رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ميليشيات الصعيد «1»


تواجه أجهزة الأمن فى صعيد مصر، فى الوقت الحاضر عدة تحديات. وهذه التحديات تتعلق بهيبة الدولة داخل البلاد، لاستتباب الأمن للجميع، كما ستؤثر بلا شك على عمليات الاستثمار التى تجرى على قدم وساق فى الصعيد، وربما أسهم الوضع الحالى فى تأخير الكثير من عمليات الاستثمار بسبب هذا السلاح الذى تمتلكه معظم عائلات الصعيد.
صحيح أنه تسود الآن حالة من الهدوء، لكنه الهدوء الحذر، طالما لم تحدث حوادث قتل أو شجار بين عائلتين فى القرى المغمورة على شاطئ النيل العريق.
ويمكن لأى شخص فى صعيد مصر، أن يرى بعينيه كمية السلاح المهولة الموجودة لدى عامة الناس، التى دخلت البلاد بطريقة غير مشروعة، فى فترات الانهيار الأمنى، وهى أسلحة من الأنواع المتقدمة، ربما تفوق تسليح أجهزة الأمن، وقد ظهرت تلك الأسلحة فى عدد من قرى الصعيد فى عمليات الاستعراض التى تقوم بها العائلات فى المناسبات المختلفة، ولا شك أن كميات الذخيرة التى تنطلق فى تلك المناسبات تعطى مؤشرًا خطيرًا على الواقع الفعلى لكمية السلاح الموجودة فى البلاد. وربما كانت الحوادث الثأرية البشعة التى وقعت فى أسوان بين النوبة والعرب، وما حدث فى جرجا بين الهوارة والعرب، وسقوط عشرات القتلى، خير مثال على ما يمكن أن يحدث فى حالة وقوع أى مشاجرة بين أى عائلتين فى الصعيد.
فى العصر السابق لم يكن مسموحًا على الإطلاق باستخدام الأسلحة فى الأفراح، أما الآن، فتطلق الأعيرة النارية فى كل المناسبات، مناسبات الخطوبة والزفاف، ونجاح الأنجال، التحاق شخص بوظيفة مرموقة فى الشرطة والقضاء، وترقيات الموظفين وضباط الشرطة، خصوصًا من يلتحق منهم بوظيفة حساسة.
فى قرى الصعيد والأرياف عندما تظهر أى بادرة نزاع، تجد السلاح بأنواعه المختلفة فى أيدى الشباب، ويتحول شباب العائلات إلى ميليشيات مسلحة ومدربة جيدًا على حرب العصابات داخل القرى وبيوتها وشوارعها الضيقة، تترصد أفراد العائلة الأخرى.
لو كانت إحدى العائلات المتنازعة، لا تملك العدد المكافئ لسلاح العائلة الأخرى، فإن إطلاق النار يكفى لإرهاب العائلة الضعيفة، وعندها يدخل رجالها بيوتهم ويغلقونها على الفور.
لو أن العائلة الضعيفة تجرأت وقتلت واحدًا من أبناء العائلة الأكبر، فإن الكارثة ستحل بأبناء العائلة الضعيفة كلها على الفور. حينئذ يتدخل عقلاء آخرون من عائلات أخرى لطلب الصلح، وتستجيب العائلة الضعيفة على الفور، بينما تتدلل العائلة الأقوى، وتطالب العائلة الضعيفة بالرحيل من القرية. يحدث هذا أمام سمع وبصر الحكومة ورجالها، ولجنة المصالحات، ويتم إثبات ذلك فى دفتر أحوال المركز الذى تتبعه القريتان، وتبدأ العائلة الضعيفة ببيع بيوتها وحقولها ومتاجرها تمهيدًا للهجرة إلى أبعد مكان سواء كان فى وادى النطرون أو فى مدن القناة، أو ضواحى القاهرة فى العشوائيات.
السلاح تتعدد أنواعه، من فرد الخرطوش صناعة محلية، إلى البنادق الآلية الواردة من الصين، إلى الأنواع عالية النيران من الجرينوف والمتعدد، وهو يطلق ألف طلقة، كما تمتلك بعض العائلات مدافع آر بى جى المضادة للدبابات.
البندقية الآلية قفز سعرها من ألفى جنيه قبل ثورة يناير إلى اثنى عشر ألفًا حاليًا، وذلك للأنواع القديمة، والتى أجريت لها إصلاحات، أما الأسلحة التى تخرج توًا من الصندوق وبشحم المصنع فإنها تصل إلى ثمانية عشر ألفًا أو تتجاوز العشرين.
وهناك أنواع أوروبية وصينية وآسيوية.