رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

السوشيال ميديا وقبول الآخر


_قبول الآخر الدينى وغير الدينى يقضى على الطائفية ويسقط المناخ والممارسات والفرز الطائفى الذى هو الساحة الأمثل لممارسة سياسة رفض ‏الآخر

خُلق الإنسان مفضلًا على كل المخلوقات، بل سُخر له سائر المخلوقات، لذا أصبح الإنسان صانع النهضة والحضارة، ساعيًا للتطور والرقى.. ولكن هذا التطور حدث على مدى الزمن، فالإنسان ذاته ‏الذى يحوّل هذا التطور وآلياته إلى خير أو شر، حسب تطلعاته ووفق استعمالاته، حيث نرى الآن قدر وقدرة هذا التطور الإنسانى الذى حدث على مستوى العالم، والذى حوله إلى قرية صغيرة، بل قد أصبح ‏الآن فى قبضة اليد الواحدة عن طريق هذه الثورة الاتصالاتية التى فاقت خيال الأجيال السابقة.‏
لا شك أن هذه الثورة بما أنجزت وأنتجت من وسائل اتصالاتية هى فى صالح الإنسان. وهى مرحلة فى سلم التطور الذى لا نرى ولن ترى له نهاية.. ولكن كما كان اختراع نوبل لصالح الإنسان وجدنا ‏الإنسان ذاته يتعامل مع ما فى صالحه إلى غير ذلك، ليس للآخر فقط ولكن لنفسه فى الوقت ذاته.. وعلى ذلك نرى الآن ما يسمى السوشيال ميديا أو وسائل التواصل الاجتماعى، وهى وسائل يجب أن ‏تستعمل فى إطارها الصحيح للاستفادة منها فى كثير من مجالات المعرفة والعلم والثقافة والتواصل الاجتماعى فى حدوده الإيجابية.. ولكن هل نرى هذا على أرض الواقع؟ نعم هناك من يتعامل مع هذه ‏الوسائل فى إطارها الإيجابى، ولكن للأسف الشديد نجد أن كثيرًا من المتعاملين معها يركزون على التعامل فى جانبها السلبى، وهنا نقول إن هذه الوسائل لا تتصف بالسلبية، ولكن التعامل معها هو الذى ‏يتصف بالسلبية أو الإيجابية للنفع أو الضرر.. للخير أو الشر من جانب المتعامل. أما قبول الآخر فهو الصفة والباب الذهبى للحوار الموضوعى الذى يحدد الاتفاق ويصف الاختلاف فى إطار احترام الرأى ‏والرأى الآخر.. الشىء الذى يفيد طرفى الحوار سواء كان المتفق أو المختلف، كما أن قبول الآخر لا حدود له، فهو يشمل الجميع وصولًا إلى الآخر الذاتى، أى بين الإنسان وذاته عندما ينفصل الإنسان عن ‏ذاته فكرا وسلوكا نتيجة لموقف استثنائى مرورا بالآخر القريب والبعيد سواء كان هذا الآخر مختلفا دينيا أو عقيديا أو طائفيا أو ثقافيا أو اقتصاديا أو سياسيا. ولا شك أننا نعيش طوال الوقت وبكل وضوح ‏مشكلة قبول الآخر دينيا، فهو مفتاح القبول لكل أنواع الآخر الأخرى، حيث إن سيطرة رفض الآخر الدينى تأصلت وتجذرت وتكدست نتيجة لذلك الفكر الدينى غير الصحيح الذى حول الإيمان الصحيح إلى ‏تدين شكلى ومظهرى بعيدًا عن الإيمان الواقر فى القلب الذى يصدقه العمل. الإيمان الذى يراه الناس فى الأعمال الصالحة وعلى رأس هذه الأعمال قبول الآخر أيًا كان الآخر «أحبوا أعداءكم باركوا لاعينكم ‏أحسنوا إلى مبغضيكم صلوا من أجل المسيئين إليكم»، مع العلم أن هذا التدين الشكلى يعتمد على مجرد عملية الإعلان عن الدين الموروث الذى تحول من إطاره الإيمانى القلبى والعقلى إلى إطاره ‏الاجتماعى الذى يحافظ على الشكل ويقدس الموروث. هنا يتحول الدين والتدين إلى صراع اجتماعى من فيه المنتصر ومن هو المهزوم. وكل طرف يتحول تصورا منه أنه قد أصبح هو الوحيد المدافع عن ‏الدين، وكأن الدين لا صاحب له قادر على الدفاع دون الاحتياج إلى هؤلاء المدعين!. وهذا التصور وذلك الادعاء يريح ضمير صاحبه، على اعتبار أنه قد أدى ويؤدى واجبه الدينى الذى يضمن معه الجنة أو ‏السماء، وما أرخص هذه الأثمان للجنة وللسماء فى الوقت الذى يستخف فيه هؤلاء من الالتزام بالقيم العظيمة للدين ولمقاصده العليا التى تتوافق جميعًا فى إطارها الإيمانى وكذلك الإنسانى. فى هذا المناخ ‏وفى إطار ذلك الفكر وتطورا لهذه الممارسات نجد من يستفيدون من هذا، خاصة من رجال الدين هنا وهناك على اعتبار أنهم هم القيادات العليا التى ترسم وتسهم فى نشر هذا الفكر الدينى غير السليم، حيث ‏إن المتدين الشكلى يدخل فى إطار ممارساته خضوعه إلى قيادة دينية سواء كانوا من رجال الدين الرسميين أو من تلك المنظمات التى اتخذت من الدين اسمًا للاستفادة التنظيمية والشخصية والذاتية، وكله باسم ‏الدين وباسم الدفاع عن الدين. وهذه القيادات لا يوجد لها رأسمال تتاجر به غير عملية تكريس رفض الآخر وليس قبوله. فقبول الآخر الدينى وغير الدينى يقضى على الطائفية ويسقط المناخ والممارسات ‏والفرز الطائفى الذى هو الساحة الأمثل لممارسة سياسة رفض الآخر. هنا وللأسف الشديد نجد أن هؤلاء يختصرون الدين والتدين فى رفض الآخر، ويتطور رفض الآخر إلى آخر مدى، فلا يرفض المسلم ‏المسيحى، والعكس صحيح، ولكن يرفض المسلم المسلم «سنى- شيعى»، ويرفض المسيحى المسيحى «كاثوليك- أرثوذكس - بروتستانت» حينذاك يصبح رفض الآخر بكل مستوياته شيئا طبيعيا باعتبار أن ‏الدين هو الأهم فى حياة المنتمى للدين. هنا وجدنا تلك الوسائل الاتصالاتية فى متناول الصغير قبل الكبير، الأمى قبل المتعلم، الجاهل قبل المثقف.. ولأن هذه الوسائل تعطى إحساسا كاذبا للمتعامل بأنه يملك ‏الكون فى كفه وأنه يستطيع التعبير عما يريد بلا حواجز، فوجدنا الساحة الأهم والجانب الأخطر هذا السجال على أرضية رفض الآخر على الأرضية الدينية بل الطائفية.. الجميع يسب الجميع، الكل يحتقر ‏الكل، ليس الأشخاص ولكن للأسف الأديان ذاتها، تصورًا أن هذا دفاع عن الدين، فى الوقت الذى وبهذه الممارسات لا علاقة لهم بالدين، أى دين، حيث إن الأديان هى إرادة إلهية لا شأن للبشر فيها، ‏والحساب لله وحده لا قدرة للبشر عليه. فهل ننتبه لهذا الخطر المتفاقم والمتصاعد، الذى يهدد بالفعل الأمن القومى للوطن، حيث لا غالب ولا مغلوب فالجميع فى مركب واحد والمصير واحد ومصر وطن ‏كل المصريين.‏