رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حماية أشقائنا فى الوطن


لا أظن أن أحدًا يحب الوطن يرضى بما حدث فى قرية دمشاو بالمنيا.. ولا أظن أن أحدًا لديه ضمير حى يقبل أن يتم اضطهاد أشقائنا فى الوطن.. ولا أظن أن أحدًا لديه إنسانية أو مشاعر يرتضى أن يتم الاعتداء على بيوت وممتلكات المواطنين الآمنين بين جدران بيوتهم.. إن ما حدث فى قرية دمشاو لا بد من وقفة حازمة وقبضة حديدية للدولة تجاهه.
إن المسئولية تقع على قيادات الدولة فى المقام الأول لتوفير الأمن لكل المصريين وحمايتهم من الاعتداء عليهم.. ورغم أن الأجهزة الأمنية قد قامت بواجبها، حيث تم إلقاء القبض على ١٩ متهمًا لاتهامهم بإثارة الشغب والاعتداء على آخرين فى أحداث التوتر الطائفى بسبب الاعتراض على بناء كنيسة، إلا أننا فى حاجة إلى مضاعفة الأمن وإلى حماية القرى والمدن من المحرضين والبلطجية الذين يبثون الفتنة بغية إثارتها بين المواطنين مرة أخرى.
من ناحية أخرى، أصدرت مطرانية المنيا بيانًا توضيحيًا حول الأحداث، حيث جاء بالبيان: أنه تم رصد حالات اعتداء على عدد من بيوت المسيحيين وإضرام النار فى بعض ممتلكاتهم بحجة إنشاء كنيسة، على الرغم من أن أهالى القرية يصلون فى القاعات والمنازل، وذكر البيان أن عزبة سلطان شهدت اعتداءات مشابهة قبلها.
وطالب البيان القيادات بالتدخل بأسلوب جديد لحل المشاكل وتطبيق دولة القانون.. إننا هنا كما هو واضح لنا بصدد محاولات جديدة أخرى للتحريض ضد مسيحيى مصر الذين هم أشقاؤنا فى الوطن، لهذا فإنه لا بد أن يكون واضحًا للجميع وبشكل سريع ومعلن أن يد القانون لا بد أن تكون هى العليا فى إصدار أحكام رادعة وفى تحقيق عدالة ناجزة. للأسف تعبنا من كثرة ترديد ضرورة تحقيق العدالة الناجزة لضرورتها فى المرحلة الصعبة التى تمر بها مصر.
صحيح أننا قطعنا شوطًا كبيرًا فى توفير الأمن ورجال الشرطة «مشكورين» يقومون بواجبهم تجاه حماية المواطنين.. لكننا لا بد أن نزيد من عدد رجال الشرطة والأمن فى كل أرجاء بلدنا.. ففى داخل القاهرة مثلًا إذا كنت على الطريق الدائرى ستجد غيابًا للحماية أو الحراسة على طول الطريق. والنقل الثقيل واللوريات تسير بأقصى سرعة وتنشر الرعب كيفما شاءت بلا رادع وكأن هناك غيابًا للدولة.. والتحرش موجود فى شوارعنا بشكل مستفز يجرح كرامة المرأة والفتاة.
إن هذه الحادثة بقرية دمشاو حدثت كمحاولة لبث الفتنة وإيقاظ النزعات الدينية المتطرفة وترويع أشقائنا فى الوطن ولا بد أن تكون لها وقفة حازمة من الدولة.. وهنا يقفز إلى ذهنى سؤال مهم: هل سطوة المتطرفين وصلت إلى حد تحدى الدولة؟.. إنه سؤال يراود الشارع المصرى ويستدعى يدًا حازمة وقوية للدولة لبسط سيطرتها على كل المتآمرين والمحرضين على الفتنة.. ولاشك أن رجال الأمن يعرفونهم ويمكنهم إلقاء القبض عليهم وإنزال أقصى عقوبات عليهم.
إن المجتمع المصرى لا بد أن يدرك أن البداية لبث الوسطية فى الفكر تبدأ فى البيت ببث قيم التسامح والمواطنة.. وبالمدرسة ببث قبول الآخر والتصدى لكل محاولات نشر التطرف والفتن واحترام الآخر.. ثم الإعلام الذى لا بد أن ينشر فكر التسامح والمحبة والإخاء وحقوق المواطنة.. إن من يرى مشهد البلطجية فى شوارع المنيا الذى بثته مواقع التواصل الاجتماعى أثناء الاعتداء على أشقائنا، سيدرك فى لحظة أن الأفلام المصرية قدمت هذه المشاهد الدموية ولا تزال تقدمها خلال السنوات الأخيرة، ما يعنى أن السينما المصرية تشارك فى إفساد أجيال من الشباب لأنها تصدر العنف والبلطجة والدموية والجريمة والتطرف.
كما أن الدراما أيضًا مسئولة عن تصدير الفوضى والجريمة والفساد والعنف، حيث قدمت لنا فى السنوات الأخيرة أسوأ النماذج بلا عقاب للمجرم أو المخطئ فى النهاية، ما يضاعف من نشر البلطجة والفساد والكراهية والدموية.. ويجعل الشباب والمراهقين يقلدون هذه النماذج الرديئة.
إن كثيرًا من الفنانين المصريين يشاركون فى إفساد عقلية جيل كامل من الشباب.. ولا بد من إعادة النظر فيما يقدم لنا من خلال الفن الردىء.. ولا بد أيضًا من التحلى بالضمير قبل تقديم هذه النوعية من الفنون حتى لا يتحول الشباب المصرى إلى مجرمين بسببها. إن هذه كلها عوامل تجتمع لتسهم فى بث الكراهية والعنف والفتنة، إضافة إلى فتاوى الدعاة المتطرفين، ما يجعلنى أدق ناقوس خطر حتى لا تصبح واقعة المنيا الأخيرة مجرد واقعة ثم ننساها ثم تعود لتتكرر مرة أخرى فى مكان آخر.. إننى أذكر بواقعة سيدة المنيل التى تم الاعتداء عليها وتجريدها من ملابسها منذ عامين.
إن معنى أن تحدث واقعة فى المنيا بعدها بعامين، يجعلنا ندرك أن الردع لم يكن كافيًا فيها.. ولا بد أن تكون يد الدولة أقوى وأكثر حزمًا وأكثر ردعًا.. كما أن صعيد مصر فى حاجة إلى وقفة جادة وحازمة لحماية أشقائنا من أى تعدٍ عليهم.
وأعتقد أن الدولة قادرة على ذلك.. وحتى لا تتكرر محاولات بث الفتنة بين الأشقاء فى الوطن.