رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مخترع الـ"واى فاى": أسعار الإنترنت فى مصر مرتفعة والخدمة سيئة (حوار)

جريدة الدستور

بوجه باسم التقط مجموعة من الصور مع بعض الشبان قبل أيام على أحد مقاهي منطقة «إمبابة» التابعة لمحافظة الجيزة، وعلَّق أحدهم على صورة معه بقوله: «إذا رأيتم تلك الصورة، باستخدام الواي فاي، فالرجل الذي بجواري هو السبب»، وصف مقتضب لما قام به العالم المصري الدكتور حاتم زغلول، خلال رحلته التي امتدت 25 عامًا في كندا، رفقة صديقه الدكتور ميشيل فتوش، للتوصل لتقنية ساعدت العالم على تطوير أدواته وسرعاته في مجال الإنترنت.

حدثنا خلال الحوار عن العالم نيكولا تيسلا (1856 - 1943)، هذا العقل الفريد الذي أطلق مشروع قادر على تغيير مجرى التاريخ، كي ينقل الكهرباء بشكل لاسلكي عابر للقارات، وطموحه في أنّ يكمل على ما انتهى إليه، وكذلك عن الإنترنت ونشأته وحاله، وما آل إليه، ومدى أهمية مشروعه الذي بنيت على أساسه تقنية الـ"واي فاي"، وبالرغم من الحوارات واللقاءات التي أجريت معه بعد عودته إلى مصر قبل 10 أعوام، نادرًا ما تطرق أحد إلى نشأته وحياته، والمناخ الذي أتاح له التوصل للاختراع.

بدأنا الحوار من حيث بدأت حياته هو، ليقول: «ولدت في إمبابة عام 1957 في شارع 8 بمدينة التحرير، وبقيت هناك حتى انتهيت من الجيش وكان عمري 23 عامًا، كنت متنقلًا بين مصر والخارج، لأن والدي كان يعيش في إنجلترا وكنت أسافر له كثيرًا، لكن الدراسة كانت في مصر».

الدكتور حاتم زغلول، تلقى العلم في مدارس إمبابة خلال المرحلة الابتدائية والإعدادية، ويقول عن هذا إنَّ التعليم وقتها كان جيدًا، وكان يتيح له حصيلة معرفية جيدة للغاية، ورغم أنَّ أسرته كانت ميسورة الحال نوعًا ما، إلا أنَّه درس في المدارس الحكومية.

يستكمل الدكتور زغلول حديثه موضحًا أنَّه انتقل في المرحلة الثانوية لمدرسة «الأورمان» التابعة لمنطقة العجوزة، وهي مدرسة حكومية أيضًا، ويقول عن تلك المرحلة: «حينما كنت في المرحلة الثانوية، يمكن أنّ نقول بدأ النبوغ يظهر، وكنت عادة ما أفهم الرياضيات أفضل من المعلم، وأصرُّ على الحل بطريقتي، واخترع طرق أسهل من الطرق المعتادة».

أنهى زغلول تعليمه الثانوي بحصوله على مجموع 93% وكان وقتها يتيح له الالتحاق بأي كلية يريدها، وانضم بعد ذلك لكلية الهندسة جامعة القاهرة والتحق فيها بقسم كهرباء الاتصالات: «حينما التحقت بهندسة القاهرة كنت الأول بفارق كبير جدًا في العامين الأول والثاني، ودرجاتي كانت تتجاوز الـ100%» على حد قوله.

خلال تلك الفترة كان اهتمامه منصبًا على الجانب النظري بشكل أكبر، وكان يزور ألمانيا خلال الصيف، وفي السنة الثانية اخترع جهاز لدهان الخشب، واشترته شركة ألمانية كبيرة متخصصه في مجال المطابخ.

• هنا وجهنا له سؤالا متلعِّقا بالبدايات.. هل كان لك اختراعات حينما كنت طفلًا تشير لمستقبلك؟
- كان هناك بعض الاختراعات التي أغلبها لم ينجح، أذكر مرة أنا وصديق لي يدعى مجدي السيد حاولنا صناعة راديو وبعض الأشياء الأخرى، وكنا نشتري بعض الأدوات من «سوق الجمعة»، ولكن لا أذكر اختراع محدد فكما ذكرت أنا أقوى في الجانب النظري، وكنت أحاول فهم كل شيء، درست نظرية «النسبية» في عمر الـ 12 وغيرها، وكان لأسرتي عامل في هذا الأمر، فأنا لي 3 أخوة جميعهم مهندسين، ولذلك حينما كنت أسأل على شيء كان من السهل أنّ يشرح أحدهم لي.

•حدثنا عن أسرتك؟
- والدتي كانت ناظرة بمدسة "الاتحاد" بإمبابة، وكانت جبارة في التعليم، كانت تطبقه بنسبة كبيرة في المنزل، ومن بين الأمور التي أذكرها أنَّها كانت تجعلنا مسؤولين عن ميزانية الأسرة لمدة شهر، وأول مرة فعلت ذلك كان عمري 12عامًا، إلى جانب أنَّها كانت تستشيرنا قبل اتخاذ أي قرار، ووالدي كان يعمل سكرتيرًا بسفارة مصر في إنجلترا، وكنت أسافر له كثيرًا، ثم ترك بعد ذلك العمل الدبلوماسي وانتقل إلى إلى العمل كمذيع في راديو هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي".

«ابتسم بعد ذلك وهو يتذكر».. في أواخر الصف الثاني الإعدادي، طلبت أنّ أقرأ، وقالت لي والدتي أنّ أزور مكتبة المدرسة - إمبابة الإعدادية- وقد كان، إدارة المدرسة اصطحبتني لمكان ما فوق سطح المبنى به مكتبة مغطاة بالأتربة، حينما رأيت المنظر طلبت منهم أنّ يتركوا لي المكان لآخر الصيف حتى أقوم بإعداده وإعادة ترتيبه، وقد كان، وجرَدتُ المكان، وبالتعاون مع الإدارة خاطبت الطلاب الذين خرجوا من المدرسة، واستعدت الكتب التي استعاروها، واستطرد: «أهم شيء هو التأسيس، ولذلك يجب أنّ تقرأ وتتعلم جيدًا، ثم تبدأ بعد ذلك مرحلة الاختراع، لأنِّ الاختراع يشبه "الفهلوة" يجب أنّ تكون مستعدًا جيدًا، ثم بعد ذلك تقوم به».

• ماذا عن حياتك الاجتماعية؟
- «لم يحب تناول هذا الجانب بشكل كبير، ولذلك مررنا عليه بشكل مقتضب»، والمثير هنا أنَّ زواجه الأول كان في السنة الأخيرة من الجامعة، كان عمره وقتها 21 عامًا، تزوَّج من سيدة ألمانية، وأمضى معها 5 أعوام ولم ينجب منها، وكانت تزور إمبابة معه، ويقول: «أحب أنّ أقول إنَّ لها تأثير كبير على مراحل تكويني الاجتماعي وتحركاتي في الخارج، كانت تساعدني في الكثير من الأمور»، بعد ذلك تزوج من سيدة كندية ورزق منها بـ 3 أبناء، وحصل على الجنسية الكندية.

• ما هي خطواتك الأولى في الحياة بعد الجامعة؟
- تخرجت في جامعة القاهرة وعمري 22 عامًا، ثم التحقت بالقوات المسحلة المصرية كمجنَّد لمدة 15 شهرًا، وبعد ذلك عملت في شركة بترول تدعى "شلمبرجير"، وسافرت خلال عملي بتلك الشركة إلى العديد من الدول، وعملت بها عامين ونصف العام، وبعدها استرحت من العمل ما يقرب من 6 أشهر كإجازة، ثم سافرت إلى كندا، كنت أزور أخي المهاجر هناك، وبدأت تحضير الماجستير في جامعة "كالجاري" وبقيت هناك لمدة 25 عامًا.

• ننتقل بعد ذلك لاختراعك.. كيف نفهمه ببساطة؟
- في العام 1989 عملت بشركة اتصالات كندية تدعى "تيلوس" وطلب منّي العمل على مساعدة الشركة فيما يخص الجيل الثاني من تكنولوجيا الإنترنت، وكان ظهر وقتها الجيل الأول الذي لم يدخل مصر أبدًا، وطلبوا مني دراسة التكنولوجيات المتاحة، والتوصل لأفضل كيفية يمكن من خلالها تحقيق سبق في تكنولوجيا الجيل الثاني، وهنا طلبت الاستعانة بصديقي ميشيل فتوش، الذي كان يعمل بجامعة "كالجاري"، وعرضت عليهم التقرير الذي انتهينا إليه، واخترنا أحد التكنولوجيات التي يمكن العمل بها، ولكن في نهاية التقرير ذكرنا أنَّ كل تلك التكنولوجيات سيئة.

كان الإنترنت وقتها بطيء للغاية، ومثلًا فكرة تحميل صورة من على موقع كان يتطلب يومًا كاملًا، فلو حاولت مثلًا زيارة أحد المواقع لقراءة أخبار مصر، كنت افتح "المودم" واتركه وأذهب لأقضي بعض حاجاتي، وحينما أعود تكون عناوين الأخبار قد ظهرت، فأختار ما أريد قراءته منها، وأنقر فوقه، ثم أذهب وأعود بعد فترة فيكون قد تم تحميله.

كانت طريقة استخدام الإنترنت وقتها تسمى «الاتصالات الرقمية فوق الصوت» بمعنى استعمال الصوت للنقل الرقمي، وأنا وميشيل فكرنا أنّ المستقبل أن سيكون للصوت الرقمي، بمعنى أنَّ جهاز المُرسل والمستقبِل يتعامل مع الأرقام، ثم يحولها لصوتيات، واخترعنا تكنولوجيا أساسها أنَّ العالم سيستخدم التكنولوجيا الرقمية، وكان هناك تكنولوجيا موجودة وقتها تسمى "ofdm" كان يمكن تطبيق هذا النموذج عليها، ولكن كان بها عددًا من العيوب، وتمكنا من حلها واتاحت التكنولوجيا الاتصال اللاسكلي عالي السرعة بين الأجهزة الإلكترونية وبعضها، ونشرنا الاختراع في العام 1991، وتم تسجيله في العام 1993، ثم أسست بعد ذلكك شركة «WiLAN» بالتعاون مع الدكتور ميشيل فتوش عام 1992 في كندا من أجل تحويل تلك الاختراعات إلى منتجات تجارية.

• ما أهمية الاختراع تحديدًا؟
- أهمية الاختراع، أنَّه تمكن من تحقيق قفزة كبيرة في سرعات الإنترنت، وبني على ذلك الـ"واي فاي" السريع، في هذا الوقت كنت وميشيل نطور سرعات تصل لـ200 ميجا بايت في الثانية، وكان العالم يخطط لإصدار الـ 1 ميجا في الثانية، وفي عام 1997 تبنى المشروع معهد «مهندسي الكهرباء والإلكترونيات» أو «ieee» ومقرَّه الولايات المتحدة الأمريكية، واتفق في العام 1998 على أنَّها أكفأ تكنولوجيا للاستخدام.

• لو هنقيِّم المشروع بأكلة مصرية تعرَّف الناس شكله وحجمه.. ماذا يمكن أن تكون؟
- «أجاب مازحًا».. اعتقد أقرب لـ"الكشري" لأنَّه يحتوي على العديد من الأمور في نفس الوقت، ومعقد جدًا، ولا يتم إلا بطريقة منضبطة للغاية.

• هل كان لك اختراعات أخرى بنفس الأهمية والشهرة؟
- أشهر اختراعاتي أنا وميشيل، كان الاختراع سابق الذكر وهو المعروف اختصارًا باسم «WOFDM» وهو أساس تكنولوجيا «واي فاي» و«واي ماكس»، وكذلك اخترعنا تكنولوجيا «MCDSSS» وهي أساس الجيل الثالث من الإنترنت، وكذلك «»Long Term Evolution أو اختصارًا ««LTE.

• هل ننتظر من الدكتور حاتم زغلول اختراعات جديدة خلال الفترة المقبلة؟
- أعمل حاليًا على جهاز «واي فاي» جديد، يسمح لتواصل أجهزة الراوتر ببعضها، فلو حدث لسبب ما انقطاع الاتصال بسبب الفاتورة مثلًا، يمكنك أنّ تتصل بجار لك يمدك بالإنترنت لبعض الوقت، وأحاول وضع بعض النظم التي تتيح بعد ذلك إعادة الكمية التي حصلت عليها إلى الشخص الآخر وكيفية حسابها.

كما أحاول تطبيق نظرية المخترع «تسلا» والذي نجح في اختراع أمور عظيمة في مجال الكهرباء من بينها إمكانية نقل الكهرباء لاسلكيًا، ولكن هذا الأمر لم يطبق الأمر بشكل جيد، أحاول فهم الأمر بشكل أفضل وتطبيقه.

• هل يستغل الدكتور حاتم زغلول خبراته في تبنى المواهب المصرية الناشئة في مجال الاختراعات؟
- نعم.. أعمل على مساعدة مخترعين آخرين في ترويج مشروعاتهم، لدينا مثلًا منظومة لمنع الغش التجاري مع مخترع مصري يدعى وليد عيسى، وفكرتها ببساطة هي وضع كود على المنتج وهذا الكود مشفر ومرتبط بالجهة المنتجة، وبالتالي يمكن للمستهلك مراجعة الكود مع المُنتِج، وكذلك لدينا محاولة لاستخدام الطحالب لتغذية الحيوانات، فالعلف يكلف بين 7 أو 8 آلاف جنيه للطن، أما الطحالب لن تتجاوز سعر 1500 جنيه، وكما أن الطحالب البروتين فيها أعلى.

• ما هي الخطوة المقبلة التي يتجه لها العالم في مجال الإنترنت؟
- ما ينقص في الإنترنت هو زيادة السرعات، وأنّ ينتشر في العالم أجمع، فهناك مناطق حتى الآن لم تصلها تلك التكنولوجيا، ومناطق وصلتها ولكن بشكل ضعيف.

• هل ترى أنَّ سرعة الإنترنت وسعره في مصر مناسب؟
- بلا شك السعر مرتفع والخدمة سيئة، وحماية المستهلك ضعيفة للغاية، ولكن أعتقد أنّ هناك جزء أمني متعلق بالأمر، أتمنى أنّ تنتهي المشكلات، وأن يتم رفع السرعات.