رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أهلًا بالأعياد.. عيد الأضحى وعيد السيدة العذراء


كأن القدر يريد أن يبرهن على أن مصر هى مهد الحضارة وحاضنة أبنائها جميعًا معًا.. وأنها أصل الاحتفالات بالأعياد وأصل العلوم والمعرفة والفنون والبهجة.. فها نحن، مسلمين ومسيحيين، يطل علينا العيد معًا ليصبح عيدين، عيد الأضحى المبارك وعيد السيدة العذراء، فى نفس الشهر وفى نفس الأيام.
يصوم المسيحيون ١٤ يومًا قبل عيد السيدة العذراء، كما يصوم كثير من المسلمين عشرة أيام قبل يوم عيد الأضحى، والأجمل من هذا أنك تجد المسلم يهنئ المسيحى، والمسيحى يهنئ المسلم.. وامتلأت مواقع التواصل الاجتماعى بصور المعايدات بعضها للسيدة العذراء وبعضها لعيد الأضحى المبارك.. أذكر هذا حيث كنا معًا فى جلسة دردشة مع بعض الأصدقاء والصديقات نتكلم عن فقدان كثير من القيم والأخلاق فى تعاملاتنا وسلوكياتنا، وطرحنا سؤالًا هل ستختفى لمة العائلات فى عيد الأضحى المبارك؟ وهل عادات المصريين فى الأعياد نتيجة متغيرات الحياة، وانشغال الأبناء بحياتهم، سيضعف من الروابط العائلية كما كانت فى السابق؟! دارت بيننا هذه الأسئلة التى تعكس قلقًا على قيم وسلوك الشعب المصرى التى بدأت تضعف، وبدأت تظهر على السطح سلوكيات وممارسات مستجدة ومقحمة علينا.. أما أنا فأرجعت السبب إلى نقطة فاصلة فى تاريخنا أتوقف عندها كثيرًا لتحليل ما حدث ويحدث، وأقصد بذلك ثورة يناير ٢٠١١، حيث بدأت موجة موجهة لنشر الفوضى فى كل ربوع مصر، وهى فوضى تزعمها تيار التطرف والعملاء والنشطاء الممولون من الخارج، ووضعوا الهوية المصرية كهدف لتدميرها.. فمن خلال تدمير ثقافة وقيم وهوية مصر يمكن إضعاف مصر، لكنها استعصت على خطط التقسيم، واستعصت على خطط التدمير. كما أنها استعصت على خطط نشر الفتنة بين المسلم والمسيحى.. لكن هذا لا يعنى أن المؤامرات على ثقافة وهوية المصريين قد توقفت، بل لا تزال مستمرة ومتجددة.. ولكن فى الوقت نفسه، ومن ناحية أخرى، تحدثت إحدى الصديقات لتؤكد أن الأسر المصرية لم تعد تتجمع فى الأعياد كما فى السابق، نظرًا لضعف الروابط وسفر الأبناء إلى أماكن أخرى، وعدم تجمع الأسر، مما كان يميز مجتمعنا فى السابق.
وأكدت أخرى أنه قد حدث تفكك فى العلاقات الأسرية نتيجة اختلاف التفكير بين الأجيال، وظهور مؤثرات كثيرة خارجية وداخلية فى حياتهم. وهنا أتوقف قليلًا حتى لا تأخذنا المتغيرات والأحداث لأنه لا بد أن يكون هدفنا المحورى كشعب محب لمصر أن نحافظ على هويتنا المصرية وأن ندرك أنها مستهدفة، وأن نحرص على القيم التى تميز المجتمع المصرى عن غيره من المجتمعات، والتى جعلت منه كيانًا متماسكًا وصلبًا.. وأؤكد أيضًا على دور الأم فى المحافظة على القيم ونقلها للأبناء.. ولا بد أن نكون فخورين بثقافتنا وهويتنا وقيمنا فنحن شعب يحب الحياة ويحب البهجة قبل أى شعب آخر، ومنذ العصور الفرعونية.. نحن شعب عرف الموسيقى والاحتفال بالأعياد منذ الفراعنة. فكان المصريون القدماء يحتفلون بالأعياد ولا تزال بعض هذه الاحتفالات موجودة حتى اليوم. ولقد كانت القيم والثقافة والعادات المصرية على رأس قائمة ما استهدفه كل الغزاة الذين تعاقبوا على بلدنا.. فالأتراك استهدفوا إضعاف القيم المصرية، مثلًا، فمنعوا خروج السيدات والأطفال من المنازل، ومنعوا خيال الظل الذى كان الأطفال يلهون معه فى الشوارع.. ومنعوا زفة العرسان فى الشوارع ومنعوا الغناء والموسيقى، وقتلوا النساء والأطفال وأساءوا معاملة أبناء الشعب لأنهم أرادوا إغراقه فى غياهب التخلف والقهر وطمس الثقافة المصرية بعد أن كانت للمرأة المصرية مكانة متميزة.. لكنهم رغم هذا لم يستطيعوا، رغم محاولاتهم وخططهم التدميرية، أن يدمروا هوية أو روح المصريين، فكانت لمصر الريادة فى المنطقة فى حقوق المرأة ووجدنا النساء المصريات مثلًا يتظاهرن مع الرجال فى ثورة ١٩١٩ بقيادة هدى شعراوى ضد الاحتلال الإنجليزى ثم بدأت المطالبة بحقوقها بعد ذلك.
ومن ناحية أخرى عادت احتفالات المصريين فى الشوارع، ورأينا عروض الأراجوز تعود ومستمرة حتى اليوم فى الشوارع، وفى مسرح الأطفال، وفى الأفلام ولا يزال أحد أنواع الفنون التى تعيش بيننا حتى اليوم.. وحينما نعود بالذاكرة إلى الغزو الفارسى سنجد أنهم أيضًا أرادوا نهب ثرواتنا المادية والروحية، فحاولوا تدمير معالم الثقافة المصرية الفرعونية، فدخلوا إلى المعابد والبيوت فأحرقوها، وأحرقوا الكتب، وكانت المعابد الفرعونية حافظة للثقافة وللعلوم والتنوير والمعرفة فدمروا الكثير منها.. لكنهم لم يفلحوا فى طمس هوية الشعب المصرى رغم هذا.
وبعد ثورة يناير ٢٠١١ ظهرت مرة أخرى على السطح محاولات حثيثة لتدمير وإضعاف وتهميش الهوية المصرية والثقافة المصرية من خلال جماعات الظلام والتشدد والتطرف، لكن قامت ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣ لتعكس رفض المصريين للظلام وللتخلف ولكل محاولات تحويل هذا الشعب، صاحب الحضارة العريقة، إلى شعب متطرف ومتشدد وعنيف وكئيب. وها نحن فى ثانى أيام عيد الأضحى المبارك، المتزامن مع عيد السيدة العذراء، نجد أن العيد قد أصبح عيدين. فلنجعل من احتفالنا بالعيدين معًا قيمة مضافة، تؤكد هويتنا العريقة التى كانت طوال تاريخنا تؤكد أننا شعب محب للسلام والبهجة والحياة.. وأنا ما زلت أطالب بأن نعى أن ملامح مصريتنا هى ملامح عريقة وراسخة بداخل تكويننا، وأنها تميزنا عن غيرنا من الشعوب وهى مدعاة فخر لنا فهنا مهد الحضارة الإنسانية منذ ٧٠٠٠ سنة، وعلى أرض مصر تم تأسيس أول دولة مركزية منذ ٣٠٠٠ سنة على ضفاف نهر النيل، فنشأ شعب يحب السلام ويحب الحياة.. ويحتفل بالأعياد والمناسبات بالغناء والموسيقى.. فدعونا نحافظ على هويتنا المصرية العريقة، وعلى قيمنا وثقافتنا، ودعونا ننشر الأمل والبهجة وننتهز فرصة الأعياد المتزامنة لنؤكد أننا شعب لديه مخزون ثقافى وتاريخى يُمكنه من العبور إلى المستقبل، ويمكنه تجاوز الصعاب والمحن بخطى ثابتة. وكل عام ونحن جميعًا بخير.. ومصرنا بألف خير.