رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الأقباط فى عصر عبدالناصر


فى عصور سابقة على ثورة يوليو ١٩٥٢ صعد قبطيان إلى رئاسة مجلس الوزراء أحدهما هو نوبار باشا فى عهد الخديو إسماعيل، والثانى بطرس غالى، فى عهد عباس حلمى الثانى، وقد تم اغتياله.
عندما قامت ثورة يوليو ١٩٥٢ لم يكن من بينهم قبطى، وقد أدى تشكيل مجلس قيادة الثورة من ضباط مسلمين فقط، إلى تغير شكلى واضح فى طريقة التعامل مع الملف القبطى.
ربما كان هذا بسبب الطبيعة الحذرة والمترددة للأقباط، وعدم رغبتهم فى الدخول فى مغامرة ليست مضمونة النتائج، وهو حذر، وإن كان موجودًا فى العمل المدنى، ولكنه يتضاعف فى حالة الدخول فى تنظيم عسكرى كتنظيم الضباط الأحرار.
وربما كان عدم انخراط الأقباط فى تنظيم الضباط الأحرار، يرجع إلى أن التنظيم خرج من رحم جماعة الإخوان المسلمين.
ورغم السياسة الاشتراكية التى كانت تتبعها الدولة فى ذلك الوقت، ونظرتها غير المتسامحة إلى فكرة التدين، فإن الدولة كانت تستجيب لشكاوى الأقباط، ولا تحاول إغضابهم أو المساس بعقيدتهم تحت أى ظرف من الظروف.
فى عام ١٩٥٦، نشرت وزارة الأوقاف كتابًا للشيخ أحمد حسن الباقورى بعنوان «حقوق الإنسان طبقًا للشريعة الإسلامية». وقد احتج بطريرك الأقباط على الكتاب، وقال إنه يسىء إلى الديانة المسيحية، وعلى الفور صدرت التعليمات لوزارة الأوقاف بسحب الكتاب، وتشديد الرقابة على ما ينشر بها من كتب.
وفى نفس الوقت كان جمال عبدالناصر لا يطيق أن يتكلم أحد عن سياسة الحكومة تجاه الأقباط، أو مجرد الإشارة إلى وجود تفرقة بين المسلمين والأقباط.
فقد حدث أن الصحفى بارت ماك جرن، مراسل صحيفة «هيرالد تريبيون» فى نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية، وكان قد جاء لمصر بقصد التغطية الإعلامية للعدوان الثلاثى على مصر، ولكنه بدأ يبحث فى التدهور الاقتصادى، وسياسة التفرقة بين المسلمين وغير المسلمين من اليهود والمسيحيين، وعندما بدأ بنشر مقالات تدعم ما ذهب إليه، أصدر عبدالناصر قرارًا بطرده من مصر، غير أن الصحفى لم يسكت، وقام بالاتصال بقس يسوعى تابع للجزويت، ويرأس تحرير صحيفة «ريون دى جيبت»، وقام بنشر شكاوى، قال فيها، إنه تلقاها من مواطنين مصريين، وقد قامت الحكومة المصرية بطرد القس إلى وطنه لبنان، وتم إغلاق الجريدة.
وفى صيف عام ١٩٥٩ التقى الرئيس جمال عبدالناصر، مجموعة من المهاجرين السوريين واللبنانيين المهاجرين إلى أمريكا.
وكانوا جميعًا من المسيحيين، وسأله أحدهم: «هل هناك تفرقة ضد المسيحيين فى الجمهورية العربية المتحدة؟، الصحف الأمريكية نشرت ذلك، وأنا لا أصدق».
عندها ضحك الرئيس جمال عبدالناصر كثيرًا، وقال: «أنا أيضًا مثلك لا أصدق، ويجلس بجانبى وزير مسيحى، يمكنه أن يجيبك».
وعندما اعترفت إيران بإسرائيل أيام الإمبراطور رضا بهلوى شاه إيران عام ١٩٦٠، تحرك جمال عبدالناصر من أجل إدانة إيران، مستخدمًا رجال الدين الإسلامى والمسيحى أيضًا، فقد أدان الأزهر إيران بسبب اعترافها بإسرائيل، وفى المقابل أمر بطريرك الأقباط بأن تكون عظة الأحد عنوانها، إدانة اعتراف إيران بإسرائيل، والربط بين إسرائيل والتعصب، واعتبار أن وجود إسرائيل فى حد ذاته يهدد السلام العالمى. كما أوعز البطريرك إلى مندوبه فى مؤتمر الكنائس العالمى، المنعقد فى تلك السنة، بإدانة إسرائيل.