رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

صباح الفل.. ومساء الخير


تغير قاموس حوار المصريين منذ سنوات بفعل فاعل، تغير شيئًا فشيئًا.. ولا تزال هناك محاولات لإضعاف كلمات كنا نستخدمها فى حياتنا اليومية، وكانت كلمات جميلة تحمل معها التفاؤل والأمل، وحتى فى أحلك الظروف كان الحوار بين المصريين يحمل معه الأمانى الطيبة.. ما يجعلنى أتوقف قليلًا لاستدعى كلمات جميلة كنا نستخدمها، ثم ما لبث أن تغير هذا الأسلوب المبهج إلى كلمات ونصائح تحت عنوان الدين والحلال والحرام بغية تغيير ثقافة المصريين التى شبوا عليها.
مثلًا كنا حينما نلتقى صباحًا فى أى مكان فى العمل أو البيت أو بين الجيران والأصدقاء والأهل، كنا نقول: صباح الخير أو صباح الفل، وفى وسط النهار نقول سعيدة أو إزيك.. أو أهلًا وسهلًا.. أو نهارك سعيد.. أو عامل إيه؟ وفى المساء حينما نلتقى كانت التحية السائدة هى: مساء الخير أو مساء الفل أو مساء جميل.. كانت الحياة أكثر بساطة وأكثر سلاسة، وكان الناس يربون أولادهم على الطيبة والشهامة واحترام الكبير، وكان الرجل يعطى مقعده عن طيب خاطر للسيدة إذا ما كانت واقفة فى المواصلات، لأنه كان يعتبر ذلك من الشهامة المصرية.. فكان من ضمن العبارات التى تتردد فى هذا الإطار عبارة: السيدات أولًا.. وكان المدرسون فى مدرستنا يثنون على المتفوق والمهذب، وكانوا يهتمون بالمتفوقين، وينصحوننا فى المدرسة بمكارم الأخلاق ويعرفون كل التلاميذ، ويهتمون بكل تلميذ فى الفصول، وكانوا يثنون على التلاميذ الذين يتحلون بالأخلاق الحميدة، وكان الاهتمام بالرياضة وبالتلاميذ الرياضيين سائدًا فى معظم المدارس، وأيضا كان سائدًا الاهتمام بالموسيقى والفنون المختلفة.. تغير كل هذا ولم تعد العائلات تربى أولادها على القيم المصرية، ولم تعد المدارس تقوم بالتوجيه السليم للتلاميذ أو بالتربية، ثم جاءنا تيار متشدد مع منتصف الثمانينيات..وبدأت محاولات التغيير التدريجى للقيم والأخلاق المصرية والثقافة المصرية، وبدأ هذا التيار المتشدد يروج للتحدث باسم الدين وضرورة تغيير الثقافة المصرية السائدة، وانهالت علينا الفتاوى المصاحبة لهذا التيار من كل جانب.. ومنذ نهاية الثمانينيات قام هذا التيار بإلغاء هذه الكلمات المتداولة بين المصريين إلى كلمات مختلفة، وحلت مكان كلمات البهجة والأمل والتفاؤل كلمات تحت مسمى الدين مثل.. السلام عليكم فى التليفون والموبايل وفى العمل وفى الشارع.. وأنا لا أمانع فى كلمة السلام عليكم، لكننى أرفض تحريم كلمات جميلة وبسيطة، مثل صباح الخير مثلًا، كما سعى هذا التيار المتشدد لإلغاء أية تحية أخرى، وبدأت هيمنه ثقافة التجهم والكآبة والكراهية والغل والحقد، وتم تحقير شأن المرأه والبنت.. وبعد ظهور تيار التطرف علانية بعد يناير ٢٠١١ بدأ بسرعة شديدة بث الفوضى والفتنة والكراهية والجرائم والبلطجة والعنف والشائعات والتحرش الممنهج بالمرأة، وتقزيم دورها واحتقار الكبير، والتباهى بالتشدد حتى دخلنا فى دوائر متتالية نعانى منها فى حياتنا اليومية حتى الآن، كما أصابت مجتمعنا آفات كثيرة من خلال قنوات كثيرة انتشرت وتشعبت، وكان من المهازل التى رأيناها مؤخرًا أن محافظًا سابقًا بث صورته على مواقع التواصل الاجتماعى وهو يصلى كنوع من النفاق للتيارات المتشددة.. وتشعبت الفتاوى وتفرعت بتوجيهات مصطنعة للحلال والحرام مصاحبة لها حتى يغرق الشعب فى الاكتئاب ويترك العمل والإنتاج والفرحة والأعياد والأمل والفنون والرياضة والعلاقات السوية والكلام الطيب، ويغرق فى طاعة رجال الفتاوى، الذين كثر عددهم، وأصبح من الصعب حصرهم لانتشارهم فى كل المواقع فى الإعلام والمساجد والمدارس والجامعات.. وزاد الفساد والإفساد بغية بث الوقيعة بين الشعب والحكومة.. وأصبحت الشائعات وسيله للتشويش على أى تقدم أو نجاح أو مشروع قومى كبير تحققه الدوله أو الرئيس.
لهذا فإننى أرجو أن نعود إلى استخدام قاموسنا اليومى فى كلماتنا وفى تعاملاتنا اليومية. إن الكلمة الطيبه تفتح الأبواب المغلقة وتلين القلوب الغليظة.. إنها ليست عيبًا ولا حرامًا، إنها ليست كلمات بسيطة، هى عنصر أصيل من هويتنا الثقافية العريقة كشعب أصله طيب يحب السلام والفنون والنكتة والبهجة والأعياد، والدليل موجود على جدران معابدنا المصرية الفرعونية منذ ٧ آلاف سنة.. إننا شعب يفرح بالكلمة الطيبة وبالعلاقات البسيطة، ويتحمل الصعب ويتحدى المؤامرات حتى يعبر المحن والمشاكل والتحديات.إننا شعب لديه يقين بأنه سينتصر على الإرهاب والأعداء.. إننا شعب يقول النكتة فى قلب الأزمات، لأن طبيعته أنه شعب يحب البهجة، لهذا فإننى ما زلت ممن يحرصون على الكلمة الطيبة وعلى قول «صباح الخير ومساء الخير وأهلًا وسهلًا» وغيرها من الكلمات التى تحمل البهجة والتفاؤل والأمل، لأنها تتفق مع طبيعتى ومع حرصى على قيمى الثقافية ومبادئى النبيلة وأفكارى المستنيرة التى نشأت عليها منذ الصغر.
إننى ما زلت حريصة على التمسك بالكلمات التى تحمل معها الأمل والتفاؤل وإدخال البهجة على العلاقات بين الناس فى مجتمعنا، وأطالب بنشر هذا القاموس المصرى الجميل من الكلمات الطيبة واستخدامه فى تعاملاتنا اليومية، انطلاقًا أيضًا من أن شعبنا يستحق الكلمة الطيبة جنبًا إلى جانب مع تنفيذ القانون وتوفير الأمن والاستقرار للمواطنين.