشيخ يعتكف فى بيته فى الأيام التى لا توجد فيها سهرات وقراءة، فكان معتكفا يوما وفجأة قام واستدعى ولده الأكبر محمد وطلب منه أن يجهز «الكارتة» فسأله محمد: إلى أين يا والدى.. ألست معتكفا؟ فقال الشيخ: إنها مشيئة الله، وخرج مع ابنه وأثناء السير قال له ابنه: إلى أين نسير؟ أجابه: إلى أن يشاء الله، وأخذا يسيران حتى قال له الشيخ فجأة: قف هنا.. وسأل ولده: أين نحن الآن، أجابه: أمام مسجد السيدة زينب، فقال له الشيخ: توجه إلى الشارع الجانبى، ثم أوقفه فوجد سرادقا للعزاء، قال الشيخ: أنزلنى هنا، ودخل السرادق فوقف الناس تبجيلا للشيخ الذى طلب ابن المتوفى، وعاتبه قائلا: إنت مش عندك وصية إنى أقرأ فى مأتم أبوك؟.. رد الولد فى دهشة: فعلا.. ولكنها وصية بينى وبين أبى عرفت إزاى؟.. وواصل الشيخ: مانفذتش الوصية ليه؟ أجابه بانكسار: العين بصيرة والإيد قصيرة يا مولانا.. قال الشيخ بحدة: مين قال لك إنى عايز فلوس؟.. وقرأ الشيخ ليلتها وأبدع.
وكان أكبر أمل للشيخ أن يديم الله عليه صوته ويظل خادما للقرآن حتى آخر نفس فى حياته، ولكن إرادة الله شاءت أن يحتبس الصوت المعجز لثمانى سنوات.. لكن يظل الشيخ رفعت بما تركه سيدًا للمقرئين.. ومتحدثا باسم الله.