رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«مو» ينتصر.. كيف يعود محمد صلاح إلى القمة؟

جريدة الدستور

ظهر نجمنا المصرى محمد صلاح أمام باريس سان جيرمان بدورى أبطال أوروبا، أمس الأول، فى أسوأ حالاته مع فريقه ليفربول منذ قدومه، إذ تسبب فى هدف التعادل للفريق الفرنسى، قبل أن يستبدله مدربه ويعود فريقه للتفوق فى غيابه.
لم تكن مباراة باريس هى المعبر الوحيد عن الحالة السيئة التى يمر بها محمد صلاح منذ انطلاقة الموسم الجارى، وأدت بالطبع لظهوره على غير عادته، بل إن مبارياته السابقة تشهد على ذلك.
ماذا جرى لمحمد صلاح؟، وهل تراجع مستواه؟، وكيف يتغلب على الأزمات التى يعانيها؟.. هذه وغيرها من التساؤلات تُجيب عنها «الدستور» فى التقرير التالى.

1- أسباب التراجع: فقدان فن التعامل مع الضغوط.. تبدل خطط الخصوم.. وسعيه للتهديف جاء بنتائج عكسية
عندما جاء نجم منتخبنا المصرى إلى ليفربول قادمًا من روما الإيطالى، كانت أقصى أمانيه امتلاك مكانة أساسية فى تشكيل الفريق.
سعى أن يكون لاعبًا مؤثرًا إلى جوار زملائه، ولم يدر أن القدر يسوق له أجمل الأوقات بالتألق واعتلاء سماء المدينة التى باتت تتغنى باسمه.
بعد ذلك ارتفع سقف الطموح الجماهيرى الذى يُحيط بـ«صلاح» ويشكل مكونًا بارزًا فى منظومته الناجحة، ولم يعد مقبولًا حتى فكرة التوقف عن التسجيل مباراة واحدة، ولما امتدت لمباراتين أُثيرت الشكوك هنا وهناك، بينما كان صيامه التهديفى للمباراة الثالثة على التوالى، بمثابة الزلزال الذى أثار براكين وقلاقل الجميع حول قدرة صلاح على الاستمرارية، وهذا ما حذرنا منه من ذى قبل هنا فى «الدستور» فى تقرير كان عنوانه «مستقبل مو.. ماذا ينتظر صلاح فى ٢٠١٩؟».
بلا شك ولّدت تلك الطموحات التى علت ولم تعد لها حدود، ضغوطًا كبيرة على صلاح وتسبب بشكل كبير فى فقدان التركيز بعض الشىء، فهو أصبح ساعيًا للتسجيل، يبحث طوال الوقت عن إيجاد الفرصة التى تربطه بالشباك، بعدما كانت هى التى تبحث عنه.
هناك قاعدة فى كرة القدم يعرفها الأساطير: «عندما تبحث عن الهدف يلفظك، وعندما تلعب بشكل جماعى ستجد نفسك أمام مرمى خاليًا تسجل بسهولة، وهذا ما يجب أن يؤمن به صلاح وألا ينشغل بالتسجيل».
إلى جانب الضغوط التى تعرض لها صلاح، واجه نجمنا صعوبات أكبر مع انطلاقة الموسم تمثلت فى تبدل استراتيجيات مدربى الخصوم، فلم يعد التعامل مع صلاح الوافد من الدورى الإيطالى كما التعامل مع هداف وأفضل لاعب بالدورى الإنجليزى والمرشح للكرة الذهبية، فأولئك أمثال رونالدو وميسى يتطلبون خططًا من نوع خاص، وحسابات بعينها.
هذا ما عاناه صلاح فأصبح الخصوم يبنون كل شىء دفاعيًا على إمكانية تعطيل صلاح، وتكليف الخط الخلفى ولاعبى الوسط بممارسة ضغط جماعى، عوضًا عن وجود أفضل وأسرع المدافعين دائمًا بمقربة منه، وتعامل المدافعين معه بخشونة كبيرة وتركيز غير عادى كما البدايات، وهنا برزت صعوبات كبيرة وضاقت المساحات أمام صلاح بشكل أكبر.
صبحى: «إحنا معاك»

2- ظاهرة مانى مشروعة.. وليفربول ليس فريق النجم الأوحد

تأثر صلاح أيضًا بالحالة الجديدة التى ظهرت على ساديو مانى، النجم السنغالى المتمرد، الذى لم يخف غيرته من صلاح داخل الملعب بصورة استفزت مدربه يورجن كلوب الذى اعترض على الخطوط.
الأزمة لدى مانى ليست مقتصرة على أنانيته تجاه صلاح فحسب، فهذا يستطيع إخفاءه مستقبلًا، بينما ما لم يلحظه الكثيرون هو التغيير الفنى الكبير فى طريقة لعب مانى. مانى لم يعد يقوم بذات أدوار الموسم الماضى، تلك الأدوار التى يبذل خلالها جهدًا بدنيًا كبيرًا على الأطراف، يتسلم الكرة من الوسط، يراوغ لاعبين وثلاثة ويقطع مسافات كبيرة وصراعات جسدية قوية، أسهمت فى خلق المساحات لزملائه وتفرغة المناطق لصلاح كى يسجل. يؤمن مانى بأنه يبذل، بينما يجنى صلاح الثمار، وهذا دعاه إلى إعادة التفكير فى طريقة لعبه لمن يركز بشكل تفصيلى ودقيق.. كيف؟
مانى لم يعد مشغولًا بمعارك الوسط ولا تجد له أدوارًا كثيرة على الأطراف، وأصبح وجوده فى العمق وبالقرب من منطقة جزاء الخصم يضاهى مرات وجود صلاح، بل فاقها فى أوقات كثيرة.
نعم أيقن مانى أنه ما ينبغى أن يجرى كثيرًا فى الخلف، وأن يركز فى الوجود بالقرب من مناطق الخطورة للحصول على الفرص ذاتها التى ينالها صلاح أمام المرمى، لذلك سجل ٤ أهداف وأضاع مثلها، وأصبحت لديه الفرصة للتفوق على الفرعون.
طوال فترة مشاركته مع ريال مدريد لم يسجل كريم بنزيما ١٥٪ من الأهداف التى كان يسجلها كريستيانو رونالدو فى الموسم الواحد، رغم امتلاك الفرنسى قدرات فنية رائعة، وتهديفية تؤهله للمنافسة على لقب الهداف فى أى مكان كما هو الحال الآن فى الليجا الإسبانية مع ليونيل ميسى بعد رحيل رونالدو.
لكن آمن بنزيما كما خطط مدربه، بأن دوره الأبرز للتخديم على المنظومة الجماعية هو تفريغ المساحات لرونالدو، وتخفيف الأعباء والضغوط الدفاعية عليه، فقل نتاجه التهديفى، وبلغ عطاء الجماعة ما لم يتوقعه أحد بالتتويج بثلاثية أوروبية، ورفع الجميع لبنزيما القبعة على ما قدمه من أدوار منحت رونالدو الإعجاز فى عمر متقدم.
وهل مانى مثل بنزيما؟
ما يجب أن يستوعبه محمد صلاح، أن ليفربول ليس فريق النجم الأوحد، وأن طريقة يورجن كلوب ليست كطريقة زيدان فى ريال مدريد أو فالفيردى فى برشلونة التى تعتمد بالأساس على النجم الأوحد وتخديم المنظومة بكاملها عليه من أجل صناعة الفارق.
ليفربول مع كلوب هو كتلة جماعية هجومًا ودفاعًا، يؤمن بأن دورى فيرمينيو ومانى لا يقلان بأى شىء عما يقدمه صلاح ولو فاقهما تهديفيًا، لذلك لن يحول مانى مع صلاح كبنزيما مع رونالدو، وهذا الأمر تبدى للجميع عندما رفض تفضيل صلاح على السنغالى فى تصويب ضربات الجزاء التى طمع فيها ساديو أيضًا.
رسالة كلوب لصلاح كانت واضحة: «لست المفضل، أنت ومانى معًا، والفوز هدفى، بعيدًا عن الأرقام الفردية».
رأى كلوب فى تصريحاته مؤخرًا أن أنانية مانى مشروعة، وقال إن المهاجم ينبغى أن يكون جشعًا فى أحيان كثيرة أمام المرمى، ويؤمن تمامًا بأن تركيز مانى الشديد فى الحصول على أماكن تؤهله للتسجيل سيزيد الغلة التهديفية للفريق، لذلك لن يقف عائقًا أمامه، ولن يسخره لخدمة صلاح.

3- قاموس جوارديولا وتجربة رونالدو يُعيدان التألق

إذن هل انتهت ظاهرة صلاح، وسيكون الموسم الماضى استثنائيًا؟
بالطبع هذا كلام غير علمى، ومجرد من المنطق، وإن ظل تساؤلًا مشروعًا، لكن ما يعيشه صلاح الآن هو أمر بيولوجى فى كرة القدم، يتكرر بشكل ممل.
النجوم يصلون إلى القمة، ويتعرضون لضغوط ومطالب عالية يتعطلون معها قليلًا وربما يطول الوقت شيئًا ما، ومع تراجع السقف وتدنى الضغوط تُتاح المساحات ويعود التركيز وتنطلق النجاحات مرة أخرى.
إذن.. كيف يتعامل صلاح مع الواقع؟
صلاح مطالب أولًا وقبل كل شىء أن يُجرد ذاته من الضغوط بعدم التفكير فى التسجيل وزيادة الأرقام الفردية، وبدلًا من البحث عن صناعة الأشياء الصعبة، فعليه اعتياد السهل الممتنع.
يقول بيب جوارديولا: تعلمنا فى لامسيا صغارًا على يد الأسطورة يوهان كرويف، أن أصعب شىء فى كرة القدم هو السهل الممتنع، وأنه الطريق للمعجزات.
ويؤكد وجهة النظر تلك بالقول: «ميسى الأفضل فى العالم ليس لأنه يراوغ الجميع ويسجل فى مواقف صعبة.. بل لأنه يفعل الأمور السهلة بإتقان شديد وأفضل من أى لاعب آخر».
تلك النصائح، والأقاويل بها الكثير من المعانى التى سيجد فيها صلاح الطريق إلى التجرد من الضغوط الكبيرة نفسيًا وفنيًا، فعليه فقط بلعب السهل الممتنع، أن يتحرك كثيرًا ويمرر لزملائه ببساطة، وأن يبتعد عن فكرة خلق المواقف الصعبة والمعقدة.
عليه أيضًا ألا يظهر منكسرًا، ضعيفًا، حتى لو كان أداؤه متراجعًا، فهذا يمنح خصومه ثقة كبيرة، ويجعلهم واثقين فى توقيفه.
تعرض النجم البرتغالى كريستيانو رونالدو لضغوط لم يعرفها أى لاعب قبله، طالب جمهوره فى مدريد برحيله إلى الدورى الصينى، وصفوه بالمنتهى، وكان أداؤه قمة السوء وتمر مباريات كثيرة دون شىء يقدمه، لكنه دائمًا يخرج برأس مرفوعة ولغة طموحة غير منكسرة: «أنا الدون.. ما زلت أفضل لاعب فى العالم فى آخر ٢٠ عامًا».
قدم رونالدو للعالم فى تعامله مع الأزمات والضغوط درسًا جديدًا، مارس قوة شخصيته وكبرياءه على الجميع، زرع الثقة فى نفسه قبل أى شخص آخر، وأوقف كل الشكوك التى كادت تتسرب فتنهش أقوى أجساد المستطيل الأخضر.
بينما على الجهة الأخرى رأينا نجمًا آخر هو ليونيل ميسى، يراوغ الجميع، ويصنع العجب، لكنه لا يستطيع تحمل الضغوط الكبيرة عندما يذهب إلى منتخب بلاده، أو حتى عندما تسوء نتائج فريقه، لا يمتلك نفس المقومات الشخصية للبرتغالى الذى يبعد عن موهبة الأرجنتينى بسنوات ضوئية ورغم ذلك قارب أرقامه وفاقها أحيانًا.

أعلن الدكتور أشرف صبحى، وزير الشباب والرياضة دعمه، للنجم محمد صلاح، صانع لعب المنتخب الوطنى، وفريق ليفربول الإنجليزى، بعد تراجع مستواه فى الفترة الأخيرة، وغيابه عن التهديف فى المباريات الماضية.وكتب «صبحى» على حسابه الشخصى بـ«فيس بوك»: «كابتن محمد صلاح إحنا معاك، وبندعمك مفيش حاجة تؤثر عليك»، وتابع «أنت من أحسن لاعبى العالم ونموذج لشباب مصر».