رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ساحر النساء والألحان.. احتفاء خاص بذكرى رحيل بليغ حمدي

بليغ حمدي
بليغ حمدي

- كيف أفسدت المزيكا حياته العاطفية؟

جاء بليغ عبدالحميد حمدى إلى الدنيا فى ٧ أكتوبر ١٩٣١ فى مهمة محددة: أن يجعلها أكثر سعادة ويملأها بالبهجة، وعندما غادرها فى ١٢ سبتمبر ١٩٩٢ كان قد أتم مهمته على أكمل وجه، وترك لنا شلالًا من الألحان العذبة تكفى لإسعاد كل المحبين والموجوعين.
كان بليغ حالة متفردة فى تاريخ الأغنية المصرية، بألحانه البسيطة القريبة من القلوب، وجمله الموسيقية المدهشة، وقدرته الفذة على أن يلحن كل الأشكال والأنواع بنفس العذوبة، من العاطفى إلى الشعبى، ومن الدينى إلى الوطنى، ومن القصيدة إلى أكثر الكلمات الموغلة فى العامية.
على نفس العود لحن لأم كلثوم وحليم ووردة ورشدى وشادية ونجاة وصباح ووديع الصافى ومها صبرى ومحرم فؤاد والنقشبندى ولبلبة.. وعدوية، ومع كل صوت يقدم اللحن الذى يليق عليه.. بالضبط.
لم تكن ألحانه فقط هى المدهشة، شخصيته كانت لا تقل إدهاشًا، عاش بليغ حياة صاخبة، متخمة بالتجارب والمغامرات والشائعات.. ثم كان عليه أن يعيش «مأساة» شديدة القسوة، حكمت عليه بالغربة والمنفى، وعاش سنوات من الضياع، ولما استرد اعتباره وبدأ يعود إلى تألقه كان «كبده» يعلن التمرد.. ويموت وحيدًا غريبًا فى حجرة باردة فى مستشفى «جوستاف روسيه» فى باريس.
تحتاج سيرة وألحان بليغ حمدى إلى قراءة جديدة، لعلنا نفهم سر هذا العبقرى الذى مرّ فى حياتنا تاركًا بصمته على قلوبنا.. وفى ذكرى مرور ٢٥ عامًا على رحيل «بلبل» نستعيد «سيرة الحب» بليغ حمدى..

رسميا ذهب بليغ حمدى إلى المأذون مرتين ليوقّع فى دفتره على قسيمتى زواج، كانت الأولى عام ١٩٦٣ ووقتها كان بليغ فى بداية الشهرة الطاغية بعد أن غنت له أم كلثوم وحليم وأصبح اسمه رقما صعبا فى ساحة الغناء، وحينها كان مشغولا فى تلحين أوبريت «مهر العروسة»، الذى كتبه صديقه «القديس» عبدالرحمن الخميسى، ومشغولا كذلك بقصة حب ملكت عليه قلبه، بطلتها فتاة جميلة كانت جارة له فى شبرا، اسمها آمال حسين، لكن اسم الشهرة «أمنية» غلب عليها، يتيمة وتعيش برعاية خالتها، وبعد بروفة المسرحية وحين كانت الساعة جاوزت منتصف الليل بكثير قرر بليغ فجأة أن يتزوج من أمنية، وأيقظها بالتليفون من النوم وطلب منها أن تذهب فورا بصحبة خالتها إلى بيت عبدالرحمن الخميسى، خير يا بليغ؟.. وأجابها بهدوء: ح نتجوز.
وطاف الخميسى أحياء القاهرة ليعثر على مأذون صاحى، حتى عثر على ضالته «وش الفجر»، وكتب المأذون كتاب بليغ وأمنية، ثم اصطحب بليغ عروسه ليوصلها إلى بيتها وعاد هو لينام فى بيته.
ولم يستمر زواج بليغ الأول أكثر من ١٤ شهرا، لم تحتمل فيها العروس معجباته ولا انشغاله الدائم عنها.. فوقع الطلاق بهدوء.
وما لم تعرفه الزوجة الأولى المسكينة أن بليغ تزوجها لينسى بها قصة حب عاصفة كانت قد بدأت واشتعلت لكن الحبيبة طارت إلى بلدها وتزوجت، ولم يجد بليغ طريقا للنسيان سوى أن يحب ويتزوج.
كان بليغ قد التقى المطربة الجزائرية وردة عام ١٩٦١ عندما جاءت إلى القاهرة لتقوم ببطولة فيلم «ألمظ وعبده الحامولى»، وجاء مخرجه ومنتجه حلمى رفلة ببليغ ليلحن لها أغنيتين «بحبك فوق ما تتصور» و«يا نخلتين فى العلالى».. ووجد بليغ نفسه منجذبا إلى صاحبة الصوت الساحر والجمال اللافت، لكنها سرعان ما اختفت، تزوجت من شخصية جزائرية مرموقة أجبرها على اعتزال الغناء والتفرغ لتربية أولادهما رياض ووداد.
وبعد ٨ سنوات من الابتعاد الإجبارى عادت وردة بأمر رئاسى جزائرى لتشارك فى احتفال «صوت العرب» بمناسبة ذكرى استقلال الجزائر العاشرة، وسرعان ما توهج الحب القديم من تحت الرماد وانتهى بالزواج فى مارس ١٩٧٣، واستمر الزواج حتى عام ١٩٧٩، كونا خلال سنوات الزواج التسع واحدا من أنجح وأشهر الثنائيات فى تاريخ الغناء العربى.
تجربتا زواج فى مشوار بليغ سجلهما دفتر المأذون، لكن فى حياة بليغ مشروعات زواج لم تكتمل ولم تصل إلى المأذون:

إش إش
وحكى لى الإعلامى الكبير وجدى الحكيم أنه كان قريبا وربما طرفا فى مشروع زواج آخر لم يكتمل، فقد اصطحبه بليغ إلى بيت محمد عبدالوهاب وكان الموسيقار الكبير يعرف تعلق ابنته «إش إش» بالملحن الشاب وقتها بليغ حمدى، وينتظر أن يفاتحه بليغ فى أمر الزواج، ولكن ما حدث فى تلك الليلة يصعب وصفه وتفسيره، فطبقا لرواية وجدى الحكيم الذى ذهب مع صديقه ليحضر اللحظة التاريخية، فإن بليغ دخل مع الأستاذ عبدالوهاب فى نقاشات مطولة فى المزيكا والألحان والمقامات.. ثم نسى المهمة التى جاء من أجلها وقام وانصرف وسط دهشة عبدالوهاب والحكيم.
وحسب ما قاله لى الإذاعى الراحل فإن عبدالوهاب لم يكن راضيا ولا مقتنعا بتلك الزيجة، والمؤكد أنه حمد الله أنه لم يصبح «حما» بليغ، وكان من رأيه أن بليغ ملحن شاطر جدا.. لكنه زوج فاشل جدا.

الصبوحة
فى ربيع عام ٢٠٠٧ قابلت الفنانة الكبيرة صباح فى بيروت، وسألتها عن بليغ ففاجأتنى قائلة بعد أن أطلقت ضحكة صاخبة: تعرف إن بليغ هو الرجل الوحيد اللى هرب من الزواج منى؟
وحكت لى أن علاقة حب ربطتها ببليغ فى فترة، وقالت: وأنا كنت سعيدة لما كلمنى عن رغبته فى الارتباط بى، عن نفسى كنت سعيدة وقلت فى نفسى: أكيد سيمنحنى أجمل ألحانه، لكنه بعد فترة فوجئت بأنه نسى الموضوع ولم يعد يفاتحنى فيه.. وأنا عشان عارفة بليغ لم أغضب منه وعديت الحكاية، لأنى لو زعلت فأنا الخسرانة لأنى سأحرم نفسى من ألحانه.. وبليغ يومها كان أشهر ملحن فى العالم العربى وألحانه قادرة على أن تصنع نجما فى يوم واحد.. يعنى عمل لى ١٥ أغنية من أجمل وأشهر ما غنيت «من ينسى زى العسل ويانا يانا وعدى علىّ وسلم».. كان يحب صوتى ويختار لى الألحان التى تليق عليه.. ولما كلمنى فى موضوع الزواج قلت إن الحظ جانى لغاية عندى، لكنه «خلع» وراح ليتزوج من وردة.. والحقيقة إن وردة كانت أشطر مننا جميعا، لأنها الوحيدة التى استطاعت أن تقنعه بالزواج وأخذت منه أجمل ألحانه. بليغ طفل كبير.. هكذا كنت أتعامل معه.. ولذلك استمرت علاقتنا إلى آخر يوم فى عمره.. ولم أغضب منه.. وغفرت له أنه هرب من زواجى.

نجوى فؤاد
فى سنة ١٩٦٦ كانت نجوى فؤاد قد قطعت مشوارا فى طريق الشهرة منذ رقصتها الشهيرة مع عبدالحليم حافظ على أنغام أغنية «قولوا له الحقيقة» فى فيلم «شارع الحب».. وتهافتت الملاهى الليلية على التعاقد معها، ونجح ملهى «الايف» اللبنانى فى التعاقد معها، فعاشت فى بيروت واستقرت بها لفترة، وكان بليغ هو الآخر هناك، وتعددت اللقاءات وازداد التقارب.. وعرض عليها بليغ الزواج طبقا لما يرويه فوميل لبيب، الكاتب الصحفى، وكان مقربا من بليغ ونجوى، كان بليغ حينها يبحث عن تجربة جدية ينسى بها اختفاء وردة وفشل زواجه من أمنية طحيمر، وتعثر مشروعات زيجاته من سامية جمال وإش إش. وكانت نجوى فؤاد هى الأخرى خارجة من تجربة زواج فاشلة من مكتشفها أحمد فؤاد حسن، حيث رفضت والدته الاعتراف بزواجهما وأجبرت ابنها على الانفصال عنها.
ولم يشأ بليغ أن تتم المغامرة.. وكذلك نجوى التى كانت تخشى التورط فى زواج جديد فاشل.. وما أن انتهى بليغ من شغله فى بيروت حتى طار إلى لندن.. وفى عاصمة الضباب كان على موعد مع مشروع زواج جديد.. فاشل.

غادة السمان
قبل شهور قليلة انفردت «الدستور» بنشر رسائل خاصة للكاتبة والأديبة السورية الشهيرة غادة السمان، تكشف فيها عن قصة حب جمعتها ببليغ حمدى امتدت بين لندن وبيروت وباريس والقاهرة، وعن مشروع زواج كان قاب قوسين أو أدنى.. لكن بليغ زاغ فى اللحظة الأخيرة كالعادة. فى بيت الكاتب المصرى المقيم فى لندن منذ منتصف الستينيات أحمد عثمان تعرف بليغ وغادة، كان ذلك بعد نكسة ١٩٦٧، وتعددت اللقاءات وتعمقت العلاقات وتسربت الأخبار عن اتفاق على زواج قريب، وجاءت غادة لتزور بليغ فى القاهرة، والتقت بشقيقته صفية لتبارك الزواج.. وفجأة اختفى بليغ.
ولم تعرف غادة السر إلا بعد أن عادت وردة لتظهر فى الصورة ويتجدد الحب القديم.. ويستسلم له بليغ ويتزوج من وردة فى ربيع عام ١٩٧٣، وترد غادة بالزواج من ناشر كتبها بشير الداعوق.

سميرة سعيد
كان بليغ من الأسباب القوية التى جعلت سميرة سعيد تحزم حقائبها وتأتى للإقامة فى القاهرة، وهى فى بداية الطريق صبية لم تزل، وساهم بليغ بألحانه فى تقديمها بقوة للوسط الغنائى، وبين يوم وليلة كان العالم العربى يغنى معها: قال جانى بعد يومين.
وكانت سميرة من بين كوكبة النجوم الشبان الذين اختارهم بليغ لتسجيل حلقات برنامجه «جديد × جديد» الذى صوره فى أبوظبى.. ومن الإمارات بدأت تتسرب أخبار علاقة حب تجمع بليغ مع نجمته المغربية الجديدة. وهناك من يؤكد أن بليغ وعد سميرة بالزواج وطلب منها أن تسبقه إلى المغرب وسيلحق بها ليطلبها من أهلها ويقيم حفل الخطوبة فى وسطهم.. وسافرت سميرة وانتظرت.. لكن بليغ لم يأت.. نسى. ومن يعرف بليغ جيدا يدرك أن هذا الموسيقار العبقرى لم يخلص لشىء فى حياته سوى المزيكا.. كانت الأنغام هى الحقيقة الوحيدة وما عداها نزوات وأوهام.. ربما تزوج مرتين ودخل فى مشروعات حب وزواج فاشلة.. لكن تبقى الموسيقى هى حبه الكبير.. أما المرأة الوحيدة التى أحبها بصدق وأخلص لها طوال عمره ولم تخرج أبدا من قلبه فكانت ماما عيشة.. أمه.