رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الحب الذى يريده ويحتاجه الوطن


فى الأخبار منذ يومين، قرأت أن الصين ستعلن قريبًا عن إبادة الفقر نهائيًا، وسوف تعمل على ألا يعود الفقراء مرة أخرى، إلى الفقر المدقع، وأن الحياة «الرغيدة»، سوف تتحقق لكل مواطن صينى بحلول عام ٢٠٢٠. إذن كنت محقة حينما اعتقدت أن الصين، فعلًا جديرة بأن تصل إلى قمة التقدم الإنسانى، وتجربة مدهشة من بلد عريق الحضارة والحكمة. أدركت الصين أن «الفقر»، هو وصمة عار على جبينها المكافح الدءوب، وأن أى إنجاز مهما كانت عظمته، سوف ينكسر على صخرة الفقر.
قناعتى أن تصفية الفقر أشرف وأهم وأول حرب على أى مجتمع خوضها، ليكتسب صفة الإنسانية. فى مصر قرأت أنه تم تخصيص ٢ مليار جنيه، من الصندوق الاجتماعى للمشروعات الصغيرة، ومتناهية الصغر، لكى يحارب البطالة بين الشباب. وهذا شىء عظيم، ومبشر بالخير.
لكن هذا ليس كافيًا.. أعتقد أن الحل الجذرى، هو تحويل مصر، من وطن طارد لأهله، إلى وطن جاذب لهم. الحل هو تغيير النمط الاقتصادى، والفلسفة الاقتصادية، والنظام الاقتصادى، الذى ما زال يعمل لصالح الأغنياء، والطبقات صاحبة الامتيازات. الحل هو ما أسميه المشروع الوطنى العادل، للإنتاج، والتوزيع. فالوطن سيظل، طاردًا، ما لم ينجز العدالة الاجتماعية. والعدالة الاجتماعية، هى ألا يُحرم الفقراء من المدارس الجيدة، ومن القطارات الفاخرة، ومن البيوت اللائقة، ومن منتجعات المصايف، ومن حفلات دار الأوبرا، ومن الأندية الرياضية الممتازة، بسبب أنهم فقراء. هذا ليس خطأ اقتصاديًا، بقدر ما هو عيب أخلاقى، لا يجب على أى دولة متحضرة انتهاجه، أو الدفاع عنه.
إن طموحى لمصر كبير. فأنا أحلم بأن تكون وطنًا لا تختفى فيه الهجرة غير الشرعية فقط، لكن أيضًا، الهجرة الشرعية، حتى لو كانت الهجرة، مُرخصة، وقانونية، ومسجلة، وآمنة، فإن مصر أولى بأهلها. القضية كما أراها، ليست فى نوع الهجرة، شرعية، أو غير شرعية. القضية، هى لماذا أهاجر أصلًا، وأترك وطنى؟، القضية هى فى مبدأ الهجرة، فى حد ذاته. الإجابة التقليدية، هى «بره فيه تقدم، وتحضر، ورقىّ، وكرامة، وكل حقوق الإنسان».
وأنا أرى أن الوطن الذى علمنى وربّانى، وأكلت وشربت من خيراته، له حق علىّ. ليه مقعدتش فيه أنا وغيرى، عشان أخليه زى بلاد بره، فيه تقدم، وتحضر، ورقىّ، وكرامة، وكل حقوق الإنسان؟. إن المشاركة فى تقدم وطنى، أكثر متعة من أى شىء.
أبسط شىء فى هذه المتعة، هو الوفاء بالدين. نحن نغنى فى حب مصر، طول الوقت. لكن العبرة، أن يكون هذا الحب مثمرًا فى الواقع، بما يفيد مصر، ويغيرها إلى الأفضل. ونظل نكرر، أننا نعشق تراب هذا الوطن، لكن الأهم، أن نبقى فى الوطن، لنحول ترابه إلى ذهب.
ويتمادى عبدالوهاب شاديًا على لحن فى منتهى العذوبة: «حب الوطن فرض عليّا»، من تأليف، أمين عزت الهجين. وحب الوطن، مثل كل أنواع الحب، لا بد أن يصمد، فى أوقات الشدائد والمحن، وإلا كان حبًا مزيفًا، هشًا، أو حبًا نفعيًا انتهازيًا، يجرى من الأزمات، يهرب من التحديات. ويأتى مع الانفراجات والازدهار. هذا هو «حب الوطن»، الذى يحتاجه الوطن. حب عن قُرب مغروز فى طين الأرض، معجون بأنينها، مختلط بمائها وهوائها، ممتزج بلون شمسها، وآلامها.