رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أحزان سمعة.. حفيدة إسماعيل يس تتحدث فى ذكرى ميلاد الجد الضاحك

إسماعيل يس
إسماعيل يس

سارة يس: عمل فى قهوة بلدى ولدى رقاصة ومحام قبل النجومية

رغم طفولته البائسة، وحياته التى لم تبتسم له سوى على استحياء، حفر إسماعيل يس- الذى مر قبل أيام عيد ميلاده الـ١٠٦ حيث ولد فى ١٥ سبتمبر ١٩١٢- اسمه بحروف من ذهب فى سطور الفن العربى بصفة عامة والمصرى خصوصًا، فمَنْ منا لم يضحك من قلبه بمجرد ظهور «أبوضحكة جنان» أمامه على التليفزيون، مَنْ منا لا يتذكر على الأقل مشهدًا واحدًا له؟. ومع كل الأحزان التى عاشها فى سنوات عمره الأولى، استطاع «سمعة» إضحاك الجميع، مستعينا فى ذلك بموهبة جعلت البعض يصنفه على أنه «الكوميديان الأبرز فى تاريخ مصر»، رغم حلمه الأول بأن يكون «منافس عبدالوهاب فى الغناء». ما قصة بدايته مع الغناء؟ وكيف تحولت دفته إلى «المونولوجستات» والأفلام الكوميدية؟ هل صحيح أن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر استولى على أمواله؟ مَن مِن الوسط الفنى الأقرب إلى قلبه؟
أسئلة وجهتها «الدستور» لحفيدته «سارة» التى فتحت قلبها وحكت فى حوار كشفت فيه العديد من المشاهد المجهولة فى حياة «أبوضحكة جنان».
■ بداية.. كيف كانت بدايات إسماعيل يس؟
- وُلد جدى فى ١٥ سبتمبر عام ١٩١٢، بمحافظة السويس، لكن بعد وفاة والدته وإفلاس والده ودخوله السجن عقب تراكم الديون عليه قضى طفولة بائسة، اضطر معها إلى العمل مناديًا أمام محل لبيع الأقمشة.
بصراحة بداياته كانت صعبة ومؤلمة، إذ تحمل مسئولية نفسه صغيرًا، وكافح فى حياته وبدأ من الصفر، حتى حفر اسمه ووصل إلى قلوب الجميع، والآن يعتبره الجمهور رمزًا للكوميديا، بينما يراه البعض «أعظم فنان كوميدى فى تاريخ مصر».
■ متى جذبه الفن؟
- منذ الطفولة، إذ كان يعشق أغانى الموسيقار الكبير محمد عبدالوهاب، وقاده طموحه إلى الحلم بأن يكون مطربًا منافسًا له، لذا عندما بلغ عامه السابع عشر اتجه إلى القاهرة، وعمل فى أحد مقاهى شارع محمد على، وأقام داخل فندق شعبى هناك.
وبعد فترة قصيرة، التحق بالعمل لدى إحدى الراقصات، ولكنه لم يحصل منها على ما يكفيه من المال، فتركها وعمل وكيلًا فى مكتب أحد المحامين، بحثًا عن لقمة العيش.
وعندما وصل طموحه فى الغناء إلى ذروته ذهب إلى بديعة مصابنى، وهناك اكتشفه المؤلف الكوميدى أبوالسعود الإبيارى، صديق عمره وشريك رحلة كفاحه الفنية، الذى كون معه ثنائيا فنيا تربع على عرش الكوميديا فى مصر لسنوات. واقترح «الإبيارى» على «مصابنى» أن تضم إسماعيل يس إلى فرقتها للعمل «مونولوجست»، وبالفعل عمل جدى لدى فرقة بديعة، حتى شاهده ذات مرة الفنان الكبير أنور وجدى، فأعجب بموهبته وتلقائيته و«خفة دمه»، فقرر الاستعانة به فى أحد أفلامه.
■ إذن.. كانت هذه هى البداية الحقيقية لانطلاقة إسماعيل يس نحو النجومية؟
- نعم، كانت البداية، لكن الانطلاقة الحقيقية عندما أنتج له أنور وجدى أول فيلم من بطولته، وكان ذلك عام ١٩٤٩ فى فيلم «الناصح»، أمام الوجه الجديد آنذاك ماجدة الصباحى.
ورغم عدم تمتع إسماعيل يس بالوسامة، فإنه جذب إليه الجماهير بسرعة فائقة، حتى أصبح خلال أشهر قليلة نجما لشباك التذاكر، تتهافت الجماهير عليه للحصول على صورة معه أو توقيع «أوتوجراف» منه.
وفى تلك الفترة تنافس المنتجون السينمائيون فيما بينهم على التعاقد معه، وهذا انعكس على عدد أفلامه، الذى بلغ ١٦ فيلما فى العام الواحد وهو ما لم يستطع أى فنان آخر أن يحققه حتى الآن.
■ ماذا عن علاقاته العاطفية؟
- تزوج إسماعيل يس ٣ مرات، الأولى من خارج الوسط الفنى، ولم يستمر ذلك الزواج كثيرًا، والثانية كانت من المونولوجست سعاد وجدى، لكنه انفصل عنها بعد شهرين من الزواج، أما الأخيرة فكانت السيدة فوزية، التى أنجبت له ابنه الوحيد يس.
■ ما قصة سلسلة أفلامه الخاصة بالقوات المسلحة؟
- كان الرئيس الراحل جمال عبدالناصر يؤسس لبناء جيش قوى بعد ثورة يوليو ١٩٥٢، لذا طلب من إسماعيل يس تقديم سلسلة أفلام «تحبب» الشعب فى الجيش والتطوع للتجنيد. هذه الأفلام لم تكن كأى عمل فنى آخر، وخضعت لرقابة صارمة من رئاسة الجمهورية، وحملت رسائل خاصة للشعب، وأكبر دليل على ذلك أننا تعلمنا منها حب الوطن، وأن الجندية المصرية شرف لكل مواطن.
ليس ذلك فحسب، بل تعلمنا أيضًا كيف تؤثر هذه الأفلام فى شخصية المشاهد، إذ تحوله من شخص مدنى ليس لديه هدف، إلى عسكرى بعد انضمامه للقوات المسلحة، ليصبح رجلًا يعتمد عليه.
■ ولماذا فضل شخصية الجندى بصورة كوميدية فى هذه الأفلام؟
- لم يفضل ذلك، لكن سلسلة أفلام الجيش أو البوليس طلب منه تنفيذها بالصورة التى قدمت بها، وذلك بهدف مخاطبة الشعب بطريقة تحببه فى التجنيد، وأسهل طريقة لتحقيق ذلك كانت الكوميديا.
وأكبر دليل على ذلك هو طبيعة الشخصيات التى قدمها جدى فى هذه الأفلام، إذ كان يدخل فى بداية العمل مجندًا خائفًا صاحب شخصية ضعيفة، ليخرج من الجيش وهو صاحب شخصية جادة وقوية وسوية وإيجابية، وهذا ما يتصف به جيشنا العظيم، يدخله الشباب ليخرجوا منه رجالًا يقودون البلد نحو الأمام.
■ كيف كان رد فعل الرئيس جمال عبدالناصر تجاه تلك الأفلام؟
- حكى لى جدى أن الزعيم الراحل كان يحب تلك الأفلام بصورة كبيرة، واعترف له شخصيا بذلك، بحكم العلاقة التى كانت تربط بين الاثنين الفنان والرئيس، وهذا ما انعكس على تكريم إسماعيل يس من «ناصر» أكثر من مرة. وحضر الرئيس عبدالناصر عددًا كبيرًا من افتتاح هذه الأفلام، وكان أبرزها العرض الخاص لفيلم «إسماعيل يس فى الجيش»، بسينما «ديانا» فى منطقة وسط القاهرة.
■ لكن البعض ادعى أن «ناصر» استولى على أموال جدك بسبب «نكتة»؟
- هذا كلام عار تمامًا من الصحة، ولا علاقة للزعيم الراحل بالاستيلاء على أموال إسماعيل يس، لكن الضرائب هى التى تسببت فى هذا نتيجة تقديراتها العشوائية، التى تسببت فى إصابته بشلل مؤقت، عندما علم من البنك أن رصيده الذى كان يبلغ وقتها ٣٠٠ ألف جنيه وصل إلى جنيهين ونصف الجنيه، ورغم علاقته الجيدة بـ«عبدالناصر» فإنه لم يلجأ إليه إلا مرة واحدة، عندما تحفظ محافظ القاهرة على سيارته «عنوةً» فقرر الزعيم الراحل إعادتها إليه.
■ هل وجد الفنان الراحل التكريم اللائق بتاريخه؟
- لا، لم يكرَّم بالشكل اللائق لتاريخه الفنى العظيم، ولما قدمه من سلسلة أفلام تعتبر «أعمالا قومية»، فى حين كرمت الدولة أسماء كثيرة ليست فى قيمة إسماعيل يس، رغم أنه تبرع بألفى جنيه ومات وهو لا يملك شيئا، لذا أطالب مجلس النواب بتفعيل قانون «حق الأداء العلنى لأسر الفنانين»، حتى تستعيد أسرهم جزءا من حقوقهم المادية والأدبية.
■ ما أكثر مراحل حياة إسماعيل يس تأثيرًا فيه؟
- هناك فترات ومراحل عديدة تأثر بها الفنان الراحل، منها بداية طريقه، وبعدما لمع نجمه وأصبح فى قمته، ثم جاءت فترة الستينيات، التى بدأ خلالها بعض الفنانين فى محاربته بهدف إظهار آخرين اعتبروه عائقًا أمام ظهورهم الفنى. كانت تأتيه سيناريوهات عديدة من المنتجين، لكن فجأة يختفى المنتج ولا يستكمل العمل، وهو ما تسبب فى إيذائه نفسيًا، حتى أحس بأن البساط انسحب من تحت قدميه، إلى أن تغير كل ذلك بمجرد سفره إلى لبنان، ليبدأ هناك مرحلة جديدة من حياته.
■ ما أبرز الأزمات التى تعرض لها؟
- عندما عاد جدى من لبنان علم أن «الضرائب» جهزت تقديرًا جزافيًا، ودخلت على حسابه فى البنك وسحبت مبلغًا كبيرًا منه، كان قرابة ٣٠٠ ألف جنيه، وتركوا له فى الحساب جنيهين ونصف الجنيه، حينها أصيب بشلل مؤقت من الصدمة، كما سبق أن قلت. وبعدما تعافى منه قرر أن يعوض خسارته، نزل العمل مرة أخرى، لكنه مر بفترة صعبة عندما شعر أنه كبر والأضواء بدأت تتخلى عنه، وهذا أثر نفسيًا عليه بشكل كبير، وكان أصعب شىء بالنسبة له أن يضطر لتقديم فن المنولوج ثانية، إلا أنه وافق فى النهاية، رغمًا عنه، حتى يحافظ على المستوى المعيشى لعائلته.
■ كيف كانت علاقته بزملائه الفنانين؟
- كان محبوبًا من الجميع، والفنانة خيرية أحمد دائمًا ما تذكر قصصًا عن علاقاته بزملائه، ومن بينها ما حدث مع أبوالسعود الإبيارى، الذى كان «حريصًا» مع أعضاء الفرقة، ما دفعهم لأن يشتكوا لـ«إسماعيل»، فما كان منه إلا أن دفع المبلغ من جيبه الخاص. وهكذا كان دائمًا ما يقف مع الفنانين فى ظروفهم الخاصة ويقدم لهم يد المساعدة.
■ كيف مرت الأيام الأخيرة فى حياته؟
- كان يصور فيلم «المال والضياع»، الذى لم يستكمله واضطروا للاستعانة بـ«دوبلير» بدلًا منه، بسبب معاناته من «القلب» و«النقرس» الذى سبب له آلامًا شديدة لدرجة أن قدميه كانتا تتورمان بصورة كبيرة ما يضطرهم لـ«قص بنطلونه» عند تغييره، بجانب عدم قدرته على الوقوف فى بعض الأحيان. وبسبب قلة الأعمال المعروضة عليه ووفاة صديقه الأقرب إلى قلبه فطين عبدالوهاب آنذاك واشتداد المرض عليه، أصيب باكتئاب وإحباط شديدين، فتوجه إلى الإسكندرية، وبعد عودته توفى فورا، وذلك بعد ١٠ أيام فقط من وفاة «فطين».