رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نبيل الأخلاق نصير الفقراء


رحل عن دنيانا الأسبوع الماضى رمز من رموز العمل الوطنى. ترجل من على ظهر جواده شاهرًا قلمه سيفًا من أجل إحقاق الحق وكشف الزيف والباطل. ارتاح الجسد، جسد المحارب النبيل ‏نصير المهمشين والغلابة من العمال والفلاحين ومحدودى الدخل. ‏

إنه المناضل اليسارى الأستاذ حسين عبدالرازق، عضو المجلس الاستشارى لحزب التجمع، الذى ترك لنا وللأجيال الشابة إرثًا من الصفات والخصال الحميدة لنتعلم منها كالدقة والدأب والمثابرة ‏ووضوح الموقف والدفاع عن الفكرة والتمسك بالحق والإخلاص والتفانى، فصار علمًا من أعلام اليسار المصرى وعلامة من علامات المناضلين اليساريين فى تاريخ مصر والوطن العربى.‏

ستون عامًا من العمل الصحفى والنقابى والسياسى والحزبى، يصول ويجول بين دروب صاحبة الجلالة، حيث عمل فى جريدة الأخبار محررًا للثورات وحركات التحرر الوطنى ضد الاستعمار فى ‏كثير من البلدان العربية والإفريقية والآسيوية وبلدان أمريكا اللاتينية فى الخمسينيات والستينيات، وشارك خلال هذه الفترة فى عضوية اللجنة المصرية للسلام ضمن حركة السلام العالمية المناهضة ‏للاستعمار. وكانت له العديد من الكتابات والمواقف المناهضة للاحتلال الصهيونى رافضًا له وداعمًا للمقاومة الفلسطينية، ومن المعروف أنه رفض اتفاقية كامب ديفيد والتطبيع مع العدو الصهيونى، ‏وشارك فى تأسيس لجنة الدفاع عن الثقافة القومية. وفى بلاط صاحبة الجلالة كان له دور كبير فى الدفاع عن الهوية المصرية، وتبنى الدفاع عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والحريات لجميع ‏فئات الشعب المصرى وذلك من خلال رئاسة تحرير جريدة الأهالى الناطقة بلسان حزب اليسار المصرى (حزب التجمع).‏

لم يكتفِ المناضل حسين عبدالرازق بالكتابة، لكنه مارس دوره النقابى لخدمة زملائه وزميلاته من خلال عضويته فى مجلس نقابة الصحفيين لعدة دورات وشارك فى التصدى للقانون ٩٣ ‏المعروف بقانون اغتيال الصحافة.. شارك المدافع الجسور عن حق الإنسان فى حياة كريمة فى انتفاضة الخبز فى ١٨ و١٩ يناير ١٩٧٧، وتم اعتقاله فى سجون السادات وخرج من السجن ليشارك ‏فى تأسيس لجنة الدفاع عن الحريات لدعم المعتقلين السياسيين وأسرهم.‏

شارك المفكر حسين عبدالرازق فى تأسيس حزب التجمع كحزب لليسار المصرى فى أواخر ١٩٧٦، وذلك مع زملاء من رموز اليسار المصرى، على رأسهم القائد الراحل خالد محيى الدين ‏وظل منذ تأسيس الحزب وحتى آخر لحظة من عمره على مبادئه وأفكاره نصيرًا للحريات الديمقراطية، حرية الفكر والإبداع والنشر والعقيدة مواجهًا للأفكار الظلامية، مطالبًا باستقلال الإرادة ‏الوطنية وواضعًا الرؤى والحلول للأزمات التى يمر بها الوطن، مواجهًا للرأسمالية المتوحشة وللكيان الصهيونى الغاصب لأرضنا العربية فى فلسطين، وكان له دور مهم فى لقاءات اليسار المصرى ‏والعربى من خلال رئاسته لمؤسسة خالد محيى الدين الثقافية. لقاءات تناولت ذكرى مرور ١٠٠ عام على وعد بلفور المشئوم واستمرار المقاومة الفلسطينية وذكرى مائة عام على الثورة الاشتراكية ‏ولقاءات الجبهة الوطنية لنساء مصر من أجل مواجهة العنف ضد المرأة والوقوف ضد الأفكار المتخلفة والمتشددة التى تنظر للمرأة كوعاء للإنجاب وإمتاع الرجل، مكانها البيت لتربية الأطفال. فى ‏سبتمبر ٢٠١٣ أجمع اليسار المصرى على اختياره ممثلًا له فى لجنة الخمسين لوضع الدستور المصرى، فكان خير مدافع عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للشعب المصرى، وأصر هو ‏ومجموعة من أعضاء اللجنة المدافعين عن العدالة الاجتماعية على وضع مواد ومبادئ تضمن العدالة الضريبية عن طريق ضرائب تصاعدية على شرائح الدخل وغيرها من المواد الخاصة بالحق ‏فى الصحة والتعليم والسكن والعمل والغذاء والحياة الكريمة والحق فى الثقافة وممارسة العمل العام وحق التعبير السلمى عن الرأى بكل الوسائل من كتابة وتظاهر وإضراب. ودافع عن دولة ‏المواطنة وعدم التمييز والمساواة بين الرجل والمرأة. وظل مدافعًا عن تفعيل وتنفيذ نصوص الدستور لآخر نبضة قلب فى عموده الأسبوعى (لليسار در) فى جريدة الأهالى. علَّمنا نبيل الأخلاق حسين ‏عبدالرازق التسامح والقدرة على قبول الآخر المختلف معنا فى الرأى، وعلَّمنا معنى العمل الجماعى من خلال تمثيله لليسار فى لجنة الخمسين لوضع دستور ٢٠١٤ بعد ثورتى يناير ويونيو، حيث ‏اتصل بمجموعة من رفاق ورفيقات الفكر والدرب (كانت كاتبة هذا المقال واحدة منهم) اتصل بنا ورتَّب لقاء أسبوعيًا ليطلعنا على الحوارات والنقاشات حول مواد الدستور ويشاركنا الرأى والحوار.. ‏كل التحية والتقدير للقيمة والقامة الفكرية والسياسية وسمو ونبل الأخلاق الإنسانية حسين عبدالرازق، وكل التحية لرفيقة دربه وحياته وفكره ونضاله زوجته فريدة النقاش.‏